في قراءة تحليلية لما يجري علي الساحة السياسية يري الدكتور حسن نافعة أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية أن مصر تعيش اليوم مأزق ما بعد الثورة لأن كل الأحزاب السياسية منقسمة علي نفسها وغير قادرة علي إدارة البلاد والشعب حائر بينها والمطالبة بعودة الجيش لاتشكل حلاً في واقع الأمر، ويؤكد أن التحدي الحقيقي أمام الشعب هو إقامة نظام ديمقراطي يشارك فيه الجميع وتستقر قواعده بحيث يتم تداول السلطة وفقاً لصندوق انتخابي.. ويحذر من إصرار حزب الحرية والعدالة علي طريقة إدارته للبلاد التي ستؤدي إلي فوضي شاملة تترتب عليها إنهيار مؤسسات الدولة وأن مقاطعة أحزاب سياسية كبيرة للانتخابات ستفرز برلماناً يسيطر عليه تيار الإسلام السياسي، ويقترح تأجيل الانتخابات البرلمانية إلي أجل غير مسمي وتشكيل حكومة وطنية تعمل حتي نهاية فترة ولاية الرئيس مرسي وتهتم بملفي الأمن والاقتصاد وأن يظل مجلس الشوري كما هو بتشكيله ليصدر القوانين الخاصة بالانتخابات البرلمانية وتعديل مواد الدستور ثم تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نفس الوقت.. وإلي مزيد من التفاصيل في حوار الدكتور حسن نافعة مع (الأخبار). بداية.. ما تحليلك لما يجري علي الساحة السياسية اليوم؟ المشهد السياسي في مصر مركب ومعقد وشديد الخطورة جداً فهناك تيار سياسي إسلامي منقسم علي نفسه،وهناك جماعات سياسية أخري لا تنتمي للتيار الإسلامي ولكنها منقسمة علي نفسها أيضاً، وهناك جمهور لا ينتمي لا إلي تيارات الإسلام السياسي ولا إلي جبهة الإنقاذ ويطالب بعودة الجيش إلي السلطة وبالتالي هذا الوضع شديد الخطورة فلا الحزب الحاكم لديه رؤية للخروج من الأزمة ولا جبهة الإنقاذ، والتوكيلات التي تتم لعودة الجيش لا تشكل حلاً في واقع الأمر لأن أثارها القانونية تكاد تكون معدومة، فقرار الجيش بالعودة إلي لعب دور سياسي أو للبقاء قرار تحكمه حسابات تتعلق بالجيش نفسه وتتعلق بتوترالأوضاع العامة..لكن واضح أن الحزب الحاكم أو جماعة الأخوان المسلمين بشكل أوضح تتصور أنها تملك الرؤية الصحيحة لقيادة البلاد وأظن أنها لا تملك هذه الرؤية ولا تملك الكوادر أو الخبرات السياسية التي تمكنها من قيادة البلاد،والشعب يبدو حائراً وعاجزاً والاضطرابات قائمة ومستمرة والدماء تسفك وهناك إنتهاكات بشعة لحقوق الإنسان ترتكب كل يوم..وبالتالي نحن في وضع أزمة سياسية شديدة التعقيد لا هي استقطاب سياسي بين التيارات الإسلامية والتيارات الأخري ولا يوجد أي طرف من الأطراف قادر علي ضبط الأوضاع في البلاد. تدخل الجيش إذن إلي أين نتجه؟ البعض يفضل الآن عودة الجيش إلي السلطة وأنا غير متحمس لهذا الحل وإن كان إصرار حزب الحرية والعدالة علي إدارة الدولة بنفس الطريقة التي يدير بها ما تبقي من المرحلة الانتقالية فهذا الإصرار سيؤدي إلي فوضي شاملة قد يترتب عليها انهيار مؤسسات الدولة وهنا سيضطر الجيش المصري إلي التدخل. وإذا تدخل الجيش فكيف ستكون طريقة تدخله؟ إذا كان تدخل الجيش لتعديل المسار الديمقراطي الذي انحرف والذي عجزت جماعة الإخوان المسلمين عن قيادة الدولة إليه ربما يكون هذا التوجه توجهاً مهماً ومطلباً شعبياً وربما يؤدي إلي التفاف الشعب حوله، إنما إذا انتهز الجيش فرصة الحياة السياسية المضطربة القائمة وفرصة التأييد الشعبي المطالب بعودة الجيش وحاول البقاء بقدر ما تمكنه أدواته وقدراته هذا سيكون تطور خطير في الحياة السياسية وهذا معناه أنه قد لا تنتقل مصر مرة أخري إلي حياة ديمقراطية سليمة أو كاملة.. وبالتالي أنا أري أن التحدي الحقيقي أمام هذا الشعب هو إقامة نظام ديمقراطي يشارك فيه الجميع وتستقر قواعده بحيث يتم تداول السلطة وفقاً لصندوق انتخابي يتعامل مع كل الفصائل السياسية علي قدر المساواة ويحترم حقوق الجميع ولكن هذا ليس في متناول اليد الآن وأظن أننا مقبلون علي مرحلة من الاضطراب السياسي قبل أن ندخل في عملية تصحيح المسار مرة أخري. تصريح كيسينجر صرح كيسينجر مؤخراً بأن الصدام بين الإخوان المسلمين والجيش المصري قادم لا محالة.. فما تعليقك؟ كيسينجر لم يعد علي صلة قوية بالمطبخ السياسي الأمريكي الداخلي.. صحيح أنه كان له دور مهم في مرحلة من المراحل وصحيح أنه عقلية كبيرة وفذة لكنه أصبح طاعناً في السن وهو شخصية منحازة تماماً للمشروع الصهيوني في المنطقة ومنحازاً تماماً للأطروحات اليمينية المتطرفة في الولاياتالمتحدة..وبالتالي أنا لا أعوّل علي ما يصدر من كيسينجر من تصريحات ولا أعطيها أي أهمية حقيقية ولكن من المؤكد أن هناك خلافا بين ما تريده جماعة الإخوان المسلمين وما تريده المؤسسة العسكرية.. ولتصحيح هذا الوضع بتحالف كل القوي التي تريد نظاماً ديمقراطياً حقيقياً وليس عودة الجيش إلي السلطة لكن إذا تمادي الإخوان وتحالفوا مع الجماعات الإسلامية التي لا تريد لمصر الخير فلن يكون هناك مفر من تدخل الجيش وأنا خوفي ألا يتدخل الجيش بالطريقة التي يريدها الشعب..الشعب لا يريد عودة الجيش بشكل مباشر مثلما كان عليه الحال قبل ثورة يناير ولا ننسي أن مبارك كان رجلاً عسكرياً وحكم بالفساد والاستبداد ونحن لا نريد حكماً يمثل الفساد والاستبداد سواء كان يرتدي بدلة عسكرية أو عمامة نحن نريد حكماً يحقق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. الشارع المصري من الذي يحرك الشارع المصري الآن؟ أهداف الشارع المصري واضحة جداً فهو يريد الاستقرار السياسي والأمن ويريد أن تتحسن أحواله المعيشية وببساطة شديدة هو يريد العيش والحرية والكرامة الإنسانية وهي الشعارات التي رفعتها الثورة ولم تكن قائمة إطلاقاً في ظل النظام السياسي القديم وبالتالي هو يريد نظاماً سياسياً جديداً يحقق المطالب التي من أجلها قامت الثورة وهذا لم يتحقق حتي هذه اللحظة فقد عجز المجلس الأعلي للقوات المسلحة عندما أدار الفترة الأولي من المرحلة الانتقالية وعجز الدكتور مرسي أو جماعة الإخوان المسلمين وبشكل أسوأ في إدارة المرحلة الانتقالية في فترتها التالية.. وبالتالي عجز أكبر قوتين سياسيتين كان يمكن للشعب المصري أن يطمئن إليهما. فالقوة العسكرية ليست قوة سياسية ولكنها تملك الإمكانات العسكرية وهي العمود الفقري للدولة والشعب مطمئن إلي أنه في نهاية المطاف لن يسمح العمود الفقري بأن تنهار الدولة وأنه سيتدخل عند الضرورة إذا حدث مكروه للدولة وأصبحت مهددة أما القوة الأخري فهي قوة سياسية منظمة وهي أكثر تنظيماً بحكم أنها الأقدم ولها تاريخ طويل من العمل السري إلي آخره وكان الكثيرون يأملون أن تساعد جماعة الإخوان المسلمين إن تولت السلطة علي التأسيس لنظام ديمقراطي وإزالة كل الشوائب التي كانت قائمة والتي أدت إلي ظهور أشكال من الفساد والاستبداد كانت جماعة الإخوان تدّعي دائماً أنها تقف ضدها.الشعب بدأ يكتشف اليوم أن الجيش ليس هو المؤسسة التي لديها تصور لإخراج البلاد من مأزقها ولا جماعة الإخوان المسلمين ليس لديهم تصور لنظام ديمقراطي حقيقي وأن كل ما يطمحون إليه هو السلطة وإدارة البلاد بنفس الآليات التي كان يديرها بها الحزب الوطني..