ناصر عبدالعزيز في حياة كل أمة لحظات مصيرية، هي مفترق طرق لا تترك لنا فرصة واسعة للاختيار، ما لم نتحلي بأقصي درجات اليقظة والوعي في مواجهتها بما تستأهله. ونعيش في مصر الان لحظة كتلك اللحظات، التي تفرض علي كل الفرقاء في الساحة المصرية التحلي بأقصي درجات التجرد وتغليب المصلحة الوطنية العليا في حسابات كل منا، فما هو المطلوب من كل الأطراف لنعبر معا بمصر إلي بر الأمان ؟ أولا: رأس القيادة السياسية المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت، الذي قضت خريطة الانتقال، التي ارتضتها جموع واسعة من الشعب المصري في خروجها العظيم يوم 03/6 في سياق تصحيح مسار ثورة يناير، أن يكون هو عنوان هذا الانتقال، الرجل بخلفيته القضائية الرفيعة وانتمائه إلي أهم سلطات الدولة، مدعو لأن يمسك باللحظة بحسم ووعي كاف، فيحدد مع شركاء الحياة السياسية المصرية، أولويات الانتقال الصحيح، علي نحو يبدأ بإعداد دستور يحقق التوافق الذي افتقدناه طوال المرحلة الانتقالية، فلن يصنع الاستقرار دستور مراوغ تضرب مواده بعضها، ويعصف بحقوق البعض، يأتي بعد ذلك الدفع بهذا البنيان الوزاري الذي اختاره الرئيس، للاشتباك مع هموم واحتياجات المواطنين، بحسب الأولويات التي تتمثل الأن في تحقيق الأمن في الشارع، وإشعار المواطن بالأمل في المستقبل، وإطلاق وتحفيز طاقة أبنائه، والتأكيد علي القطيعة مع الماضي بكل مساوئه ومهما حدث، مع الإدراك الواضح لأهمية الوقت، باعتباره سيفا مسلطا علي رقاب كل أركان النظام الحاكم، لا بد من خطاب صريح وواضح يضع الشعب في قلب الحقائق والتحديات، فلا يعده بأنهار اللبن والعسل، فلا يجد إلا الدم والدموع أما حكومة الدكتور الببلاوي، والتي أثنت عليها بعض الدوائر الغربية، باعتبارها من أكفأ المجموعات الاقتصادية التي تضمنتها كل التشكيلات الوزارية حتي الان، فبالرغم من كل الآمال المعقودة عليها ممن اختارها، فهي محاصرة بشكوك تتعلق بانتماء بعض رموزها للماضي، لذا هي مطالبة ببذل مزيد من الجهد الدائب والبحث عن حلول خلاقة لكل ما يواجه الاقتصاد المصري من عقبات لتأكيد ثقة الشعب فيها. إن إدارة علاقات صحيحة مع دول الإقليم ومع المؤسسات الدولية، واستعادة الثقة في الاقتصاد المصري، وحل مشكلة عجز الموازنة العامة للدولة، وتحقيق مقدمات العدالة الاجتماعية، هي اولويات لا فكاك منها، كيف تستطيع الحكومة فتح قنوات نشطة مع كل المبادرات الجادة والخلاقة، بما يصنع أساسا متينا لنهضة هذا البلد، يقوم علي مشاركة كل القادرين والراغبين، إن عقد المؤتمر القومي الأول للثورة، والذي يمكن أن يجمع كل الخبرات الوطنية بالداخل والخارج، لصياغة رؤية للمستقبل، يمكن أن يشكل مدخل صحيحا، تبدأ به هذه الحكومة مسيرتها نحو النهوض أما الفريق أول عبدالفتاح السيسي، قائد هذا العبور ومهندس هذا التغيير، هذا الرجل الذي صنعته الأٌقدار الذي انحاز للدولة المصرية الوطنية، فقرر التدخل لإنفاذ الإرادة الشعبية في لحظات حرجة وحساسة، ولم يبالي سوي بالوطن ومصالحه العليا، فلا نريد له أن ينغمس بأكثر مما هو ضروري لإتمام تلك المرحلة، فقد تحمل جيشنا العظيم ما لا يطاق من ضغوط وأعباء، وقدم تضحيات هي امتداد لميراث طويل من التضحيات في سبيل هذا الوطن، باعتباره عمود الخيمة، فتحية لهذا الجيش العظيم، الذي نتمني له أن يحرس هذا الانتقال الديمقراطي، دون أن يؤثر ذلك علي مهمته الأساسية في حماية أمن مصر، التي لاتزال تتهددها أخطار جمة أما المعارضة بشقيها الإسلامي والمدني، فنقول لها كنتم خلال المرحلة السابقة المشكلة، فكونوا في هذه المرحلة جزءا من الحل.. نقول لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من التيارات الإسلامية، إذا كنتم قد خسرتم معركة السياسة والحكم، فلا زالت لديكم فرصة أكبر في ميادين الدعوة للقيم والأخلاق، بل وفي الحكم أيضا بعد أن تراجعوا تجربتكم، وتفصلوا فصلا واضحا بين المسار الدعوي والسياسي في مسيرتكم، فلقد علمتم ماذا خلف المزج بينهما في تجربتكم، لديكم الفرصة للمراجعة وتصويب الخطط وإنضاج البرامج، من خلال حزب سياسي واحد أو أكثر لو أردتم، واستعادة الثقة في الدعوة بعدما تشوهت كثيرا بفعل تجربتكم السياسية، شاركوا في الحياة السياسية علي قواعد جديدة، تقوم علي العدالة واختيار الأكفاء والأقدر والأكثر خبرة، كونوا جزءا من خارطة المستقبل، ولا تجعلوا الماضي يربك رؤيتكم للواقع فيحجب حقائقه عنكم، أنتم فصيل وطني أصيل، نحن بحاجة إليكم بالضبط كما أنتم بحاجة إلينا، فنحن شركاء وطن واحد، ولن يضيق صدر الوطن بنا معا أما المعارضة المدنية، فأتمني عليها أن تتخلي عن روح المكايدة السياسية والرغبة في الانتقام والإقصاء، وتتحلي بروح التسامح والعدل، وقد كانت جزءا أصيلا من أوجاع ومشاكل هذا الوطن في المرحلة السابقة، ولم يكن أدائها مرضيا أيضا لجموع الشعب، هذا الانتقال سيضع قواعد عادلة للمنافسة فلا تشوهوها بالكيد والعداوة، وعودوا مع كل شركاء الثورة إلي ميدان واحد، هو ميدان العمل والإنتاج قبل أن تفوتنا فرصة إنقاذ الوطن الذي نحبه جميعا.