اليوم يبدأ السباق الانتخابي بصورة رسمية، فور إعلان اللجنة العليا للانتخابات الأسماء النهائية للمرشحين الساعين لشرف الحصول علي ثقة الناخبين، التي تؤهلهم للجلوس تحت قبة مجلس الشعب كنواب للأمة، وممثلين لجميع المواطنين، في البرلمان الذي سيشارك بفاعلية، في تحديد مسيرة ومستقبل مصر خلال الخمس سنوات القادمة. وبعيدا عن ذلك، وقبل الانخراط الكامل في عمليات الرصد والمتابعة الواجبة لسير المعركة الانتخابية، التي تشير جميع الظواهر إلي انها ستكون حامية الوطيس،...، نتحدث اليوم عن موضوع يهمنا جميعا، ويتصل بعلاقة وثيقة بحياتنا العامة، في جانبها الصحي، الذي يتحكم، سواء أردنا أو لم نرد، في قدر ومدي مساهماتنا في الاهتمام بالشأن العام والمشاركة فيه، بل وفي مدي قدرتنا علي القيام بعملنا، وجميع المسئوليات الواجبة الأداء، بل وكفاءة الأداء ذاته. وما نقصده هو موضوع التلوث البيئي علي وجه العموم، أو السحابة السوداء علي وجه الخصوص، وما يتطلبه ذلك من مشاركة جماعية حان وقتها، للمواجهة الشاملة،...، لعلنا نستطيع القضاء عليها، والتخلص منها. في ذلك نقول، انه بالرغم من المعاناة وضيق الصدر، وصعوبة التنفس، التي نعاني منها جميعا في بعض الأيام التي تحل علينا فيها السحابة السوداء الكريهة، إذا ما عاودت زيارتها غير المرغوبة لنا، إلا أن علينا أن نعترف بأن وجودها غير المرحب به علي الإطلاق، لم يعد وجودا مستمرا طوال شهور الخريف، كما كان خلال السنوات الثماني الماضية التي كانت تهبط فيها علينا وترفض المغادرة قبل حلول الشتاء. وعلينا في ذات الوقت أن نقول إن اختفاء هذه السحابة من حياتنا ومغادرتها لسماء القاهرة وغيرها من المحافظات لن تتحقق دون جهد وعمل مكثف تقوم به جميع الأجهزة والمؤسسات والهيئات التنفيذية والشعبية في الدولة، ويتم خلاله الالتزام الكامل بمقاومة التلوث البيئي، ووقف ضخ ملايين الأمتار المكعبة من الأبخرة السامة في هواء مصر كل يوم، الذي أصبح غير صالح للاستنشاق، بل وجالبا للأمراض للأسف الشديد. وفي هذا الخصوص لا يصح أن نعلق الجرس في رقبة وزارة البيئة، ثم نكتفي بالمشاهدة والفرجة عليها، بل وتحميلها وحدها مسئولية مقاومة التلوث في الهواء، وأيضا تلوث الماء والتربة المنتجة للغذاء، ثم نأخذ في الصراخ ليل نهار من الأمراض التي أخذت تستشري بيننا.. ابتداء من الأمراض التنفسية، وحتي السرطانات، مرورا علي أمراض القلب وضغط الدم والكبد والفشل الكلوي وغيرها،..، والتي أجمع جميع الأطباء والعلماء علي أنها نتيجة مباشرة لتزايد حجم السموم التي نستنشقها مع التنفس أو نتناولها في الشراب والطعام.
وقد قلنا قبل ذلك، ونقول الآن إن القضاء التام علي السحابة السوداء ووضع نهاية للتلوث لن تتحقق إلا في إطار جهد شعبي وحكومي شامل يشارك فيه بفاعلية جميع الوزراء والمحافظين وأعضاء المجالس المحلية، والشعبية في المدن والقري، وكل مواطن علي أرض مصر، لأن الكارثة ليست في حرائق القش التي تشتعل في غفلة من المسئولين فقط، ولكنها تمتد إلي ذلك الكم الهائل من النفايات الخطرة والمخلفات الملوثة، والقمامة، التي تحيط بالقاهرة وجميع المحافظات وتشتعل ذاتيا أو بفعل فاعل كل ليلة وكل نهار، لتلقي بكميات هائلة من السموم في الهواء، تضاف إلي سموم أخري تتصاعد من مصادر عديدة معروفة ومرصودة في مصانع الأسمنت ومصانع الكيماويات وغيرها. ولكننا رغم كراهيتنا للسحابة السوداء وآملنا وسعينا أن تختفي من حياتنا، إلا أننا يجب ألا نتجاهل الجهد الكبير الذي بذل من جانب الجنود المجهولين في وزارة البيئة، طوال السنوات الماضية، ومنذ ظهور السحابة الكريهة، للتخفيف من وطأتها، والحد من تأثيرها، وإجبارها علي التراجع تدريجيا، والانسحاب من حياتنا بصورة محسوسة، ونرجو أن تكون دائمة..
