الأيام الأخيرة نقلت لنا ان الولاياتالمتحدة تعارض بضراوة في الأممالمتحدة مؤيدة بكل الدول الغربية احتفال الأممالمتحدة في سبتمبر القادم بالذكري العاشرة لمؤتمر ديربان الذي عقد في جنوب افريقيا لمناهضة العنصرية. يبدو ان ذلك ترجمة لوعود واشنطن الأخيرة لنتنياهو بمعارضة أي مشروع قرار ينتقد إسرائيل في الأممالمتحدة أو غيرها. هذا إلي جانب تقديم دعم عسكري إضافي بطائرات مقاتلة قيمتها 3 بلايين دولار إلي جانب الدعم العسكري السنوي الحالي بنفس المبلغ، كل ذلك لمجرد اقناع اسرائيل بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر فقط لا تشمل القدس وبعد انتهاء هذه المدة تستطيع اسرائيل ان تفعل ما تشاء في بناء المستوطنات، وهي في الأصل لم تجمدها حتي خلال الفترة التي حدثت فيها المفاوضات. بعد الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي التي أسفرت عن حصول الجمهوري علي الأغلبية في الكونجرس قابل كانتور زعيم الأغلبية الجمهوري نتنياهو خلال زيارته لواشنطن وأعلن له بكل التباهي: »أنا معك وضد رئيس بلدي«. تصوروا مدي الهوان الأمريكي بموالاة دولة أجنبية ضد دولته وعلنا وتعهد له بأن الأغلبية الجمهورية ستمنع أي قرار أمريكي لا يساند إسرائيل مائة في المائة. هذه المقابلة كانت قبل لقاء نتنياهو مع وزيرة الخارجية الأمريكية التي أشادت كالمعتاد بإسرائيل والتزام أمريكا بأمنها الخ... ولذلك كان متصلبا في هذه المقابلة وفرض شروطه علي واشنطن. هل نتذكر الحاخام هوفيدا يوسف الزعيم الروحي لأكبر حزب ديني في اسرائيل هو حزب شاس الذي يشارك في الحكومة الإسرائيلية الحالية والذي قال ان اعصار كاترينا الذي أدي منذ سنوات إلي مقتل المئات من سكان مدينة نيو أورليانز بالولاياتالمتحدة هو عقاب من الله للرئيس الأمريكي بوش الذي أيد قرار الحكومة الإسرائيلية بسحب المستوطنين اليهود من غزة. موعظته الدينية أذيعت عبر التليفزيون الحكومي ولم يتفوه بوش بأي كلمة والشماتة في مقتل أمريكيين وهو الذي كان يتباهي بأنه أكبر رئيس أمريكي مؤيد لإسرائيل. وزير حزب ساش في الحكومة الحالية هو وزير الداخلية صرح بأن الحاخام هوفيدا يوسف طلب منه الوقوف بأي شكل ضد أي قرار يؤدي إلي تجميد حتي لو جزئيا في بناء المستوطنات. هذه تمثيلية مكشوفة بالقول بأن الحكومة الإسرائيلية منقسمة علي نفسها، ولكنها تهدف في الأساس إلي الضغط علي أمريكا لاستنزاف أكبر ثمن مقابل »موافقة« اسرائيل علي هذا الوقف المؤقت وبعدها تفعل ما تشاء بموافقة واشنطن نفسها وبموجب ضمانات مكتوبة. لم يقتصر الأمر علي العرب، بل امتد إلي الأفارقة، فبالرغم من كل التودد الإسرائيلي للدول الافريقية إلا ان نظرة الشعب الإسرائيلي، نعم أقول الشعب الإسرائيلي، للأفارقة هي نظرة دونية. فقد أصدر مؤخرا ستة من حاخامات إسرائيل فتوي تمنع الإسرائيليين من تأجير مساكنهم للأفارقة، بل ان أحدهم قال ان اليهود يخافون من الأفارقة بالليل. وقالت فتواهم »ان هؤلاء الذين يؤجرون شققهم للمهاجرين الأفارقة