الحجر في مواجهة الغاز.. من يحسم المواجهة؟ تطبيقات تقنية عديدة استهدفت التقاط ثاني أكسيد الكربون، وتخزينه، بعضها دخل الخدمة الفعلية وأثبت جدارته، وأخري مازالت في طور التجريب، منها ما لا يفضله الذين يكافحون من أجل بيئة صحية ونظيفة بسبب تكلفته الباهظة، بينما البدائل محل التفضيل تكون أقل استدامة، وتحتاج إلي مزيد من التعديلات! من ثم فإنه -حتي الآن- لا تقنية بعينها تحمل في طياتها كل المزايا التي تدفع لاعتمادها بشكل نهائي في مواجهة الانبعاثات الكربونية، ومازالت العملية في إطار »الكر والفر« بين مظاهر التغير المناخي السلبية، والتي تقود إلي اختلالات بيئية متصاعدة، والآليات التقنية الكفيلة بحسم الموقف. مسحوق الدونيت آخر التجليات التي توصل إليها الباحثون، وهو نتاج طحن هذه النوعية من الاحجار لتصبح ناعمة تماما، لتكون مهيأة لاداء المهمة في صيد الكربون، وتوجيه الضربة القاضية نحوه ليستقر في قيعان المحيطات والبحار! وإلي حد بعيد فإن الفكرة في إطارها العام ليست جديدة تماما، فالاتجاه نحو تخزين ثاني أكسيد الكربون في الماء شغل الباحثين طويلا، وانحاز العديد منهم لتفعيلها بدلا من حقن الكربون تحت الأرض لحبسه وامتصاصه إذ إن ثمة مخاوف عديدة تحيط بتطبيق فكرة الحقن، خاصة ما يتعلق بمدي الملائمة الچيولوچية لمناطق الحقن، واحتمالات حدوث تسرب من مناطق التخزين بعد فترة قد لا تطول! بالمقابل فإن الاستعانة بمسحوق الدونيت أكثر امانا، فضلا عن أن تلك الاحجار واسعة الانتشار، بالاضافة إلي أن المادة الفعالة فيها وهي معدن الأوليفين يمثل 09٪ من حجم الدونيت في صورته الخام. وحتي يعمل الدونيت بكفاءة فانه يحتاج إلي وسيط هو الماء، حيث يتفاعل معدن الأوليفين مع ثاني أكسيد الكربون، وينجح في اقتناصه من الهواء، ويقوده إلي يحث مستقره في المحيطات والبحار! وعلي نحو ما، فإن هذه الفكرة تعد تطويرا لآلية سابقة كان الوسيط خلالها المناطق التي تتمتع بمناخ دافيء يحتضن تربة أكثر حمضية، ومن ثم توفر الظرف الانسب لتفاعل يقود لتحلل معدن الأوليفين سريعا في الماء. غير ان العلماء والباحثين انتصروا لفكرة صيد ثاني أكسيد الكربون في المحيطات والبحار لتهضمه مياهها، حيث يُحبس ذائبا! ورغم الحماس الكبير للفكرة، فإن التعادل بين الكمية المطلوبة من احجار الدونيت المطحونة ونظيرتها من ثاني أكسيد الكربون الذي يتم اصطياده بنسبة (1 إلي 1)، يعني هذا التعادل انه مقابل كل طن من الكربون هناك طن من مسحوق الدونيت لتتم العملية علي النحو الفعال، وبالتالي فإن توسيع نطاق استخدام الدونيت يعني زيادة استخدام الطاقة الكهربائية اللازمة في الطحن، مما يؤدي لانبعاث كميات جديدة من ثاني أكسيد الكربون حال اللجوء إلي احد أنواع الوقود الاحفوري في توليد هذه الطاقة، ومن ثم الدخول فيها يشبه الدائرة الجهنمية!! ربما يقود ذلك إلي التفكير في الاعتماد علي احد أنواع -أو مزيج من- الطاقات المتجددة صديقة البيئة، لتوليد الكهرباء اللازمة لطحن كميات هائلة من احجار الدونيت لكسر الدائرة، ليس فقط فيما يتعلق باستبعاد انبعاث كميات جديدة من الكربون فحسب، ولكن أيضا بحساب التكلفة لتكون عنصرا مشجعا وفق معايير واقعية التطبيق، خاصة في جوانبها الاقتصادية. لكن ثمة سؤال يظل معلقا: إلي أي مدي تتأثر الحياة البحرية في المحيطات والبحار التي تصبح ميداناً للمواجهة بين الدونيت والكربون؟ المستقبل وحده كفيل بالاجابة!