انني لن أوافق علي توقيع اتفاق التبادل التجاري.. إلا بعد توقيع اتفاق تبادل الزوجات.. جملة قالها الزعيم الكبير بعد أن أسكرته فتنة السيدة الأولي. تطاردني صورة سيدة أولي.. كانت الدنيا تركع تحت اقدامها.. والتقت بصفتها السيدة الأولي بجميع كبار القوم في زمانها.. من جمال عبدالناصر ونهرو.. وحتي خروشوف وايزنهاور واديناور.. وكل الزعماء من أصحاب السلطة والسلطان في زمانها. كانت تتمتع بجمال أهل البدو.. ولها تسريحة للشعر تميز ملامحها.. فهي تكوره.. أكواما فوق أكوام.. فيبدو كالقبة الفداوية بميدان العباسية، علاوة علي ان الله سبحانه وتعالي قد متعها بقوام ممشوق.. يعظم شأنها في عينيك وفجأة جمح بها الزمان.. وقرر زوجها العاشق تحديد اقامتها في قلعة نائية.. تحت الحراسة المشددة.. وظلت تعاني الشقاء والحرمان.. بعد أن ادرك الزوج وهو في سرير النهاية انها تسعي لأن ترث السلطة من بعده.. كانت السيدة الأولي تنوي القيام بدور سياسي علي غرار زوجة الزعيم الصيني ماوتسي تونج.. رحمهما الله. الفرق الوحيد ان ورثة ماوتسي تونج- هم الذين قبضوا علي زوجة الزعيم.. وحاكموها واذاقوها ذل الكلاب.. مع أفراد عصابتها الأربعة. أما في الحالة التي اكتب عنها فقد قام الزعيم بهذه المهمة بنفسه وعلي طريقته.. قبل ان تتم علي الطريقة الصينية.. بما قد يتبعها من تداعيات. المهم.. ان السيدة الأولي.. اختفت كفص الملح الذي ذاب بحكم كونها رهن الاعتقال.. وكانت كل أحلامها في أيامها الأخيرة.. الحصول علي كيلو سكر! يوفانكا اكتب لكم عن يوفانكا.. زوجة الزعيم اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو.. التي كانت تسعي لوراثة السلطة بعد الانتهاء من مراسم جنازته.. وانتقاله لرحمة الله. وعندما وصلت بلجراد سنة 9791 لاعداد سلسلة من التحقيقات الصحفية.. للصحيفة التي بين يديك.. كان العالم يتحدث عن تدهور الحالة الصحية للزعيم اليوغوسلافي تيتو واحتمالات تفكك الدولة حال الاعلان عن وفاته. لم تكن زوجته »يوفانكا«.. إلي جانب سرير مرضه. لم تكن في الصورة.. ولم تكن السيدة الأولي بصحبة تيتو خلال الرحلات الأخيرة التي قطع فيها نصف الكرة الأرضية.. وزار خلالها الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية والبرتغال والجزائر. حتي في الاحتفال الكبير الذي اقيم بمناسبة مرور 04 سنة علي إنشاء الحزب الشيوعي في كرواتيا.. لم تظهر السيدة الأولي في الصورة إلي جانبه. وكان السؤال الذي يتردد علي كل لسان هو: أين يوفانكا؟! ولهذا السؤال في الدول الشمولية.. له ما يبرره.. نظرا للدور السياسي الذي تلعبه السيدة الأولي في تلك الدول.. ابتداء من مارجوت زوجة الزعيم الالماني الشرقي هونيكه وحتي زوجة شاوشيسكو.. وزوجة الرئيس الألباني أنور خوجة! وكانت الشائعات حول سر اختفائها تتراوح ما بين اصابتها بالغدة الدرقية.. وان مرضها يحول بينها وبين الادوار الاجتماعية والسياسية.. وما بين صلاتها بضابط من الصرب كان ينوي الانقضاض علي السلطة قبل الاعلان الرسمي عن وفاة تيتو. بما يعني انها كانت تنوي القيام بدور سياسي.. علي نحو ما قامت به زوجة الزعيم الصيني ماوتسي تونج. وعندما التقيت بالسفير جمال منصور سفيرنا في بلجراد في ذلك الوقت كان سؤالي عن يوفانكا! أين هي.. هل استطيع مقابلتها؟! قال لي السفير جمال منصور.. وفي عينيه دهشة: - انها محددة