وللحقيقة، فإن وزارة البيئة، ووزيرها بالغ الجدية والتهذيب، يعملون في دأب، وحرفية، وبلا ضجة، ولا ضجيج، طوال السنوات الماضية، في مواجهة شرسة ضد السحابة، لإزالة أسباب حدوثها، ووقف زياراتها المستمرة والمتكررة لنا عاما بعد عام. وطوال هذه السنوات، خاضت وزارة البيئة بكل خبرائها، وفي مقدمتهم الدكتور ماجد جورج، حربا ضروسا ضد الكميات الهائلة من قش الأرز، وحطب القطن، التي يتم إعدامها بالحرق في الدلتا وكل المحافظات التي تزرع الأرز، في محاولة مضنية لتقليل حجم وكميات الدخان الضارة، والأبخرة المسمومة الصادرة عن عمليات الحرق، والمحملة بأكاسيد أول وثاني أكسيد الكربون، وما يصاحبها من أبخرة سامة، تعلق في الهواء، وتسمم الجو، وتظل معلقة فوق رؤوسنا طوال أشهر الخريف، تلهب الصدور، وتنشر الأمراض. وطوال السنوات الماضية، كانت الحرب مستمرة بين البيئة، ومصانع الأسمنت وجميع مصادر التلوث الخطير، التي تنفث سمومها في هواء القاهرة وغيرها من المحافظات، وكان الصراع محتدما بين خبراء البيئة، وبين الكميات الهائلة من الأبخرة الفاسدة والملوثة التي تنفثها ملايين السيارات في شوارع العاصمة وجميع المدن الأخري كل لحظة وعلي مدار اليوم لتدخل مباشرة ودون مانع أو عازل إلي رئة المصريين حاملة معها جميع أمراض الدنيا. وحرب البيئة علي مصادر التلوث، وصراعها الدائم ضد السحابة السوداء وأخواتها يجب أن يكون محل احتفاء منا جميعا، ويجب أن يكون موضع تأييد ومساندة من جميع الأجهزة التنفيذية، وجميع المسئولين في كل المحافظات حتي يصبح الهواء أكثر نقاء، وتصبح القاهرة وكل القري والمدن أكثر نظافة وأقل تلوثا، ويصبح الإنسان المصري أكثر صحة وعافية.
وقد ذكرنا سابقا، ونعيد ونذكر مرة أخري، انه إذا كانت أكوام القمامة مسئولية المحليات، فإن أدخنة المصانع السامة والملوثة للهواء مسئولية وزارة الصناعة، والقطاع الخاص المالك للكثير منها، كما انها مسئولية، وزارة الصحة التي يجب أن يكون لها موقف حاسم في هذه القضية نظرا لتهديدها للصحة العامة،...، فإننا نضيف إلي ذلك بالقول ان تلوث الهواء والبيئة بصفة عامة، يقع أيضا في مسئولية وزارة السياحة ووزارة الاستثمار نظرا لتأثيرهما السلبي علي أنشطة الوزارتين، فالسائح الذي ينوي زيارة مصر يهمه الاطمئنان علي صحته، وكذلك المستثمر، وهنا تكون البيئة النظيفة جاذبة بالقطع للسياحة وللاستثمار. وفي هذا الإطار، نقول ان القضاء علي السحابة السوداء الكريهة مسئولية جماعية لكل المسئولين، وجميع المواطنين، أي مسئولية كل الوزراء وكل المحافظين، وقبل ذلك يبدأ بسلوك المواطنين جميعا سواء كان الفلاح الذي يحرق القش أو الصانع الذي يلوث أدخنة مصنعه الهواء من حوله، أو المسئول في القرية أو المدينة الذي يغمض عينه عن كل ذلك، إهمالا أو تسيبا أو انحرافا،...، وكذلك مسئولية المواطن الذي يسكت عن أكوام القمامة المتناثرة أمام بيته أو في شارعه،...، وهذا يتطلب منا جميعا مواجهة صارمة مع السحابة السوداء، وجميع أنواع التلوث حتي نستطيع القضاء عليها.
فهل يتحقق ذلك،..، أم نترك وزارة البيئة تحارب التلوث، وتصارع السحابة السوداء وحدها؟!.