يتحملون المسئولية الروحية لأفعالهم«. وقال احد الحاخامات »ان اللاجئين السودانيين أصبحوا مصدر إزعاج كبير للسكان في تل أبيب الذين لا يشعرون بالأمن بسبب تواجد هؤلاء اللاجئين الذين يتجمعون علي النواصي يشربون البيرة ويدخنون الشيشة«، وهناك مطالبة بطرد كل المهاجرين من إسرائيل. كل هذه التصريحات والتصرفات العنصرية لا تزعج الخارجية الأمريكية التي تصدر بدورها فتاوي وأحكاما عن حقوق الإنسان والحريات الدينية في كل أنحاء العالم وتغض الطرف عما يحدث في إسرائيل، بل علي العكس يتنافس المسئولون الأمريكيون فيما بينهم للتدليل علي مدي ولائهم ومحبتهم لإسرائيل. وقد كان من أوائل الأفعال التي قام بها عدد من أعضاء الكونجرس الجدد السفر إلي إسرائيل لكي يثبتوا ولاءهم وتأييدهم لحكامها. هل انعدمت النخوة بين الأمريكيين الذين يلقون دروسا لكل دول العالم ولكن يحجمون عن ذلك بالنسبة لإسرائيل؟ نعم للأسف بين الغالبية التي تحجم عن توجيه أي انتقاد لإسرائيل مخافة ان يفقدوا وظائفهم ويتهموا بالعداء للسامية وهو أمر يعاقب عليه القانون الأمريكي، ولكن الأمر تحول إلي أن أصبح أي انتقاد لإسرائيل هو بمثابة عداء للسامية. ولكن ذلك لم يثن الجيل الأمريكي الجديد الذي يتعجب من خضوع مسئولي بلاده أمام إسرائيل، ولذلك نري في الجامعات الأمريكية صحوة غير عادية بين الشباب الأمريكي الذي يشبه إسرائيل بدولة الابارتهايد العنصرية في جنوب أفريقيا والدعوة إلي مقاطعتها. ولكن هناك أمريكي شجاع اسمه كريستوفر هاتشنر استشهدت به جريدة النيويورك تايمز منذ أيام الذي هاله خضوع بلاده ومسئوليها لإسرائيل وخاصة شعوره بالغضب لتصريح رئيس الأغلبية في الكونجرس الأمريكي لنتنياهو بأنه معه وليس مع رئيس بلده. قال واكتفي بما ذكره: »ان ما يحدث الآن هو ان وطني سواء وافقت هذه المجموعة من البهلوانات (الإسرائيلية) علي عرض أوباما/ كلينتون لإسرائيل أم لا، ولذلك يجب ان يكون هناك طلب جماعي أمريكي بسحب هذا العرض الذي يزود إسرائيل . ومن الكتابات الشجاعة والصريحة أيضا مقال دانيال كيرتز الذي أقدره كثيرا وكان سفيرا للولايات المتحدة في القاهرة وبعد ذلك في إسرائيل وهو يهودي حيث كتب في الواشنطن بوست ان الولاياتالمتحدة لأول مرة في التاريخ تكافئ إسرائيل علي أفعالها السيئة وهي ستندم علي ذلك مضيفا انه في الماضي فإن معارضة أمريكا للمستوطنات الإسرائيلية أدت إلي فرض عقوبات علي إسرائيل وليس مكافأتها، وغير واضح ان واشنطن قد فكرت في عواقب وتبعات قرارها، تهكم متسائلا: »هل ستكافئ أمريكا الفلسطينيين بنفس النهج؟«. هل من مجيب؟ لا أعتقد فهذه أصوات قليلة تغرد في البرية، ولكن لديها الشجاعة لكي تقول ما تشعر به الغالبية الصامتة من الشعب الأمريكي، أنا شخصيا من المعجبين بالولاياتالمتحدة وتقدمها وثقافتها وشعبها وأرغب في أفضل العلاقات معها، ولكني اتحسر علي مدي خضوع إداراتها المختلفة لما تقوم به إسرائيل تجاهها وبكل صلف وعنجهية. كاتب المقال : أمين عام الجمعية الافريقية