الآن، وبعد اعلان اللجنة العليا للانتخابات الكشوف النهائية للمرشحين لخوض السباق الانتخابي، من جميع الأحزاب الشرعية، وغيرهم من المستقلين، نستطيع القول بأننا سنشهد معركة انتخابية ساخنة، يسعي فيها المرشحين لشرف الحصول علي ثقة الناخبين، بوصفها جواز المرور لعضوية مجلس الشعب، وتمثيل الأمة في البرلمان الجديد، في فترة من أهم فترات العمل الوطني، يتحدد خلالها مستقبل الوطن والمواطنين، في المرحلة المقبلة. وسخونة المعركة التي أصبحت حقيقة واقعة في جميع الدوائر، وكل المحافظات، تأتي امتدادا طبيعيا، وترجمة صادقة لجميع المظاهر، والمؤشرات الطافية علي سطح السباق الانتخابي والحياة السياسية في مصر، بطول وعرض البلاد من الإسكندرية شمالا وحتي أسوان جنوبا، ومن سيناء شرقا وحتي السلوم غربا. وهذه الانتخابات تكتسب أهمية متزايدة حيث أنها تتم في إطار عملية الإصلاح الواسعة التي لحقت بالحياة السياسية في مصر، والتي تسارعت خطاها خلال السنوات الخمس الماضية بهدف دعم وترسيخ المواطنة والتعددية والديمقراطية باعتبارها الدعائم الاساسية التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة التي نهدف الي تثبيت قواعدها وبنيانها في وطننا، باعتبارها الضمان الوحيد والقوي لحرية المواطنين واستقرار الوطن، وتقدمه علي طريق الاصلاح والتحديث. وأحسب أنه من الضروري أن يكون واضحا أمامنا جميعا، أن ذلك يتطلب منا كمواطنين وابناء لهذا الوطن، الحرص البالغ علي استمرار مسيرة الاصلاح التي فرضت واقعا سياسيا جديدا غمر مصر كلها، وخلق مساحة واسعة من الحرية بجميع صورها تتجلي فيما يتمتع به الكل من حرية الرأي والتعبير وما نقرأه ونشاهده ونشارك فيه من تعدد في الآراء والرؤي علي صفحات الصحف ومن خلال أجهزة الاعلام ومنابر الأحزاب. ونحن نثق بالوعي الجماهيري المتزايد بأهمية المشاركة الفاعلة في الانتخابات، والاختيار علي أساس البرنامج الواضح والمحدد للمرشح، وأن تكون القاعدة والركيزة في الاختيار هما المباديء والتوجيهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرشحين، الموضحة في برامجهم التي تقدموا للترشح علي أساسها، ووفقا لقناعات وتوجهات الاحزاب التي ينتمون إليها، وأن يكون المعيار هو قدرة المرشح، ومقدرة الحزب علي الوفاء بما التزم به، وما وعد به.
وفي هذا الإطار لفت نظرنا جميعا، ونحن نتابع مجريات السباق الانتخابي في بداياته الحالية ومنذ أيام، أنه في الوقت الذي كنا نتوقع فيه التزاما واضحا ومؤكدا بالدستور والقانون من جميع المرشحين، خاصة فيما يتصل بالابتعاد تماما عن استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، وعدم اللجوء لأي صورة من صور التفرقة بين المواطنين علي أساس الدين، والبعد تماما عن خلط الدين بالسياسة،...، إذا بنا نجد جنوحا ملحوظا ومتزايدا من بعض المرشحين المستقلين في الظاهر، والمنتمين للجماعة المحظورة في الباطن، لاستخدام الشعارات الدينية في الدعاية، والعزف بصفة دائمة علي اوتار المشاعر الدينية، وخلط الدين بالسياسة، ضاربين عرض الحائط بنصوص الدستور، واحكام القانون. وما يستوجب الانتباه في ذلك، هو ما يحمله في طياته من إصرار علي مخالفة القانون من جانب مرشحي المحظورة المتخفين في لباس المستقلين، ورغبتهم الواضحة لضرب عرض الحائط بنصوص واضحة ومحددة في الدستور،...، وهذا في حد ذاته شيء خطير، لايجب التساهل معه، أو التغاضي عنه، لما يحمله في طياته ومعناه من دلالات لايمكن التهاون تجاهها، أو التسامح معها. وفي هذا السياق لابد أن يكون راسخا في وجدان الجميع، ان القوانين تسن كي تحترم من الكل، وأن الدساتير توضع كي يلتزم بها الجميع،...، وانه لا تقدم، ولا تطور، ولاتنمية دون الالتزام بالقانون والدستور، بل ولا أمن، ولا أمان ولا استقرار دون تطبيق صارم للقانون، والتزام كامل وقطعي بنصوص الدستور.
