السيسى وبجواره جمال الدين يدعو للحوار قبل أن يتراجع ويؤجله لأجل غير مسمى هل تعود القوات المسلحة ومجلسها الأعلي مرة أخري للمشاركة السياسية؟ سؤال يفرض نفسه علي الساحة السياسية الملتهبة بمصر حاليا.. وتطرحه عدة قوي سياسية بين استنكار لتلك العودة أو تمني للإسراع بها لكن بشكل جديد.. بدأت تلك الأسئلة مستترة تحت سطح رماد سخونة الأحداث السياسية المتلاحقة وذلك بعد البيان القوي الذي أصدرته القوات المسلحة بداية الأسبوع الحالي حاملة رسالة تحذير لجميع القوي لوقف محاولات الانقسام وأن الجيش لن يسمح بدخول البلاد إلي النفق المظلم.. إلا أن الجدل والخلاف حول إمكانية عودة الجيش للساحة السياسية زادت حدتها بعد الدعوة التي وجهها الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام لقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي لعقد اجتماع موسع مساء أمس لجميع القوي السياسية ورموز الفن والثقافة والإعلام لحوار موسع بهدف الوصول لتوافق وطني تمهيدا للخروج من الأزمة الحالية بالبلاد. وهو الاجتماع الذي تم تأجيله.. وأغلب الظن أن الجدول الذي نتحدث عنه هو سبب التأجيل. والسؤال الذي لابد من طرحه أمام هذا الجدل هل من المفروض أن يبتعد الجيش تماما عن الأحداث السياسية وتطوراتها بالبلاد خاصة وان كانت تلك التطورات تأخذ منحي العنف والانقسام وبما يهدد أمن وسلامة الوطن التي تعد الحفاظ عليهما المهمة الرئيسية للقوات المسلحة.. أم يظل دوره محصورا في حماية حدود البلاد فقط رغم ان أن هناك مهمة أساسية لا تقل أهمية عن حماية الحدود وهو حفظ وحماية الأمن والسلم المجتمعي وحماية وحدة وتماسك المجتمع. ذكريات مؤلمة وعودة مرة أخري لظهور الجيش علي الساحة السياسية الداخلية وهذا التواجد يحمل ذكري سيئة لبعض القوي السياسية وأيضا قيادات القوات المسلحة نفسها.. فمن جانب القوي السياسية المعارضة لظهور الجيش ومشاركته بالحياة السياسية فإن تلك القوي بنت اعتراضها علي عدة أسباب بعضها محقة فيه والبعض الآخر يخضع لمبالغات.. تلك القوي تري أن المجلس العسكري خلال توليه مقاليد البلاد سلمت فكرها لبعض القوي السياسية أو تحديدا قوي الإسلام السياسي.. وتعتقد القوي الثورية وهو اعتقاد ليس خطأ في جزء كبير منه أن التنسيق بين الطرفين كان من نتيجته إقرار مبدأ الاستفتاء أولا ثم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وهو المبدأ الذي تبناه ودافع عنه باستماتة اللواء ممدوح شاهين الذي يعد مستشار المجلس العسكري السابق في كل القرارات والأمور التي كانت تتعلق بالدستور والقانون.. وان هذا سببا فيما تعاني منه البلاد حتي الآن.. ثم إن القوي السياسية لاتزال تحمل ذكريات دامية مع المجلس العسكري السابق مثلما شهدته أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو.. تلك المواجهات لا نستطيع تبرئة المجلس العسكري السابق منها أو اتهامه بها.. فقد كان المجلس وقتها مسئولا مسئولية شبه كاملة عن إدارة البلاد وتأمينها في ظل غياب الشرطة.. ولابد أن تعترف هذه القوي الثورية أن تلك الأحداث كانت تشهد مندسين بعضهم من عتاة الإجرام كانوا يستفزون قوات التأمين ويعتدون عليهم ويجرونهم لمواجهة عنيفة يختفون هم منها ويهربون من ساحة المواجهة تاركين الضحايا من الثوار وقوات التأمين نفسها .. ولن ننس حارقي المجمع العملي هل كان هؤلاء من الثوار؟ ولا من كانوا يطلقون النار علي الثوار وقوات التأمين سواء بسواء ومحاولي قتل الجنود أمام ماسبيرو كل اولئك ليسوا من الثوار بالطبع لكنهم نجحوا في خلق ثأر بين الثوار والعسكري. إساءة وتجاوز نصل للمجلس العسكري وكبار قادة القوات المسلحة الذين لازال عدد منهم في الخدمة من المجلس الماضي والحالي .. وهؤلاء ذكراهم عن المشاركة في إدارة شئون البلاد وتأمينها بعد ثورة 25 يناير - رغم أنها دور وطني عظيم ومجيد - لكن ذكراه لا تقل ألما ومرارة عن ذكري القوي الثورية.. فقبل ثورة يناير كانت كل علاقة الشعب اعلاميا بالجيش النشاط العسكري