الاقامة! وقال لي: - ان الرئيس تيتو هو الذي حدد اقامتها! وعلي الرغم من ان الرئيس تيتو قد ارتبط بعلاقات مع عشرات السيدات.. وربما المئات.. وفقا لما جاء في كتاب »عشيقات جوزيف بروز تيتو« لمؤلفه فيليب رادولوفتش.. فإن التاريخ لم يسجل منهن.. الا اللاتي انجبن منه.. أو اللاتي تزوجهن. وعلي كل حال فهو.. علي حد قوله.. لم يحب سوي واحدة.. هي يوفانكا.. التي حدد اقامتها! والمثير في الموضوع.. ان وحدة يوغوسلافيا.. كانت قائمة.. في الاساس علي هذا الحب! هو كرواتي! وهي صربية! وكان الزواج بينهما أشبه بالزواج بين القبائل. وكان نفوذ يوفانكا.. بين الصرب.. لا يقل عن نفوذ تيتو.. بين الكروات. ولم يكن سرا بين ابناء الصرب ان يوفانكا.. هي الوريث الطبيعي للسلطة في يوغوسلافيا.. حال الاعلان عن وفاة الزعيم الكبير.. الذي تزعم حركة عدم الانحياز! ويبدو ان تيتو اراد قطع الطريق امام اية احتمالات لتوريث السلطة.. فقرر اعتقال زوجته.. والسيدة الوحيدة التي أحبها.. علي حد قوله.. وعزلها في فيلا نائية.. وصادر ممتلكاتها! ظلت يوفانكا في هذه الفيلا 92 سنة كاملة معه.. منها ثلاث سنوات قبل رحيل تيتو.. و62 سنة بعد رحيله وفي هذه الاثناء انهارت وحدة الدولة اليوغوسلافية.. وتمزقت أوصالها.. واكتشفت السلطات الصربية.. ان أرملة الزعيم اليوغوسلافي تعيش في ظروف مأساوية.. وان الفيلا آيلة للسقوط.. وان المياه تتساقط من سقفها.. وان السيدة الأولي »سابقا« تعيش في فقر مدقع.. ولم يعد لديها مصدر رزق.. بعد ان انقطعت وسائل التدفئة في الفيلا التي تحولت إلي ثلاجة وزنزانة في آن واحد.. وهكذا جمح الزمان بالسيدة الأولي.. التي كانت ملء السمع والبصر.. ولم تنتقل صحف العالم.. بما فيها الصحف اليوغوسلافية إلي هذه الفيلا.. بعد ان تحولت إلي قلعة.. وتقابل يوفانكا وتجري معها الأحاديث الصحفية.. وعندما اعربت للسفير جمال منصور عن رغبتي في مقابلتها.. أيدي دهشته المفرطة.. ووجد انني اطلب المستحيل. كان العالم في تلك الأيام »سنة 97« مشغولا بالبلاوي المسيحة.. التي تتضاءل إلي جانبها حكاية يوفانكا.. أجمل جميلات عصرها.. وأجمل زوجة بين زوجات زعماء الحرب الباردة. زواج تيتو الروسية والعجيب في الموضوع ان جميع عشيقات تيتو.. لعبن أدوارا سياسية في حياته.. كل واحدة لعبت دورها.. في ظل ظروف زمانها.. ومكانها واحداث وقتها.. وتركت بصماتها علي حقبة الحب.. إلا واحدة فقط.. هي التي لعبت الدور الأكبر في مكانته السياسية.. وهي زوجته الثالثة.. يوفانكا. الزوجة الأولي.. كانت روسية.. اسمها بيلاجيا بيلوسوفا.. هاجرت معه لمسقط رأسه في كرواتيا.. وعاشا حياة عادية إلي ان قبضت السلطات الكرواتية عليه بتهمة حيازة قنبلة.. ودخل السجن وانقطعت اخباره تماما سنة 8291، واضطرت بيلاجيا إلي العودة إلي الاتحاد السوفيتي.. وبدأت تعمل بالسياسة فقبضوا عليها بتهمة الانتماء لأفكار المنشق السوفيتي تروتسكي.. في إحدي حملات التطهير التي قام بها ستالين.. قبضوا عليها.. وأودعت السجن.. في الوقت الذي كانت فيه السلطات الشيوعية في موسكو قد اصدرت قرارا بتعيين تيتو.. مندوبا عن الحزب الشيوعي في كرواتيا! لم يكن تيتو.. يعلم ان زوجته في السجن.. ولم تكن هي تعلم ان زوجها.. قد بدأ رحلة الصعود!! أما الزوجة الثانية للزعيم تيتو.. فكانت المذيعة هيرتاهاس وهي ألمانية من أصول سلوفانية.. وكانت