والغريب في هذا الشأن، أن هناك عددا من الصحف الخاصة أصبحت متخصصة في الدعاية للجماعة المحظورة، والترويج لها ولمرشحيها، ونشر كل ما يتصل بها، أو بهم،...، ويزداد الامر غرابة عندما نجد هذه الصحف تتوسع في نشر أخبار أو تصريحات تتضمن الادعاء بأن رفع مرشحي المحظورة لشعار »الاسلام هو الحل« ليس مخالفا للقانون، وليس خرقا للدستور. ليس هذا فقط، بل زادوا علي ذلك بتقديم تبريرات، من خلال هذه الأخبار، وتلك التصريحات تؤكد أنه لم تصدر أي تشريعات في مصر تحرم استخدام هذا الشعار أو غيره في الدعاية الانتخابية، وأن استخدامه يدخل في نطاق حرية التعبير المكفولة دستوريا. وهذا تصرف غاية في الغرابة والريبة في ذات الوقت، من تلك الصحف والقائمين عليها، لانهم بالقطع يعلمون علم اليقين بوجود المادة الواردة في الدستور التي تحظر مباشرة أي نشاط سياسي علي أي مرجعية دينية، أو علي أساس ديني،...، كما يعلمون علم اليقين أن قانون ممارسة الحقوق السياسية يحظر استخدام الرموز والشعارات الدينية، أو القيام بالدعاية الانتخابية علي أساس ديني أو مرجعية دينية. ليس هذا فقط، بل الأكثر غرابة من ذلك، وهو ما يستوجب الانتباه والنظر، أن هذه الصحف والقائمين عليها، يعرفون ويعلمون باليقين، ما أعلنه رئيس اللجنة العليا للانتخابات، من ان استخدام أي شعارات دينية، ومنها شعار »الاسلام هو الحل« في الدعاية الانتخابية هو مخالفة صريحة للقانون، ويعلمون أيضا تأكيده علي عزم اللجنة العليا للانتخابات شطب أي مرشح يستخدم هذه الشعارات في دعايته الانتخابية.
وأحسب أن أحدا في تلك الصحف الخاصة لايجرؤ علي الادعاء بأنهم يجهلون ما جاء في الدستور بهذا الخصوص، وما نص عليه القانون في هذا الشأن، وما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات في ذلك. وفي هذه الحالة يصبح النشر بهذه الصورة مثيرا للتساؤل والعجب في ذات الوقت، خاصة إذا ما كان يحمل في شكله ومضمونه أحد احتمالين لا ثالث لهما،...، الأول هو: أن هذه الصحف تؤيد وتتبني أفكار وتوجهات الجماعة المحظورة، أو علي الأقل تتعاطف مع هذه الأفكار وتلك التوجهات،...، وهو ما يعني أنها تتبني وتؤيد اقامة الدولة الدينية في مصر، أو علي الأقل تتعاطف مع ذلك،...، وهذا شيء إن صح خطير. اما الاحتمال الثاني فهو: أن هذه الصحف قد اختلط عليها الأمر بالغفلة، أو سوء القصد، فلم تعد تفرق ما بين كونها وسيلة للنشر والاعلام، ومحتوي ما تنشره وتأثيره، فراحت تنشر اخبارا وتصريحات من شأنها إثارة البلبلة في نفوس المواطنين، وإشاعة نوع من الشك وعدم اليقين، في ضرورة الالتزام بالدستور، وعدم الخروج علي القانون والشرعية، بل ومن شأنها في ذات الوقت إضفاء نوع من الشرعية علي من لا شرعية له،...، وهو ما يعني انها قد تحولت الي داعية للفوضي وعدم الاستقرار،...، وهذا شيء إن صح لا يمكن القبول به، أو التسامح حياله علي الاطلاق.