والوطني مختلف الأوجه للقوات المسلحة ومجلسها الاعلي.. ومشاركة الشعب في همه قبل فرحه ومحاولات ازالة كربه وتسهيل سبل عيشه.. كما أن الاعلام ورجل الشارع العادي كان يتناول رجال القوات المسلحة وأخبارهم بحذر شديد واجلال يليق برجال وهبوا حياتهم للدفاع عن بلدهم .. والأمر بالطبع كان ينسحب بصورة أكبر علي قادة القوات المسلحة فالناس لا تذكر اخر حديث تليفزيوني أو صحفي للمشير حسين طنطاوي قبل الثورة بسنوات ممتدة وتم رسم صورة في خيالهم حول هذا القائد العسكري المخلص الفذ.. كل تلك الامور اختلفت تماما بعد الثورة ونزول الجيش للشارع واقحام نفسه في الحياة السياسية بشكل كبير لم تكن خبرة قادته كافية لإنجاحها بالصورة المطلوبة.. زالت الهيبة وتحطمت مقدسات ونواميس ظلت ثابتة لسنوات.. وأصبح المجلس العسكري عرضة للهجوم والنقد بل والسب والقذف في أحيان كثيرة.. بل وامتد هذا التجاوز وللأسف الشديد لأبناء القوات المسلحة جميعا مما احدث هزة داخلهم كادت تعصف بعلاقتهم المقدسة مع الشعب وتوغر صدورهم وتثير ضيقهم ولولا حكمة المجلس العسكري السابق الكبيرة في السيطرة علي مشاعر الغضب المكتوم داخل أبناء القوات المسلحة لحدث ما لا يحمد عقباه. وماذا بعد وإذا كان حديثنا هنا عن ذكريات الماضي القريب عن تدخل القوات المسلحة في الشأن السياسي لابد منه لنخوض في الحاضر ونستشرف المستقبل القريب.. فمنذ تغيير قادة المجلس العسكري السابق خاصة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وتبعه تغيير عدد من اللواءات أعضاء المجلس العسكري.. ويبدو للجميع أن القيادة الجديدة للقوات المسلحة وعلي رأسها بالطبع الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام والفريق صبحي صدقي رئيس الأركان قد تفرغت تماما للمهمة الرئيسية للقوات المسلحة وركزت وبشدة علي المناورات والتدريبات العسكرية المكثفة والمركزة والمدروسة.. فهؤلاء القادة يختلفون عنا ففي حين ننظر جميعا الآن ونركز في الداخل وتطوراته.. إلا أن قادة قواتنا المسلحة عين علي الداخل وتطوراته.. والاخري علي الخارج وحدودنا وما يدور حولها وما يتهددها.. فكان هذا الكم غير المسبوق من التدريبات لكافة الجيوش والمناطق والوحدات العسكرية مع التركيز بالطبع علي القوات الجوية والدفاع الجوي.. وساعد في ذلك عودة الغالبية العظمي من قوات الجيش التي كانت تشارك في مهام حفظ الامن الداخلي لثكناتها العسكرية تفرغا للدور مهم للقوات المسلحة الذي ندعمه جميعا. لكن هل المطلوب أن تنعزل القوات المسلحة عن الشأن السياسي الملتهب كما قلت.. وتلبي دعوة البعض داخلها للانكماش علي نفسها وكفاهم تعرضا للتجاوز والاهانة والتطاول الفترة الماضية.. بالطبع هذا أمر غير مقبول علي الإطلاق.. ويبدو أن القيادة الحالية للقوات المسلحة تدرك تلك الحقيقة والمهمة المقدسة لصون وحماية حدود الوطن وحفظ الامن والسلم الداخلي .. ويخطئ تماما من يفهم أن تواجد القوات المسلحة علي الساحة السياسية حتي ولو بطلة بسيطة ومختصرة معناه انقضاضها علي الحكم والسيطرة علي مقاليد البلاد.. لكن تواجدها صمام أمان للجميع.. أولا للحاكم والسلطة الحاكمة لحماية شرعيتها التي اكتسبتها من الشعب واختياره لها في انتخابات حرة ونزيهة أشرفت عليها القوات المسلحة.. ولكن يتم هذا طالما التزمت السلطة الحاكمة بواجبها في حماية الشعب والسعي لتحقيق مصالحه وتحقيق الحق والعدل والمساواة بين جميع فصائله.. كما أن وجودها ومراقبتها للساحة السياسية صمام أمان للقوي الثورية والمعارضة.. فهي تضمن ولحد كبير عدم تغول أي سلطة بالبلاد علي حقوق المعارضة أو دهسها باسم الأغلبية.. وأخيرا فإن وجودها في منتصف الطريق وعلي مسافة واحدة من كل الأطياف السياسية بمصر يتيح لتلك القوي العمل بحرية لصالح البلاد وعدم الاحتكاك أو المواجهات بين الجميع. إدراك الحقيقة ويبدو الي حد بعيد أن القيادة العسكرية الحالية تدرك كل تلك الحقائق السابقة لحد بعيد.. وتعرف حدود دورها المهم والمحوري في الحفاظ علي تماسك