سامى كامل عيد ميلاد زوجتي موعده في شهر مايو من كل عام. تصادف هذا العام ان جاء في يوم عيد شم النسيم. فرحت امرأتي جدا. طلبت ان تكون الهدية كبيرة -سواء مني أو من الأولاد- ومختلفة عما مضي من سنوات، لتليق بهذه المناسبة وهذه السنة فقد أصبح عيد ميلادها مرتبطا بعيد شم النسيم، وبالتالي صار عيدا قوميا، سيسجله التاريخ العام في دار الكتب، وتاريخ زوجتي الخاص والمنزل والأسرة بشكلها العام أي الخالة والخال والعمة والعم والأخوة والأخوات وربما الجيران. وربما يؤدي هذا لتدفق الهدايا بغير حساب. قلت لزوجتي: الحالة المادية هذا العام صعبة خاصة مع ارتفاع الأسعار وزيادة نفقات بنزين السيارة والخضر والمواد الغذائية ورغيف الخبز انت سيد العارفين، فانت سيدة البيت، ولذا فإن هدية تليق بعيدك وعيد شم النسيم.. تكاد تكون مستحيلة، ردت قائلة: ماليش دعوة. دار حوار طويل. حاولت إقناعها بالعدول عن مطلبها الفئوي لحين ميسرة. رفضت. هددت بالإضراب عن أعمال المنزل. بالعصيان ودعم الذهاب للعمل. فكرت في مسلك آخر. قلت: عيد شم النسيم عيد ضلالي غربي، لا يصح الاحتفال به أو وضعه بمثابة عيد قومي وبالتالي لا يصح الجمع بينه وبين أعياد البشر. قالت بحدة: اشمعني بقي ضلالي النهاردة؟؟ مصر تحتفل به منذ آلاف السنين. آباؤنا وأجدادنا كانوا يسمونه عيد الربيع، يخرجون بلا استثناء إلي النيل والحقول للاستمتاع بمظاهره وهم في سعادة وفرح. يتبادلون التهاني بالعيد وعامه الجديد. قلت لها: الفراعنة أيضا كانوا كفرة لا يصح الاقتداء بهم قالت: تراب مصر يشهد ان المصريين كانوا يجلبون السعادة لأنفسهم ولأبنائهم دون خلل في التفكير أو تطرف في الأفعال. كانوا دائما في ربيع الفكر والفعل وربيع الحياة بلا تسمم أو نكد. قلت لها: نحن الآن نعيش الربيع العربي. لا وقت للأعياد أو الابتهاج أو الجدل حولها. يكفينا التدمير المادي والمعنوي. مصر لم تعد كما كانت. لم تشهد تاريخا أسود مما هي عليه الآن. ظلام. انقسام. انفلات. حروب فكرية ومادية. سلاح أبيض. وأسود. تخبط فوق وتحت. لا أمان. اقتصاد منهار. جيوب فارغة أو تكاد. رأيت أحد أصحاب المحلات الصغيرة علي كورنيش النيل بالقرب من ميدان الكيت كات بالجيزة، علق لافتة سوداء أعلي المحل كتب عليها: حداد علي مصر. ما أصدقه تعبير من 3 كلمات وقطعة قماش. كل من يعبر من أمامه يفهمه. راكب السيارة أو سائر القدمين. المتعلم والأمي، الرجل والمرأة. الشاب والطفل. المسلم والقبطي. كل مصر تفهمه. فهو مطابق لما تشعر وتمر به. لاحظت ان زوجتي بدأت تراجع موقفها المتشدد وتنتقل تدريجيا من منطقة الربيع الفرعوني إلي الربيع العربي. قررت إلغاء فكرة العصيان المنزلي والمطلب الفئوي أو علي الأقل تؤجلهما، تقديرا لما تمر به البلاد. ولذا اكتفت زوجتي بأن نخرج للاحتفال بعيد شم النسيم مع كل المصريين، بكل طوائفهم وفئاتهم في الحقول والحدائق وكورنيش النيل. في المتنزهات والكافتيريات والمقاهي. لم يقاطع أحد الفسيخ والرنجة والسمك والسردين والبصل الأخضر والأحمر. مصر مازالت تتنفس سوف تعود إليها الحياة مجددا عما قريب. توقع البعض ان تشهد عملية بيع مأكولات العيد محنة هذا العام. لكن فرحة العيد استمرت ككل عام وافترش الناس الأرض ولعب الاطفال وسعد شباب المخطوبين. محنة الوطن لم تمنع عنهم الأمل، أن تمر السحابة السوداء وتعود مصر جميلة كما كانت. ولكي نطيب خاطر زوجتي. قلنا لها- أنا والأولاد- عيد ميلادك هو بالفعل عيد قومي ارتبط بشم النسيم. هذا حدث تاريخي نرجو ان يتكرر كثيرا في السنوات القادمة. وأن تكون مصر في أحسن حال، وكذلك جيوبنا. نعدك بهدايا تليق بعيدين ارتبطا معا في شخصك. هدأت زوجتي كثيرا عندما قدمنا لها باقة ورود جميلة تكفي لتهدئة الأمور. تقبلت الهدية. وهكذا نجوت وأولادي من فخ وقوع عيدين معا في يوم واحد.