ونحن هنا لا نتهم هذه الصحف بغيبة الوعي الوطني والقومي، أو الرغبة الواعية في هز الاستقرار والدعوة للفوضي، ومناهضة الشرعية الدستورية،...، ولكننا فقط نرصد ما هو أمامنا، منشور علي صفحاتها، وما تطالعنا به صباح كل يوم، ونحاول الربط بينه، وتحليل مضمونه، وتبيان تأثيره علي عموم المواطنين، وعامة القراء، في هذه المرحلة الهامة التي نعيشها الآن، في ظل المعركة الانتخابية الجارية حاليا، والتي نأمل ان تسفر عن دعم واضح لمسيرة الاصلاح والتحديث والتنمية، وهو ما يتطلب ترسيخ وتدعيم قواعد الدولة المدنية الحديثة،...، وذلك ما لا يمكن أن يتم في ظلال الدولة الدينية علي الاطلاق. ونحن في ذات الوقت لا نستطيع أن نرجح الاحتمال الأول الذي يقول بأن هذه الصحف تؤيد وتتبني أفكار وتوجهات الجماعة المحظورة، أو تتعاطف معها، وذلك اعتماداً علي أن هذه الصحف، دأبت علي الدعاية للمحظورة ونشر وترويج كل ما يتصل بها، من أخبار، كما إنها ركزت في أحيان أخري علي نشر الاخبار والتصريحات التي من شأنها اثارة البلبلة والشك، حول عدم مشروعية استخدام شعار »الاسلام هو الحل« في الدعاية الانتخابية. لا نستطيع ترجيح ذلك لأنه يتناقض مع كون هذه الصحف الخاصة في مجملها مملوكة لرجال أعمال وهم جميعهم من المؤمنين بالاقتصاد الحر، والفكر الليبرالي بصفة عامة، ولهم استثمارات ومشروعات، ومصالح، اقتصادية كبيرة، ما كان لها أن تزدهر، وتتوسع، وتنمو، وتصبح علي ما هي عليه الآن، الا في إطار التوجه العام للدولة والنهج الاصلاحي السائد حاليا ومنذ سنوات،...، ولا نحتاج الي شيء من الجهد الذهني للتأكيد بأن التوجه الفكري والسياسي لهؤلاء لا يتسق علي الاطلاق مع افكار وتوجه الجماعة المحظورة، التي يدعمونها بالمتابعة والنشر علي صفحات صحفهم.
ومن هنا فإننا نجد انفسنا امام تناقض واضح فبينما افكار وتوجهات ومصالح اصحاب هذه الصحف في عمومها تتفق وتتسق مع المشروع النهضوي والإصلاحي للدولة المدنية الحديثة الذي تسعي اليه مصر ويتبناه الحزب الوطني حاليا، إذا بهم يشنون هجوما واضحا علي هذا المشروع، وعلي الحزب الوطني أيضا،...، وبينما تتناقض افكارهم وتوجهاتهم في عمومها مع مشروع الدولة الدينية، نجد انهم يروجون لاصحاب هذا المشروع، ويشككون في قانونية ومشروعية حظر استخدامهم لشعارات دينية في دعايتهم الانتخابية. وأحسب ان علي تلك الصحف ان تعمل علي ازالة هذا التناقض، انطلاقا من مبدأ الشفافية، واستجابة لحقوق المواطنين، وعموم القراء في الاطلاع علي الحقيقة، وأيضا لتحديد الموقف الصحيح لهذه الصحف، تجاه قضية مهمة لا تحتمل اللبس أو الابهام، خاصة إذا كانت هذه القضية تتصل في أساسها وجوهرها بمستقبل الوطن.
وأحسب ايضا أن الالتفاف علي ذلك باستخدام مبدأ الحيدة تجاه كل الأحزاب وجميع القوي السياسية الفاعلة والمشاركة في السباق الانتخابي كذريعة أو مبرر لممارسات تلك الصحف، لا يصلح في هذه الحالة، لاننا لسنا أمام حالة من الحياد، بل نحن أمام حالة من الانحياز ظاهرة رغم محاولات التخفي وراء سواتر متعددة،...، كما إنني لا اعتقد ان محاولة اضفاء المشروعية علي ماهو مخالف للدستور والقانون يمكن اعتبارها نوعا من الحياد بأي حال من الاحوال، وعلي أي صورة من الصور.