العمل التطوعي والحوار المجتمعي من رموز تقدم الدول وازدهارها وتحضرها الي جانب كونه مطلبا من متطلبات الحياة العصرية لدعم التنمية والتطور السريع والمدروس في جميع المجالات. ولذلك اهتم بدعم العمل الاجتماعي والجمعيات الأهلية والمشاركة في الفعاليات المتعلقة بهما وقد تناولت في كتاباتي أهمية الحوار المجتمعي لأنني مقتنعة بأن الأجهزة الرسمية لن تستطيع وحدها حل مشكلات المواطنين. ولكن ما عايشته منذ أيام جاء مخيباً للآمال وصدمة حضارية جعلت النوم يطير من الجفون لعدة أيام، والتجربة كانت كالآتي: سكان الحي الذي اعيش فيه منذ سنوات الطفولة قرروا عقد اجتماع مع رئيس الهيئة القومية لمترو الانفاق وعدد من معاونيه بهدف إجراء حوار مجتمعي حول أهمية وجدوي تنفيذ المرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة بحي الزمالك وإنشاء محطة للركاب بميدان صدقي المواجه لمبني سفارة الجزائر بالاضافة الي اقامة محطتين واحدة للتهوية والأخري لتقوية الخط. فرحت بمبادرة الحوار الوطني ووضعت آلة التصوير والأجندة في حقيبة اليد استعداداً للنزول من المنزل وعندما لاحظ زوجي حماسي قال بسخرية »لا تنسي يا زوجتي العزيزة وضع مسدس صوت في الحقيبة لو كنت تريدين الكلام أو التعقيب« وأضاف بابتسامة صفراء »انت لسه عايشة في أغاني عبدالحليم الوطنية فأنا حضرت أمس الأول جلسة مناقشة أو حوار مجتمعي كما يحلو لك أن تسميه دارت المناقشة حول تطوير حديقة الأطفال بنادي الجزيرة وساد جو من الفوضي والغوغائية هذا اللقاء، ولم يستقروا علي رأي ولم يسفر عن شيء سوي اصابتي بالصداع واليأس«. كان اصراري علي المشاركة أكبر من اي تحذير من شريك حياتي، وشعرت بجمال المكان عندما دخلت قاعة الاجتماع بنادي نقابة المهندسين المطل علي النيل، لاحظت دقة تسجيل الأسماء وتنظيم الاجتماع من جانب جمعية تنمية خدمات حي الزمالك والتزم رئيس الهيئة ومعاونوه بالحضور في الموعد المحدد، بدأت الجلسة بشرح وعرض للخط الثالث كحل مثالي وحضاري للنقل السريع والمريح.. الخط يربط مطار القاهرة وجامعة القاهرة مروراً بمصر الجديدة، مدينة نصر، العباسية، العتبة، الزمالك، الكيت كات، المهندسين.. وعندما ذكر اسم الزمالك هبت عاصفة من الاحتجاجات والصياح والصراخ وتبادل الاتهامات بين الحضور والمنصة، انبري المهندس ممدوح حمزة لشرح سلبيات وايجابيات المشروع هندسياً وفي نفس الوقت وجه انتقادات لهيئة مترو الأنفاق التي قامت بمنعه من تقديم خبرته الاستشارية منذ عام 2002، تبادل الحضور اختطاف الميكروفون معربين عن مخاوفهم من تصدع الأبنية وسقوطها نتيجة عملية الحفر وتسيير المترو نظراً لقدم هذه المباني وطبيعة تربة جزيرة الزمالك كما انه لا توجد خرائط رسمية للصرف الصحي أو شبكة الكهرباء. ثم جاءت الطامة الكبري بتبادل الاتهامات والتراشق بالألفاظ، رئيس الهيئة صرح ان عدم إنشاء المحطة سيوفر 500 مليون جنيه للدولة وان هذا المبلغ سيوفر فلوس تنفع منطقة شعبية واتهم السكان بالطبقية.. ووصف بيان الجمعية تصرفات الهيئة بالالتواء وعدم الشفافية وهدد باللجوء للقضاء. وتبادل الحضور عبارات قاسية ووصفوا كل من حضر الاجتماع من غير سكان الحي بالطابور الخامس. وفجأة طلبت سيدة جالسة الي جواري ان أخرج بطاقتي الشخصية عندما رأتني أدون ملاحظات في الأجندة وصرخت في وجهي قائلة »كفاية عدم احترام للقانون والسكان كفاية بلطجة وغوغائية كفاية فساد ورشاوي« وبعد ان تأكدت انني من سكان الحي نظرت اليّ بعصبية وتركت المكان. وللأسف الشديد فشلت جلسة الحوار المجتمعي وانتهي النقاش بتصويت شارك فيه 127 شخصا وافق منهم أربعة فقط علي إقامة محطة المترو.. انسحب رئيس الهيئة ومعاونوه وانفضت الجلسة ولا تزال المشكلة قائمة والأمور معلقة.