د. الهلباوى أثناء حديثه مع »الأخبار« أسعي لإنشاء جمعية دعوية تُحارب ظاهرة التطرف الديني أنا حزين أن تلجأ مصر في عهد مرسي إلي القروض الخارجية
د. كمال الهلباوي ليس هناك أقدر من المتحدث الرسمي السابق للإخوان في الغرب علي توضيح اللحظة الآنية وما تموج به مصر من تغيرات في سياساتها الداخلية والخارجية علي السواء، فقد أوضح د.كمال الهلباوي أسباب سعيه الحثيث لإنشاء جمعية دعوية جديدة تتفق في أغلب مبادئها وأهدافها مع جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنهما ببساطة تأخذان من معين واحد هو الإمام الشهيد حسن البنا..كما أكد انه إذا لم يستطع الإسلاميون قيادة البلد في هذه الظروف الصعبة بحيث يلتف الناس حول المشروع الإسلامي فلا أمل في مصر.. وأضاف د. الهلباوي أن المشاكل الخمس التي وعد الرئيس بحلها في المائة يوم الأولي تحتاج إلي تكاتف شعبي وتحميل بعض المسئولية لبقية القوي السياسية ؛ كما أكد أنه ليس من حق أحد أن يقول إنه لا يوجد مشروع للنهضة لدي الإخوان، لأن مشروع الإخوان الأساسي هو النهضة؛ ورفض د. الهلباوي تماماً فكرة الاقتراض من الخارج لحل المشاكل الداخلية، لأن مصر الحضارة يجب ألاّ تمد يدها إلي أحد؛ بل لابد أن تكون لها اليد العليا التي قال عنها الرسول صلي الله عليه وسلم إنها خير من اليد السفلي؛ وأن الحل يجب أن يعتمد علي الإنتاج لا الاستهلاك، وعلي التقدم بدل التخلف، حتي نسهم في النظام العالمي الجديد.. موضوعات كثيرة تناقشها الأخبار مع واحد من أهم القيادات السابقة للإخوان المسلمين؛ فإلي نص الحوار: بداية.. لماذا تسعي لإنشاء "جمعية" وأنت واحد من كبار قادة الإخوان المسلمين وهل ستكون مرتبطة بالاسم بجماعة الإخوان؟ نحن بصدد إنشاء جماعة دعوية؛ لأن الساحة تستوعب أكثر من جماعة تدعو إلي الإسلام الوسطي؛ والإخوان خلال هذه السنين الطويلة منذ النشأة حتي الآن يقرب عدد الأعضاء الذين انضموا إليها من المليون، فالجمعية تسعي أولاً إلي العمل الدعوي، ثانياً لأنني لاحظت أن في مصر الاَن ميولا جديدة نحو التطرف والتشدد والغلو في فهم وشرح الدين، فلابد ممن يُساعد في هذا، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر؛ وأيضاً لاحظت أن هناك سلوكاً معوجًّا في المجتمع، لذلك كان لابد للجمعية أن يكون لها دور فاعل في المجتمع وتحسين الأداء فيه. وهل سيقتصر أعضاء هذه الجمعية الدعوية علي أعضاء الإخوان السابقين أم ستتسع لتضم فئات أخري؟ بالطبع هي ستتسع لكل من يريد أن ينضم إليها؛ كما أن هناك بعض الإخوة أو الأخوات الذين تركوا الإخوان لأي سبب من الأسباب وقد يريدون أن ينضموا إلينا، إنما الأمر في النهاية متروك لكل الناس وليست قصرًا علي مجموعة دون أخري. وكيف ستكون علاقة هذه الجمعية بالعمل السياسي؟ .. الجمعية ستعمل بداية في العمل الدعوي وعندما يشتد عودها ويكثر أعضاؤها وينال أهلها سمعة طيبة ويثقف فيها الناس، في هذا الوقت إذا أراد بعض الأعضاء أن يعملوا بالسياسة فلا مانع، إلي جانب العمل الدعوي. لا اختلاف وما المختلف الذي ستقدمه الجمعية إذا كانت متشابهة في عملها مع جماعة الإخوان المسلمين؟ ويرد د.