د. وجدى ثابت غبرىال الاحكام القضائية في فرنسا وفي دول العالم المتحضرة لها قداستها لسبب واحد لا غير : انها ترسي حكم القانون الوضعي الذي ينطبق علي الجميع. فحكم القانون الوضعي ليس مجرد وجهة نظر يترخص للبعض الاخذ بها لو راقت لهم وللآخرين اهمالها لولم ترق. ولعل هدف هذا المقال هو تصحيح بعض المفاهيم الدستورية الخاطئة التي حملها البعض وهنا علي وهن لأقل من عامين من الفضائل الاساسية التي يجب ان ينتبه اليها استاذ القانون في الحكم بوقف تنفيذ قراري رئيس الجمهورية - رقم 134 لسنة 2013 ورقم 148 لسنة 2013 - هي وقف اجراء انتخابات مجلس النواب بجميع مراحلها، وإحالة القانون رقم 2 لسنة 2013 الخاص بانتخابات مجلس النواب للمحكمة الدستورية العليا، للفصل في مدي دستوريته.ذلك ان نص الدستور حول وجوب اعادة المشروع للدستورية بعد تعديلاته مبهم وغير كاف وغير محدد وكان ينبغي اصدار قانون مكمل ملحق بقانون المحكمة الدستورية لتحديد طرائق الرقابه السابقة واجراءاتها . وفي غياب هذه النصوص كان من الطبيعي ان يكمل القاضي النقص اوالفراغ التشريعي الذي امامه من خلال عملية التفسير. وليس في ذلك اية غرابة. فهذا دوره. وفي هذا الصدد فقد بني القضاء الاداري حق المحكمة الدستورية في وجوب النظر في التعديلات التي اجريت علي قانون الانتخاب علي مبدأ سليم وهو الاختصاص الحصري للقضاء الدستوري في البت في مسألة عدم الدستورية . لان الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا هي رقابة ترد علي مشروع قانون وهي رقابة مجردة وإذا كان لجوء الدستور إلي هذا الأسلوب قد قصد منه توقي إجراء الانتخابات وفقا لنصوص قد تكون مخالفة للدستور وحتي لا تبطل الانتخابات، فالامر يستلزم أن يعرض القانون علي المحكمة لإعمال رقابتها، ويلتزم مجلس الشوري بذلك ، فإذا أجريت تعديلات جديدة تنفيذا لقرار المحكمة، وجب إعادة المشروع للمحكمة الدستورية مرة أخري، لبيان ما إذا كانت التعديلات مطابقة من عدمه. انه منطق الاشياء ومنطق الرقابة السابقة علي التشريع الذي يقضي بهذا التفسير السائغ، وهكذا كان يتعين علي مجلس الشوري او رئيس الجمهورية بعد إجراء التعديلات أن يعيدها مرة أخري إلي المحكمة الدستورية العليا. علي ان الاعتراضات المغرضة لا تنتهي فهناك من قال بأن الدستور جاء خاليا من النص الذي يلزم المجلس المختص بالتشريع أورئيس الجمهورية بإعادة عرض مشروع القانون من جديد بعد أن يعدل. والرد علي ذلك سهل لان الرقابة الدستورية السابقة هي عملية فنية لا يملك الحكم علي تمامها كاملة إلا الجهة صاحبة الولاية الدستورية وهي المحكمة الدستورية العليا. ومادام لم يسند الدستور حسم دستورية التشريع للمجلس التشريعي، ومادام أن كل سلطة مقيدة بحدود اختصاصها وولايتها فلا يجوز لها أن تفرط فيها أو أن تتعداها ولا يختص مجلس الشوري بالبت في دستورية تعديلاته من خلال فقهائه. فلا حجية لما يقولون من آراء شخصية لا ترقي لحجية الشئ المقضي به. وهنا تكمن الصفعة : ان القانون رقم 2 لسنة 2013 قد صدر مشوبا بشبهة عدم الدستورية ويستحق الاحالة الي الدستورية في اطار الرقابة اللاحقة لمخالفته لنص الماده 177 التي توجب علي المجلس التشريعي العمل بمقتضي الحكم الصادر في الرقابة السابقة. وهو استثناء علي المبدأ الذي ينأي بهذه التشريعات عن الرقابة اللاحقة. علي أنه ليس هذا هو الدرس الوحيد المستفاد من هذا الحكم . فردا علي الدفع المقدم من هيئة قضايا الدولة بأن قرار الدعوة للانتخابات من ضمن القرارات السيادية التي لا يجوز الطعن عليها اعطت المحكمة تكييفا قانونيا جديدا يجب علي اساتذة القانون الاداري تدريسه من الآن فصاعد بكليات الحقوق بمادة القضاء الاداري بالفرقه الثالثة: ذلك ان القرارين يتصلان اتصالا مباشرا بالحقوق السياسية للمواطنين ويؤثر في حقهم في الانتخاب باعتباره المظهر الأهم لمبدأ سيادة الشعب. وكان هذا هوالفخ الذي وقعت فيه لجنة نظام الحكم التي استخدمت صيغة سيئة عندما نص الدستور في المادة 141 علي أن يتولي رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء. ومرة اخري وعن جهل كامل بقواعد التوقيع المجاور في النظام الدستوري الفرنسي لم يفطن رجال القانون بالتأسيسية الي ان قرار دعوة الناخبين يخرج عن الاستثناءات المقررة صراحة لسلطات ينفرد بها الرئيس. وعلي ذلك فإن اختصاصات رئيس الجمهورية التي يباشرها منفردا هي استثناء من الأصل فيختص بالمسائل المتعلقة فقط بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية والسلطات المنصوص عليها بالمادة 139 و145 و146 و147 و148 و149، أما ما يخرج عن ذلك فلا بد أن يباشره بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء.. ان القرار محل النظر ليس فقط قرار اصدار القانون ولكنه قرار دعوة الناخبين واجراء الانتخابات وهوما كان يقتضي التوقيع المجاور وفقا للدستور الجديد. ولهذه الاسباب فإن قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إذ لم يكن بالاتفاق يكون باطلا لمخالفته المبدأ الدستوري المتعلق بممارسة رئيس الدولة سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه المنصوص عليها في المادة 141، وهو ما يشكل عدوانا علي الاختصاصات الدستورية المقررة لمجلس الوزراء وبالتالي فميعاد الانتخابات المحدد من قبل رئيس الجمهورية قد أصبح بعد نفاذ الدستور الحالي من الاختصاصات التي يجب علي رئيس الجمهورية أن يباشرها بواسطة مجلس الوزراء. وشاهد مشهود فقد عبر القضاء الاداري المصري في حيثيات هذا الحكم - الذي اشدد علي وجوب تدريسه بكليات الحقوق - عن جهل السلطتين التنفيذية والتشريعية باحكام الدستور الجديد . فهو درس في القانون الدستوري يتعلمه مدعون الفقه من القاضي. فاستاذ القانون يعلم طلابه حكم القانون الذي يفسره القاضي وليس اراءه الشخصية التي تتحزب تارة وتتحيز تارات. كاتب المقال: استاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسة جامعة لاروشيل - فرنسا