القرن الماضي لم تنسدل ستائره عشية العام 0002، لكن كلمة النهاية كتبت عندما تحققت نبوءة الرئيس الأمريكي السابق نيكسون، وانهار الاتحاد السوفيتي السابق، وحسمت الولاياتالمتحدة جولة الصراع الطويلة المريرة، فيما وصفه نيكسون بأنه »نصر بلا حرب« فلم يكن للصواريخ العابرة للقارات أو حاملات الطائرات دور فيما حدث، وسقطت الثنائية القطبية، ومن ذاك الوقت تصدر المشهد الدولي نظام أحادي القطبية تتسيده أمريكا، لكن يبدو- طبقا للعديد من الشواهد- أن الأمر لن يستقر علي هذا النحو طويلا. أصوات عديدة ارتفعت بحديث حول سيناريوهات ما بعد الامبراطورية الأمريكية، وعن عالم متعدد الاقطاب، وعن صعود آسيوي، وفي القلب دائما كانت الصين البؤرة التي تتمحور حولها الملامح المميزة للعقود القادمة من القرن ال 12 . ورغم ان واشنطن مازالت- علي الصعيد العسكري- أقوي امبراطورية شهدها التاريخ، إلا ان مظاهر معاناتها، وتراجعها اقتصاديا لم تعد خافية، وبالمقابل فإن الصين اختارت طريق النمو والتوسع الاقتصادي بوتائر متسارعة، ولم يعد امام صانع القرار الأمريكي إلا أن يقاوم طموحاتها التي لا يحدها سقف، أو أن يدع الأمور تمضي كما تخطط الصين لتواصل نموها وتوسعها، وصعودها الذي يتيح لها- نهاية المطاف- أن تحقق نصرا بلا حرب، ليكون بمقدورها أن ترسم الملامح الاساسية للنظام التجاري، ومن ثم المالي والاقتصادي الذي يحكم العلاقات الدولية خلال قادم العقود، ربما ليعيد التاريخ ذات الحكاية التي كتبت سطورها أمريكا بعد الحرب الثانية. الصين لا تتكئ علي دعامة الاقتصاد وحدها، لكنها تضاعف رصيدها عبر احراز فتوحات هائلة في ساحة التكنولوجيا، وربما كان لصولاتها وجولاتها الافتتاحية في عالم الحرب الالكترونية، والذعر الذي اصاب امريكا ذاتها ، ما يؤكد ان معايير القوة الشاملة لم تعد تستند فقط إلي القوة العسكرية، بل ان تلك الأخيرة يمكن النظر إليها باعتبارها عبئا علي امبراطورية تترنح تحت اعباء الانتشار الواسع علي خريطة المعمورة بالآلة الحربية، هي أمريكا، مقابل الانطلاق السلمي للصين نحو كل القارات، وصولا إلي عمق أمريكا الجنوبية التي كانت حتي وقت قريب مجرد فناء خلفي لأمريكا، فيما يمكن وصفه بالغزو الصيني لكل شبر علي وجه الأرض! ولعل آخر قذيفة تكنولوجية اطلقتها الصين توضح المدي الذي يؤكد انها صاعدة لا محالة، وان نبوءة »القرن الصيني« تقترب من حافة التحقق. الآن أصبح اسرع كمبيوتر عملاق في العالم صينيا، متفوقا بمراحل علي نظيره الأمريكي فهو قادر علي تنفيذ 0052 تريليون عملية في الثانية، بينما الأمريكي سرعته 0571 تريليون عملية فقط. هكذا فإن الصين تفتح إلي جانب صعودها الاقتصادي، صعودا آخر في مجال أرقي التكنولوجيات، ليصبح السوبر كمبيوتر رقم »1« في العالم ممهورا بتوقيع »صنع في الصين«. ولأن مصالح الصين الاقتصادية تتجاوز قدراتها العسكرية، فإن صناع القرار في بكين يخططون لتجسير الفجوة بين مثلث اضلاعه: النمو، المصالح الاقتصادية، القدرة العسكرية، وبهذا الترتيب اعتمادا علي فلسفة صينية قديمة تقول: ان افضل نموذج للمهارة الحربية يتجسد في أن تهزم عدوك من دون قتال، أو بكلمات أخري: »اضرب استراتيجية العدو أولا، قبل أن تضرب قواته«.