ما ان انتهي مخاض الدستور وشق طريقه عبر الاستفتاء ليحظي بالموافقة بأغلبية الثلثين ومعارضة الثلث إلا وظهرت التحليلات الرقمية لتؤكد أيضا ان من شاركوا ممن لهم حق التصويت كانوا ثلث المستفتين فتساوت كفتا المشاركة والمعارضة معا. وفي لحظة رنت كلمة الثلث في اذني لتعيد علي مسامعي المعاني الجميلة لهذه النسبة، فتذكرت ان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم عندما جاءه صحابي جليل يريد ان يتنازل عن ماله للفقراء والمساكين، نهاه عن فعل هذا وقال له.. لئن تترك أولادك أغنياء خيرا من أن تتركهم فقراء يتكففوا الناس. ولحب الصحابي للخير قال اترك لهم نصف مالي فنهاه الرسول »عليه الصلاة والسلام« حتي وصل الي ان يتنازل عن الثلث ووافق الرسول الكريم وقال له »والثلث كثير« وسرت المعاني الجميلة الي ذكري عطرة وهي عيد الأضحي المبارك بأن الأضحية أيضا يتم تقسيمها إلي ثلاث، »ثلث للأهل وثلث للأصدقاء وثلث للفقراء«. »الثلث« أصبح معني أصيلا في حياتنا لدرجة انه عندما يود المرء ان يقسم أي شئ يملكه اتبع هذه السنة الحميدة حتي مع نفسه حيث أمرنا سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم- بأننا نتعامل مع أجسادنا بهذه النسبة ثلث للطعام وثلث للهواء وثلث للماء. أعود إلي الثلث الاستفتائي.. ما كان ينبغي لحجم المواطنين الذين صوتوا في الاستفتاء علي الدستور أن يكون الثلث لأن الأمر جد وما هو بالهزل.. الدستور وثيقة حياتية نعيش تحت ظلها.. نحتكم إليها في حالة الاختلاف. وما قبة البرلمان إلا وعاء للتشريع من أجل المواطن والرقابة علي الأجهزة التنفيذية أيضاً من أجل المواطن فكيف يكون الحال إذا كان من خرجوا للتصويت ثلث ممن لهم هذا الحق الذي ينساب أيضا بلغة الأرقام ليشمل من هم في رقبة كل مواطن له حق التصويت. الثلث هنا تقصير ممن لم يخرج للتصويت.. تقصير في حق أنفسهم وحق الوطن وحق الآخرين سواء من جاءوا للموافقة أو الرفض. حدث في النرويج النرويج بلد جميل ينتمي للدول الاسكندنافية التي وهبها الله طبيعة خلابة ومشاكل قليلة ومستوي دخل عاليا لدرجة انك تشعر للوهلة الأولي ان أمراض القلب والضغط لا تصيب المواطنين هناك. كنت أتجول في أحد شوارع العاصمة »أوسلو« استنشق هواءً نقياً ورائحةً عطرة ومناظر خلابة وهدوءاً لا يعرف حتي صوت كلاكس سيارة ووقفت بعض الوقت أمام شاطئ النهر كي اشاهد صورة مياهه وكأنها صفوف متساوية متتابعة تبعث موسيقي كلاسيكية جميلة لم يقطع نغمها سوي صورة أخري لمجموعة كبيرة من المواطنين ظننت للوهلة الأولي انهم يغنون للنهر.. كان صوتهم عذبا وموسيقي اللحن الذي ينبعث من شفاههم متناغمة مع ما يرددونه من كلمات. انضممت إليهم دون أن أعرف ماذا يقولون ولكني ظننت أنه مشهد ثقافي ترفيهي يعبرون فيه عن أنفسهم كما كنا زمان نغني أمام نهر النيل أغانينا الوطنية والشعبية والعاطفية، وكما كان يحدث أخيرا في الأيام الأولي للثورة من أغان وابتسامات ونكات ورسومات فنية تعبر عما نصبو إليه. أخذني الفضول فسألت بعض المارة ممن يتحدثون اللغة الانجليزية عن هذا المشهد الرائع، فالوجوه نضرة والابتسامات مفرحة والاصوات تعبر في نغم واحد دون خروج أو نشاز وكأنك تستمع إلي كورال في جمل قصيرة عما يريدونه. فإذا بي أفاجأ ان هذا التابلوه الحي إنما هو تظاهرة فئوية للمطالبة ببعض الحقوق من الحكومة. هذا الجمع كان يسير في مجموعات متساوية والخطوة منتظمة وكأنك تشاهد سرية عسكرية لا يوجد بين الكلمات أي عبارات مسيئة أو مشينة ولا يوجد باعة جائلون و إنما محلات ذات واجهات مريحة للبصر.. المكان كان ممشي للتنزه وبالتالي لا يوجد قطع للطرق وأيضا لم يُمنع أحد من ان يتمتع بجمال النهر والمناظر الطبيعية. انها تظاهرة انضممت إليها وانا اشعر بسعادة دون أن أعلم ماهية أهدافها ولكن المشهد راق للنفس فأصبحت جزءا من جمال المنظر. كلام علي الهواء التظاهر من أجل الحصول علي حقوق لا يعني ان يتوقف العمل وإلا فقدنا العمل والحقوق معا. الاتحاد الأوروبي ضخ 051 مليار يورو لليونان ومازالت تشكو واقتربت من اشهار إفلاسها في حين انه يبخل علي مصر بالفتات بزعم عدم وجود الاستقرار السياسي والاقتصادي بسبب التظاهرات والحصار. هروب الاستثمار بسبب الصراع السياسي قد يستمر حتي لو استقرت الأوضاع بسبب حزمة الضرائب الجديدة. مصر تملك الصندوق الذهبي وهو المواطن المصري عندما ينوي ان يواجه التحديات بصبر وعزيمة الرجال وبالتالي فلسنا في حاجة لصندوق النقد الدولي إلا في حالة الوهن.