لا يخفي علي أحد ما يمر به الوطن، من فتن تدع الحليم حيرانا، فقد كثرت الفتن، وكثرت الإحن، وكثر الذين سقطوا صرعي هذه الانقسامات، وتلك التداعيات التي كادت تغرق الوطن في أزمات خطيرة، وحياة مريرة. إن واجب العقلاء والحكماء أن يبصروا الناس بحقيقة الموقف وما يخشي منه علي الوطن من الضياع، وعلي شبابنا من الهلاك، إن واجبنا تجاه مصر، يستوجب علينا أن نحميها، وأن نحرسها وأن نصونها، وذلك بالعمل المخلص الجاد، وبإيقاف الخلافات وتصفيتها، وأن نسعي للوفاق الوطني، ونشر ثقافة التسامح فإن لمصر مكانتها العالمية، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم الي قول الله تعالي: »فلما دخلوا علي يوسف آوي إليه أبوبه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين« سورة يوسف »99«. وفلي هذا بشارة أن الأمان سيظللها إن شاء الله. ووصّي الرسول صلي الله عليه وسلم خيرا بأهلها فقال: »اذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خير فإن لهم ذمة ورحما«. كما تتجلي مكانة مصر في تاريخها وحضارتها ومكانتها في العالم عبر عصور التاريخ، وأنها التي حمت تراث الاسلام من الهجمة الشرسة التي كادت تقضي عليه لولا ارادة الله تعالي بعد القرون الثلاثة الأولي حيث قام علي ارض الكنانة اعظم صرح اسلامي وهو الأزهر الشريف فحمي هذا التراث وصانه من الهجمة الشرسة وأخذ يعلم المسلمين، ويحتضن ابناء المسلمين في أروقته ويبعث بعلمائه الي كل الارض. ومن اجل ذلك كله وجب علينا جميعا أن نحمي مصر وأن نصونها من انحراف يميل بها ومن شطط من احد ابنائها. فواجبنا تجاه مصر أن نحفظ مجدها وتراثها ففيها مجد الاسلام كما قال احد المؤرخين: من لم يذهب الي مصر ما رأي مجد الإسلام ولا عزه، لأن فيها الأزهر الشريف. وان واجبنا ان نعمل، وأن نضاعف الانتاج والا نركن الي احد من الناس، بل علينا أن تكون لنا شخصيتنا المستقلة التي دعانا اليها الاسلام، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم. لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا انفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن اساءوا أن تجتنبوا إساءتهم« رواه الترمذي. وعلي كل انسان أن يراعي ربه ويراقبه في عمله ويخلص فيه ولا يركن إلي رضا أحد من الناس، لأن الاخلاص هو سر النجاح. أما الذي يعمل ابتغاء وجه الناس فليس له من أجر عمله عند الله، فمن أرضي الله في سخط الناس رضي الله عنه. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضي الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضي عنه من أسخطه في رضاه حتي يزينه ويزين قوله وعمله في عينيه« رواه الطبراني. وعلي كل إنسان أن يستعين بالله في عمله وألا يعجز كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »المؤمن القوي خير وأحب الي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن اصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وماشاء فعل فإن »لو« تفتح عمل الشيطان« رواه مسلم. وعلينا أن نعمل وأن نتوكل علي الله تعالي، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من احب أن يكون أقوي الناس فليتوكل علي الله«.. فبالتوكل علي الله مع العمل والسعي والكفاح نقاوم كل ظلم وأذي »ومالنا ألا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن علي ما آذيتمونا وعلي الله فليتوكل المتوكلون« سورة ابراهيم »21«. واجبنا في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا ونعيشها مصر وهي مرحلة من مراحل التحول التاريخي والمنعطف الوطني المهم، واجبنا أن نسعي لمصر وأن نحميها وأن نخلص في اعمالنا لبنائها ونهضتها. وعلينا أن نؤكد مصلحة الوطن فهي المصلحة العامة وهي التي لا تتأتي إلا في ظل الأمن والطمأنينة وفي ظل الاستقرار والسكينة. ولابد من مناهضة الظواهر السلبية التي تؤرق المواطنين وتروع الآمنين، وأن نسعي جميعا إلي أمان الوطن واستقراره، وأن ينشد الجميع المصلحة العامة وأن يكونوا علي قلب رجل واحد، فكلنا ابناء وطن واحد، وفوق أرض واحدة، وتحت سماء واحدة وكلنا ابناء آدم فلا يصح لعاقل أن يشق عصا الطاعة، أو يفرق الجماعة أو يدعو بدعوي الجاهلية للفرقة والتناحر وعلي الجميع أن يستجيبوا للأمر الرباني الذي أمرنا الله تعالي جميعا به في القرآن الكريم. »واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا«.