بفطرة المصري الأصيل قالت لي مساعدتي بالمنزل حين سألتها عن معرفتها بالدستور، وهي سيدة أمية لاتقرأ ولا تكتب، " أعرف " دستور ياسيادنا..وضحكت ثم قالت.. ياست هانم بالعقل كده لما كل الخلق دول بالملايين ينزلوا يتظاهروا ضد الدستور اللي أنا موش فاهماه.. يبقي فيه حاجة غلط..! نظرت إليها مستفسرة وقبل أن أنطق بادرتني في غضب شديد.." ياست هانم أنا لم أتعلم ولا أفهم مثلكم كل اللي أعرفه إن الدستور زي عقد المنزل.. أنا أسكن في غرفة بمنزل كبير ويسكن معي أربع عائلات بحمام واحد ومطبخ واحد وعملنا اتفاق مع بعضنا البعض حتي لاتحدث مشاكل وخناقات..موش الدستور كده برضه..؟ " سألتها.. من قال لك هذه.. فأجابتني " بالنباهة كده " تقصد بالعقل.. ثم استطردت بالكلام غاضبة ولم أستطع إيقافها فلذت بالصمت.. قالت " لما العيال دول تقصد الشباب يموتوا وماحدش يسأل فيهم يبقي فيه حاجة غلط.. ولما البلطجة تبقي في الشوارع بالشكل ده يبقي فيه حاجة غلط.. ولما الأمن مايقبضش عليهم يبقي فيه حاجة غلط.. ولما المسلم يقتل المسلم يبقي فيه حاجة غلط.. ولما أشوف علم مصر مفروش علي الأرض والناس بتدوس عليه برجليها يبقي فيه حاجة غلط.. ولما أروح المستشفي ومالاقيش دكتور ولا علاج يبقي فيه حاجة غلط.. ولما أنزل من بيتي علشان أشتري أكل لأولادي وارجع من غير ماشتري حاجة لأن كل حاجة غالية يبقي فيه حاجة غلط.. ولما إبني ضنايا أصرف عليه كل اللي حيلتي علشان يتعلم ويتخرج من الجامعة ويقعد جنبي في البيت من سنوات علشان موش لاقي شغل.يبقي فيه حاجة غلط..ولما بنتي تتخطب مرتين وتتفك خطبتها علشان موش لاقيين حتي غرفة يسكنوا فيها يبقي فيه حاجة غلط.. ولما أحلم بعد الثورة إني هاشرب ميه نظيفة والمجاري والزبالة اللي حوالين بيتي هتنزاح ومايحصلش يبقي فيه حاجة غلط ياست هانم لما أشوف ناس بتهاجم وتحاصر مباني التليفزيون علشان إحنا الغلابة مانعرفش حاجة يبقي فيه حاجة غلط.. ولما ألاقي ناس بتحرق مباني وعربيات والشرطة ساكتة يبقي فيه حاجة غلط.. تصوري ياست هانم أنا شفت مظاهرات كتير قدام المحكمة اللي جنبي كانت بتشتم في القضاة هو برضه ده يصح.. عفواً للعامية القح التي امتلأت بها مقالتي، ولكني أثرت أن أكتب كل ماقالته هذه السيدة بلهجتها شديدة البساطة تلك البساطة التي تنم عن المعدن المصري الأصيل الذي يظهر وقت الشدائد والمحن، والتي تنم عن عقل واع بالفطرة، تلك الفطرة التي أودعها الله عز وجل للناس، لقد كرم الله تعالي الإنسان بالعقل وفضله به علي سائر خلقه للتمييز بين الخير والشر بين الصح والخطأ بين الصواب والباطل، " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " الانفال 22 هكذا وصف الله سبحانه وتعالي الذين لا يعقلون ولا يعملون العقل فيما يجري لهم، ولنحمد الله جميعاً أن الأخطاء والخطايا ينبذها الشارع المصري بفطرته السليمة هذا الشارع الصبور الذي يصمت طويلاً ثم ينتفض ويهب ليشاهد العالم انتفاضاته الفطرية الحضارية مهما كلفه ذلك من دماء، الكارثة التي نحياها الآن هي حالة الانقسام الحادة بين أبناء الوطن الواحد وبإعمال العقل وحده نستطيع تخطي هذه المرحلة حتي لا يتحول الحلم إلي كابوس.