تعمل في الاذاعة اليوغوسلافية.. الموجهة باللغة الالمانية. كان تيتو قد تعرف بها في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي.. عندما كان يقوم بجولات سرية.. باسماء مستعارة في العديد من الدول لابلاغ رسائل لقيادات الأحزاب الشيوعية في أوروبا. بيد أنها اصيبت بالسل وماتت سنة 6491. اثناء مرض الزوجة الثانية.. تعرف تيتو بالزوجة الثالثة يوفانكا.. موضوع هذه السطور. يوفانكا.. ابنة فلاح فقير.. في منطقة فقيرة اسمها »ليكا« وهي من أكثر ربوع يوغوسلافيا فقرا.. بحكم موقعها علي منطقة الحدود بين »صربيا« و»كرواتيا«. كانت والدة »يوفانكا« قد ماتت في سن مبكرة.. تاركة خلفها ستة أطفال.. وكان علي الأب توفير الطعام لهم.. يوما.. بيوم.. وعندما بدأ تيتو.. تكوين قوات المقاومة سنة 2491.. انضمت يوفانكا التي كانت تبلغ من العمر 71 سنة لكتيبة النساء في منطقة »ليكا« وكانت تلك هي الكتيبة الأولي التي تضم النساء فقط. كانت »يوفانكا« تتمتع بجمال القرويات.. فارعة القوام.. شعرها كثيف وطويل بني اللون.. وعيون عسلية واسعة.. واكتاف عريضة.. من النوع الذي يطلق عليه بلغة الصرب »والا شيش« بمعني صاحبة الجمال الصارخ. وظلت يوفانكا تعمل بهذه الكتيبة لمدة عامين.. عندما بدأ تكوين ما يسمي ب»القسم الطبي الميداني« فانضمت الفتاة الصربية الجميلة.. لهذا القسم. تقول يوفانكا.. انها رأت تيتو لأول مرة عندما جاء القسم الطبي لزيارة صديق له.. اصيب في انفجار قنبلة القتها الطائرات الايطالية علي مجموعته. وقالت: في هذه الزيارة.. صافح جميع الحاضرين.. وصافحني! لم يكن تيتو يعرف عن يوفانكا.. حتي هذه اللحظة سوي انها مناضلة.. شجاعة.. وتتمتع بقدرة كبيرة علي التنظيم والادارة! زواج في الستين ودارت الأيام.. ووضعت الحرب العالمية الثانية.. أوزارها.. واصبح تيتو رئيسا للدولة الجديدة. وصدرت التعليمات العليا بترقية الشاويش يوفانكا إلي رتبة »الرائد« وان تعين في موقع بالقرب من رئاسة الدولة، وان تتولي الاشراف علي ادارة شئون مقر اقامة الزعيم، وبالفعل قامت يوفانكا بتنظيم حفلات الاستقبال الكبري.. وتفقد الصالونات والمقاعد.. والسجاجيد.. وكل ما يتعلق بالبروتوكول والمراسم.. إلي أن شعر تيتو بعد فترة قصيرة.. انه في حاجة ليوفانكا.. كزوجة.. وليس كمجرد مساعدة.. تقوم بأدوار الزوجة.. وهي ليست في العلن كذلك. وعندما زار رئيس الوزراء البريطاني انطوني ايدن يوغوسلافيا سنة 2591.. واقام حفل استقبال بالسفارة البريطانية في بلجراد ووجه الدعوة لتيتو بجملة »إلي المارشال جوزيف بروز تيتو والسيدة بروز تيتو« علي اساس ان يوفانكا.. هي زوجة رئيس الدولة.. وهي لم تكن كذلك.. مما دفع الرئيس تيتو للاسراع باتخاذ قرار الزواج.. واختار يوم عيد ميلاده الستين.. ليكون يوم الاحتفال بزواجه. وهكذا تزوج تيتو.. في اليوم الذي بلغ فيه سن الستين.. وعلي الرغم مما اثير أيامها.. حول الطابع السياسي لهذا الزواج.. باعتبارها صربية وهو كرواتي.. إلا ان تيتو اجاب علي ما يقال بجملة: »يؤسفني ان أؤكد.. ان هذا الزواج لا علاقة له بالسياسة.. فهي ليست سياسية.. ولم تعمل بالسياسة.. وكل ما في الأمر انني أحببتها.. وهي أحبتني!