علمنا استاذنا الكاتب الصحفي الكبير جلال الدين الحمامصي في حواراته التي كان يجريها معنا علي هامش محاضراته بكلية الاعلام ان للصحفي سلطة وكرامة تعادل سلطة وكرامة الوزير الذي يتعامل معه كمصدر للأخبار، مؤكدا مرارا وتكرارا ان الصحفي هو ضمير القاريء الباحث له عن الحقيقة دائما، مؤكدا ايضا ان الصحفي يجب ان يكون مندوب الجريدة بالوزارة وليس مندوب الوزارة في الجريدة، تعلمنا الكثير من القيم المهنية والاخلاقية المرتبطة بصورة وكرامة الصحفي بعيدا عن المناهج المخطوطة في الكتب، ومارسنا ذلك وتدربنا عليه بكل شجاعة في صحيفة " صوت الجامعة " التي كانت بمثابة معمل صحفي حقيقي لنا. يتملكني الاسي والحسرة وانا اري حال الصحافة اليوم وما وصلت اليه، اختلط الحابل بالنابل، والاعلام بالاعلان، لم نكن نسمع من قبل عن الصحفي الذي يعمل مستشارا اعلاميا لدي الوزير المكلف بتغطية وزارته، لم نكن نسمع عن الصحفيين الذين يعملون مستشارين اعلاميين لرؤساء شركات وهيئات وفنانين وفنانات بفخر واعتزاز وكأن هذا عمل مهني مشروع ، لم نكن نسمع عن صحفيين يجلبون الاعلانات من الاماكن التي تم تكليفهم بتغطية اخبارها، كل هذا وغيره من السلوكيات التي تهدد المهنة وضوابطها الاخلاقية اصبح مرئيا في العلن وكأنه من الامور العادية جدا التي لا تدفع للخجل او المحاسبة. عدم المحاسبة للأسف الشديد هي المسئول المباشر عن تلك الصور المهينة لكرامة الصحفي واخلاقياته المهنية، هي المسئول بشكل مباشر عن تدني مستوي الخدمة الصحفية التي تقدم للقاريء، فلم يعد الصحفي هو ضمير القاريء، اصبح ضمير المصدر الذي استقطبه ليعمل لديه اعلاميا. اقدم لكم مثالا معاكسا لذلك يبين القوة الناعمة للصحافة عندما تتمسك بكرامتها وكرامة العاملين فيها، فقد اقام الدنيا الصحفيون الاردنيون الذين لم تنكسر كرامتهم بالعمل في معية وزارة او وزير للاحتجاج علي التصريحات التي ادلي بها وزير البيئة الاردني واعتبروها مهينة في حق المهنة، واستجابة لهم اصدر الملك عبد الله عاهل الاردن قرارا بإقالة الوزير من منصبه وتحميله المسئولية عما بدر منه، الوزير اتهم الصحافة الأردنية بأنها جاهلة، وقاصرة في تأدية رسالتها الإعلامية، قائلا إن المستشار الذي عينته الحكومة ليقوم بالعمل الإعلامي لوزارة البيئة، ثبت أنه لا يعرف شيئا عن البيئة، إضافة إلي أنه لا يعرف كتابة التقارير باللغة الإنجليزية، وذكر ضمن تصريحاته اسماء صحفيين واعلاميين قال انهم يعانون من ثقل الدم و الزناخة، وهي أوصاف معيبة في لهجة الحكي الاردنية، وبرغم الاقالة الملكية للوزير التي جاءت من الوزير في شكل استقالة، يفكر عدد من الصحفيين الاردنيين بإقامة دعاوي قضائية ضد الوزير المقال، واتهامه بالسب والقذف للأسرة الإعلامية. تلك هي الكرامة المهنية التي كان استاذنا جلال الحمامصي يريدنا ان ننشأ عليها ونمارسها، وهذا هو المطلوب الان لتصحيح كل الاوضاع المقلوبة للفصل بين الاعلام والاعلان.