قديما في بداية العهد بالديمقراطية وبعد قيام الثورة الفرنسية عام 9871 كان الاتجاه السائد هو علنية الاقتراع حيث كان ينظر إلي هذا المبدأ علي انه الضمانة الأساسية للعملية الانتخابية وهو قرينة علي قدرة الناخب وأهليته لتحمل المسئولية وفرصة نادرة لإظهار شجاعته في التعبير عن رأيه علنا وبصراحة كما يتاح له في نفس الوقت فرصة الاستهداء بخبره وآراء صفوة المجتمع من النبلاء وغيرهم وكانت قاعدة الاقتراع العلني هي السائدة خلال تلك الحقبة وكان من أهم دعاتها الفيلسوف الفرنسي مونتسكيه فيلسوف مبدأ الفصل بين السلطات فكان من دعاه مبدأ التصويت العلني في الانتخابات العامة وأيضا كان روبسبير أحد رجال الثورة الفرنسية الكبار مدافعا عن التصويت العلني لأنه يقتضي من الناخب ويري فيه الصراحة والشجاعة الأدبية وكذلك كان بسمارك رجل ألمانيا القوي من كبار أنصار التصويت العلني وعلي هذا الأساس تمت انتخابات المجلس النيابي في ألمانيا عام 1781 حتي 9191. ولكن ظهرت مساوئ التصويت العلني إذ أنه يفترض في الناخب شجاعة قد لا تتوافر في غيره من الناخبين مما يترتب عليه إحجام الناخبين عن المشاركة الانتخابية كما ان في التصويت العلني وسيلة سهلة في يد الحكومة لإرهاب الناخبين وإجبارهم علي التصويت لصالح مرشحي الحكومات غير الديمقراطية. فضلا عن كونه قد يجعل من الصوت الانتخابي وسيلة للمتاجرة من الناخب الفرد إذا هو تعمد تأخير عملية الإدلاء بالتصويت للتعرف علي اتجاهات الناخبين وتقدير قيمة الصوت الانتخابي المؤثر لصالح أحد المرشحين بما يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها. وقد اتجه معظم فقهاء القانون الدستوري إلي قاعدة سرية الاقتراع كضمانة لجدية ونزاهة العملية الانتخابية تلافيا للمساوئ والانتقاءات التي وجهت إلي مبدأ علنية الاختراع واتجهت معظم التشريعات حاليا عند تنظيمها لعملية الانتخاب إلي جعل عملية الاقتراع سرية. وجدير بالذكر أن المشرع المصري قد قرر أيضا مبدأ سرية الاقتراع في المادة 92 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 37 لسنة 6591 بأن أوجب علي الناخب ان يتنحي جانبا من النواحي المخصصة لإبداء الرأي في قاعة الانتخاب نفسها. وتطبيقا لمبدأ سرية الاقتراع تضمنت المادة 33 من قانون مباشرة الحقوق السياسية المشار إليه سلفا إلي بطلان أي ورقة عليها توقيع الناخب أو أي إشارة أو علامة أخري تدل عليه. وقد يخرج المشرع أحيانا علي قاعدة سرية الاقتراع استثناء مراعاة لبعض الحالات التي تحول ظروفها الصحية دون ممارسة حقهم الانتخابي مثل فاقدي البصر وغيرهم إذ أجازت معظم التشريعات ومنها التشريع المصري تسهيلا لهذه الفئة في ممارسة حقوقها السياسية أن يكون الاقتراع علنيا أمام رئيس لجنة الانتخاب بعد اتخاذ التدابير اللازمة والتي تجعل من عملية الاقتراع علنيا أمام رئيس اللجنة وسريا أمام مندوبي المرشحين والجميع وأن يتم توقيع رئيس اللجنة خلف بطاقة التصويت. كاتب المقال : وكيل عام أول النيابة الإدارية دكتوراه في القانون الدستوري