« كان تيتو يحب يوفانكا.. حبا جماً.. في الوقت الذي اعتادت فيه الاستماع لكلمات الاعجاب التي تصل لحد الغزل.. هذا الغزل المستتر لم يصل إلي حد محاولة الاغتصاب.. إلا في حالة واحدة.. حالة الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف.. الذي حاول اغتصابها.. وفك ضفائرها.. مما اضطرها لصفعه وهي تحاول سحب جسدها من بين ذراعيه.. وأدي لأزمة كادت تطيح بالعلاقات السوفيتية- اليوغوسلافية. علاوة علي المعركة النسائية التي نشبت بين نينا.. زوجة خروشوف وبين يوفانكا.. وهي حكاية تستحق الرواية: في سنة 5591 قام الزعيم السوفيتي خروشوف بأول زيارة رسمية يقوم بها احد زعماء الكرملين ليوغوسلافيا.. وسط ترحيب عالمي حول التحسن المباغت في العلاقات اليوغوسلافية السوفيتية.. وإزالة الجليد الذي تراكم بسبب مواقف تيتو تجاه السياسة السوفيتية نحو بلاده. وأقيمت الاحتفالات.. ودقت الطبول والمزاهر ترحيبا بالضيف وفي إطار هذه الاحتفالات.. أقام تيتو حفل عشاء بجزيرة بريوني.. لعبت فيه الكئوس بالرؤوس.. حول المائدة العامرة بالمأكولات والمشروبات.. وكان من الواضح ان خروشوف احتسي من كؤوس الفودكا قدرا يفوق طاقته.. وطلب من يوفانكا ان تصحبه خارج الفيلا ليتنسم بعض الهواء العليل.. وخرجا معا يتفقدان الجزيرة وسط الظلام الدامس والهدوء الشيطاني.. إلي ان ابتعدا عن مرمي الانظار وجلسا فوق اريكة علي أطراف الجزيرة.. وبدأ خروشوف يبدي اعجابه بها.. هي تشكره في أدب ارياف البلقان.. وتطور الكلام لمحاولة من جانبه لطبع قبلة ساخنة فوق شفتيها.. واضطرت معها لدفعه بعيدا عنها.. إلا ان الرجل العجوز الذي لعبت الخمر برأسه.. امسك بها من شعرها.. فانفك عقد التسريحة التي تشبه القلعة.. وامسك بتلابيب فستان السهرة محاولا النفاذ إلي ما تحته مما اضطرها لصفعه.. ودفعه بقوة.. وسحبت نفسها من بين ذراعيه.. وهرولت نحو القصر.. ودلفت إلي داخله من أحد الأبواب الخلفية. كيد النسا لاحظ وزير التجارة السوفيتي ميكويان.. ان يوفانكا قد عادت وحدها.. فخرج يبحث عن الزعيم.. وسط الظلام.. شمالا ويمينا إلي ان عثر عليه جالسا يهذي باللغة الروسية! - انني لن أوافق علي توقيع اتفاقية التبادل التجاري.. إلا بعد توقيع اتفاق تبادل الزوجات.. انا احصل علي زوجة تيتو.. وهو يحصل علي نينا!! المهم ان نينا.. زوجة خروشوف قررت الانتقام علي طريقتها وعندما زار تيتو موسكو سنة 3691.. وقدمت نينا هدية ليوفانكا وعندما فتحتها في غرفتها وجدت بها »مشطا« لتمشيط الشعر. احتفظت يوفانكا بالهدية.. إلي ان انتهت الزيارة ووقفت نينا بجوار زوجها خروشوف لتوديع الضيف اليوغوسلافي وزوجته وفقا للبروتوكول في المطار.. وإذا بيوفانكا تخرج من حقيبة يدها الهدية.. وقدمتها لنينا قائلة: - انت في حاجة لهذا المشط... اكثر مني.. لانك لم تصففي شعرك منذ 05 سنة، وانا لست في حاجة إليه لانني اصفف شعري عند الكوافير! وكانت صفعة.. ولم تتمكن نينا من الرد.. لأن طائرة تيتو كانت علي وشك الاقلاع.. اريد ان اقول ان الزمان لا يجمح بزعماء الدول الشيوعية.. فحسب.. وانما يجمح بالزوجات اللاتي يتمرغن في نعيم السلطة.. طوال سنوات التألق.. ثم ينتهي بهن الحال إلي سقوط لم يكن يدور في الوهم وقوعه.. وفي أسرع من لمح البصر. من كان يصدق.. ان يسدي إليّ السفير جمال منصور بنصيحة عندما التقيت به في بلجراد سنة 9791.. ان أحمل معي كيلو سكر.. هدية ليوفانكا.. إذا شاءت الاقدار ان ألتقي بها في محبسها؟! ليتنا نتعلم من دروس يوفانكا.. أجمل جميلات عصرها!