الشعب المصري قام بالثورة لأنه كان يريد من يساعده علي تأسيس نظام ديمقراطي يتعايش فيه الجميع ويستطيع أن يفجر كل الطاقات والقدرات التي يزخر بها هذا الشعب وأن تقوده نخبة وطنية حقيقية بها الخبرات والكفاءات التي تمكنه من الانطلاق علي طريق التقدم الاقتصادي إلي آخره وهذا ليس متاحاً الآن. مأزق ما بعد الثورة إذا أردنا توصيف هذه المرحلة فكيف نصفها؟ مصر تعيش مأزق ما بعد الثورة ولا أحد يعلم هل تتجه مصر إلي إحلال جماعة الإخوان المسلمين محل النظام القديم أم أن هناك إمكانية لفتح طريق نحو التحول الديمقراطي.. هذا الطريق مازال مغلقاً فلا جبهة الإنقاذ قادرة عليه ولا جماعة الإخوان المسلمين قادرة علي إقناع الناس به ولا الجيش قادر علي أن يقول للناس إنه هو المؤهل لهذا لأنه تم اختباره قبل ذلك وفشل في الاختبار وبالتالي هناك ارتباك كامل وشامل علي كل المستويات. من القادر علي إخراج البلاد من هذا المأزق؟ لا أحد يعرف فالعلاقة بين رئيس الدولة وجماعة الإخوان المسلمين علاقة ملتبسة جداً وكل المؤشرات تؤكد أن رئيس الدولة لا يستطيع أن يقوم بأي خطوة حقيقية بعيداً عن جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الإخوان المسلمين ماتزال تتعامل بمنطق الجماعة السرية فليس هناك أي نوع من الشفافية في طريقة اتخاذ القرارات وكل القرارات التي تم اتخاذها تبدو مرتبكة وتم الرجوع عنها حتي المستشارين الذين استعان بهم رئيس الدولة لم يتم استشارتهم وقدموا استقالاتهم.. وبالتالي لا توجد آلية واضحة وكفء وشفافة لإدارة الدولة،أما جبهة الإنقاذ فالبعض يري أنها ماتزال تمثل أملها لكنها ماتزال منقسمة علي نفسها وهي بها تيارات تتراوح بين أقصي اليمين وأقصي اليسار وعلاقتها مع قوي الثورة المضادة تبدو ملتبسة والبعض يتهمها بأنها تتعاون الآن مع فلول النظام السابق وهذه هي النقطة التي يتم من خلالها ضرب مصداقية جبهة الإنقاذ..وبالتالي تعاني جبهة الإنقاذ من أمراض إما قديمة وإما مستحدثة وهناك حديث الآن عن محاولات تتم لدمج عدد من الأحزاب في بعضها البعض قد يفسح هذا التطور إن حدث طريقاً لاستقرار الحياة السياسية في مصر وظهور أحزاب كبيرة يمكن أن تنافس جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات القادمة. مقاطعة أم مشاركة ؟ كيف تري إصرار جبهة الإنقاذ علي مقاطعة الانتخابات البرلمانية؟ أنا أظن أن الانتخابات البرلمانية لن تحل أي مشكلة فإذا قاطعتها أحزاب أساسية في المعارضة فسوف يشكك هذا في مصداقيتها ولن تفرز برلماناً يمثل الشعب بكل فصائله وبالتالي ستصبح مصداقية السلطة التشريعية المنبثقة عن انتخابات تقاطعها تيارات وأحزاب سياسية محل شك وسيسيطر عليها في جميع الأحوال تيار الإسلام السياسي وبالتالي سيفتح هذا باب مخاطر من أن يصبح الحزب الحاكم أكثر تعنتاً وتشدداً وحجته أن هذه هي الشرعية وإرادة الشعب وأن كل الآخرين هم جماعات تخريبية لامصداقية لها وبالتالي يمكن سحقها وقد يؤدي هذا إلي مزيد من العنف ومزيد من إراقة الدماء.. أما إذا شاركت جبهة الإنقاذ فسنكون أمام برلمان مجزأ وفي الغالب الأعم جماعة الإخوان المسلمين لن تحصل علي الأغلبية التي كانت تتصور أنها ستحصل عليها وطبعاً حزب النور أو التيار السلفي يتصور أن أمامه فرصة ليصبح هو الحزب القائد بمعني أن يحصل علي مقاعد أكثر من مقاعد الإخوان المسلمين وبالتالي يتقدم هو الصفوف ويصبح هو الحزب الحاكم بدعم من جماعة الإخوان وليس العكس وهذا وضع لن يحل أي مشكلة في واقع الأمر..