البلاد وعدم انزلاقها للنفق المظلم ولا تسمح لاية ذكريات مؤلمة للماضي لديها أو لدي البعض خارجها ان تمنعها من هذا الدور. والمتابع للشأن العسكري وتحركات المجلس الأعلي للقوات المسلحة وتصريحاتها وبياناتها العسكرية يشعر براحة وطمأنينة أن قواتنا المسلحة لازالت عند العهد.. مستفيدة من تجارب الماضي القريب لسابقيهم.. تلك القيادة أدركت أن مهمتها الأساسية حماية حدود مصر البحرية والجوية والبرية فراحت تكثف من تدريبات رجالها في جميع الأفرع والوحدات للوصول الي المستوي القتالي الذي يجعل قواتنا جاهزة لأية احتمالات وفي أي وقت. ثم إنها علي الجانب الآخر تدين بالولاء للشعب مالك تلك القوات طبقا لكل دساتير مصر.. فراح قادتها يعلنون ليل نهار وفي كل تصريح وخلال كل فعالية عسكرية أن انحيازهم وولاءهم الكامل للشعب فقط دون الانحياز لفصيل أو آخر.. وكانت قمة الذكاء وبث الطمأنينة في نفوس أبناء هذا الوطن كافة البيان المهم الذي أصدرته القوات المسلحة علي لسان متحدثها الرسمي والذي حمل رسالة تحذير للجميع بأنه لن يسمح بجر البلاد وإدخالها الي النفق المظلم معربا عن قلقه من أي دعوة أو محاولات للانقسام بين أبناء مصر مشددا علي وقوفه وبقوة خلف وحدة الوطن والحافظ علي سلامته. والي هنا كانت علاقة الجيش بالسياسة متمثلة في البيانات والتصريحات.. الا أن جاءت دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي أمس الأول للقاء الوطني الموسع الذي كان من المفترض عقده مساء أمس لكافة الأطياف السياسية بمصر.. وقد أبدي البعض تخوفه من أن تكون تلك الدعوة بداية تدخل أكبر من القوات المسلحة في الشأن السياسي.. وبحث عن دور وسط وضع سياسي ملتهب ومتورم ولم يدرك الغالبية العظمي من هؤلاء المتخوفين أن الدعوة من المفترض أن تزيدهم طمأنينة وليس قلقا.. فمن يبحث عن دور يسعي لنشر الفرقة وتأجيج الخلافات سعيا لموضع قدم له في بيئة رخوة من الخلاف والمواجهة السياسية.. والدعوة كذلك تأتي سعيا لتحقيق التوافق والتلاحم بين أبناء الشعب بعد إدراك المجلس العسكري لخطورة الانقسام الذي تطفو ملامحه حاليا علي سطح الساحة السياسية الكاتمة.. الا أن تلك الدعوة صاحبها توترات ادت لتأجيلها بجانب وتضارب تصريحات يثير علامات استفهام ليس حول الهدف من الدعوة بقدر تقبل القوي السياسية والسلطوية للدور السياسي ولو بسيط للمجلس العسكري والذكريات التي لازالت مؤلمة للمجلس العسكري.. فما أن تم الإعلان عن الدعوة وأنها للحوار بين القوي السياسية المختلفة حتي بدأت ردود الأفعال والتراجع والتضارب في التصريحات.. فبعد لحظات قليلة من الإعلان عن الدعوة بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط خبرا ينفي توجيه الدعوة.. ثم اعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن الرئاسة ليس لديها علم بالاجتماع والدعوة.. واختتمت التصريحات المتضاربة باعلان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة أن اللقاء للم العائلة المصرية وبحضور رئيس الجمهورية وحرص اللواء محمد العصار الذي يعد المنسق السياسي للمجلس العسكري سواء الحالي أو السابق علي الظهور في عدة فضائيات للتشديد علي أن اللقاء لا علاقة له بالسياسة وأنه لن يشهد أي حوار سياسي ولاندري سبب تصريح اللواء العصار هل بسبب الخوف من ذكريات الماضي القريب لدي القوي السياسية أو لدي المجلس العسكري ثم انتهي الأمر بتأجيل الاجتماع. في النهاية أجد أنه من الواجب هنا أن نوجه نصحا للقيادة العسكرية الحالية ربما لا تكون في حاجة اليه.. أن تدرك أن احتكاكها بالسياسة يجب أن يكون في حدود ضيقة للغاية وبما لا يتجاوز هدفها في حماية مصالح البلاد.. والا تسمح لشهوة العمل السياسي أن يجذبها ولو لمسافة قصيرة عن مهمتها التي بدأتها بنجاح في اعادة كفاءة رجالها وضباطها لاعلي درجة تحسبا لأي عدو غدار يتربص بنا وان تسعي لمد جسور الود بعيدا عن السياسة مع القوي الثورية وكسب ثقتها وبث الطمأنينة داخلها تجاه القوات المسلحة ومجلسها الأعلي.