أما عن جبهة الإنقاذ فقد تحصل علي مقاعد أكثر ولكن ليس من الواضح ما إذا كان يمكنها أن تحصل علي أغلبية تمكنها من تشكيل حكومة وبالتالي فكل التوقعات من النتائج التي ستفرزها الانتخابات القادمة في جميع الأحوال لا تبشر بأنها ستخرجنا من المأزق السياسي الذي نحن بصدده. لأجل غير مسمي وما السبيل إلي الخروج من هذا المأزق من وجهة نظرك؟ أري أن نأخذ قراراً جماعياً وطنياً بتأجيل الانتخابات البرلمانية إلي أجل غير مسمي وتشكيل حكومة وحدة وطنية بمعني تكليف شخصية محترمة تحظي بمصداقية وربما مستقلة وتعطي الصلاحية التي تمكنها من اختيار الحكومة سواء من السياسيين أو التكنوقراط أو مزيج من كليهما وتكون ذات مصداقية تجعلها تحظي بتأييد شعبي وسياسي.. وإذا كان الرئيس مرسي يرفض فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة ويراها عدواناً علي شرعيته فلتكن الحكومة الجديدة حكومة شراكة وطنية في فترة ما تبقي من ولاية الرئيس ويصبح الرئيس هو قائد السلطة التنفيذية ولكن من خلال رئيس حكومة يعبر عن التوافق الوطني وتكلف تلك الحكومة بمسألتين علي جانب كبير من الأهمية في الوقت الحاضر.. أولاً:المشكلة الأمنية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بحيث توفر للمواطن المصري الأمن والاستقرار وهذا سيؤدي إلي دوران العجلة الاقتصادية.. ثانياً: الاهتمام بالقضية الاقتصادية بما فيها البعد الاجتماعي وإعطاء الناس ما يمكنهم من مواجهة التكاليف المرتفعة للمعيشة وبالتالي سيري الشعب أن لديه حكومة تعمل علي تحسين الأوضاع المعيشية للطبقات الفقيرة والمتوسطة علي وجه الخصوص فيدرك بأن هناك ثورة قد قامت وها هي قد بدأت تؤتي ثمارها.. أما موضوع البرلمان والسلطة التشريعية فيمكن معالجتها باشكال أخري فإذا وجدت الحكومة التوافقية وأصبح هناك التزام بدعمها من الأحزاب الرئيسية لابأس من أن يظل مجلس الشوري كما هو بشرط أن يكون هناك توافق بين حكومة الوحدة الوطنية بحيث يتولي مجلس الشوري بصورته الحالية. ماهو تفسيرك للطعن علي قرار المحكمة الإدارية؟ إنه أمر كان متوقعاً.. وفقاً للتصريحات الصادرة من مؤسسة الرئاسة فإن المقصود بالطعن هو إرساء قواعد قانونية معينة لأن حكم المحكمة الإدارية الذي صدر خطير جداً ويفسر ما يسمي بالقرارات السيادية تفسيراً خاصاً جداً وذلك علي ضوء الدستور الجديد بأن هناك صلاحيات معينة لرئيس الدولة لايمكنه مباشرتها إلا من خلال مجلس الوزراء وبما أن الرئيس لم يعرض الأمر علي رئيس الوزراء ولم يجتمع مجلس الوزراء لمناقشته إلي آخره فهذا ليس قراراً سيادياً .. وقد صدر دستور جديد فعندما ستصدر الأحكام القضائية فهي ستكون وفقاً لما هو منصوص عليه في هذا الدستور المستفتي عليه وعلاقة رئيس الجمهورية بالحكومة وبالسلطة التشريعية مختلفة تماماً عما كانت قائمة في الدستور السابق.. إذن هناك ارتباك في مؤسسة الرئاسة لكن في جميع الأحوال هناك تأجيل للانتخابات. قانون الانتخابات الجديد وما تعليقك علي مشروع إصدار قانون انتخابات جديد؟ هو التفاف حول حكم المحكمة الدستورية فالمأزق له بُعدان: بُعد سياسي وبُعد قانوني وجماعة الإخوان المسلمين لاتزال تركز علي البعد القانوني ولا يريدون معالجة المشكلة السياسية..وأنا أري أن المشكلة سياسية وليست قانونية.. وبالتالي أي إلتفاف حول حكم المحكمة بإجراءات قانونية بأن يصدر قانون جديد وحتي لو صدر القانون بشكل تري المحكمة الدستورية بأنه يتوافق مع الدستور فلن تحل الانتخابات البرلمانية القادمة أي مشكلة بالإضافة إلي أن هناك عنصر الوقت ففي جميع الأحوال لن تجري الانتخابات القادمة قبل ثلاثة أشهر والسؤال هنا هل سيحتمل الاقتصاد المصري كل هذه الفوضي .