الهلباوي بحدة متسائلا: ولقد ذكرت لك أن المجال متسع للعديد من الجمعيات، وربما نصل إلي ما لم يصل إليه الإخوان. فالإخوان في طريقهم، ونحن ننشيء طريقاً جديداً والمجال مفتوح جداً لكل من أراد أن يمارس العمل الخيري وأهمها العمل الدعوي. هل تعتقد أن المشروع الإخواني هو الأقدر علي قيادة السفينة الآن رغم الأنواء والعواصف التي تموج بها مصر والمنطقة؟ إذا لم يستطع الإسلاميون قيادة البلد في هذه الظروف الصعبة بحيث يلتف الناس حول المشٍروع الإسلامي ويثقون به فلا أمل في مصر، ولقد جربنا عقوداً طويلة حكم غير الإسلاميين فماذا كانت النتيجة سوي الفساد والظلم والديكتاتورية والبطالة والأخلاق السيئة والعنوسة، وكان البديل لكل هذا الفساد هو مجيء الإسلاميين، أما إذا فشلوا-لا قدر الله - فعلي مصر السلام. وعود انتخابية تحدث الكثيرون عن أن الرئيس أخلف ما وعد بتحقيقه خلال المائة يوم الأولي من حكمه.. كيف تري ذلك؟ المائة يوم هذه كانت وعوداً انتخابية، وقد تعجبت من الدكتور مرسي، لأنه رجل متعلم ورجل عالم حيث نال من التعليم أرقي درجاته في مجال تخصصه أن يعد بمثل هذه الوعود في بلد المفروض أنه يعرف عمق المشاكل فيه، خاصة المشاكل الخمس التي تحدّث عنها مثل الطاقة والعيش والمرور والأمن والنظافة؛ لأنه يعيش في هذا البلد ويعرف حجم مشاكله جيداً؛ ولكن هذه الوعود في ظني كانت وعوداً انتخابية تتم كثيراً علي الساحة الديمقراطية؛ ولذلك أعتقد أن الرئيس مرسي لو حصل علي مائة يوم أخري، ومائة أخري وراءها فلن يستطيع أن يحل هذه المشاكل الخمس لأنها تحتاج إلي تكاتف شعبي وتحمل بعض المسئولية لبقية القوي السياسية والتخلص من البيروقراطية الموجودة في مصر، فنحن بحاجة إلي برامج تدرس المشاكل من جميع نواحيها وتجد لها حلولاً عملية دون وعود انتخابية. وأيضاً.. ما مدي صدق الإخوان في تنفيذ ما يُسمي بمشروع النهضة، خاصة أننا سمعنا تراجعات كثيرة عنه؟ أنا متأكد أن هناك مشروع نهضة للإخوان، وطوال ثلاثين عاماً عملت في مشاريع نهضوية وسعيت إلي تحسينها وتطويرها؛ لذلك تعجبت عندما كتبت الصحف علي لسان خيرت الشاطر أنه ليس هناك مشروع للنهضة.. لأن مشروع الإخوان الأساسي هو مشروع للنهضة.. وإذا لم يكن عند الإخوان مشروع للنهضة وللتنمية فالوطن ليس بحاجة إليهم. ضد الاقتراض الإدارة الحالية للاقتراض من طوب الأرض لمواجهة العجز الداخلي.. لماذا لا يُسهم رجال الأعمال من التنظيم العالمي للإخوان في دعم الاقتصاد المصري في هذه المرحلة.. ولو لإنجاح التجربة الإخوانية؟ يرد د. الهلباوي متسائلاً : ومن أدراك أنهم لا يُساعدون حتي تفترض هذا الأمر. وزير المالية المصري الذي صرح بذلك أكثر من مرة..بل ورئيس الوزراء نفسه؟ ذلك لأن المشاكل التي تركها مبارك لن تنتهي في سنة أو سنتين؛ خاصة تجريفه لأكثر من خمسة تريليونات دولار- كما قالت كاترين أشتون- طوال هذه السنوات هو وعصابته.. كل هذا يحتاج إلي استثمارات طويلة وإعادة الثقة؛ وأنا ضد القروض لأسباب عديدة؛ ليس فقط لأن القروض حلال أو حرام كما اختلف العلماء.. بل لأن الرسول صلي الله عليه وسلم علّمنا أن اليد العليا خير من اليد السفلي؛ فعندما أمدّ يدي إلي صندوق النقد أو الصين تصبح أيديهما أعلي ويدي أسفل؛ ولقد أسفت كثيراً لأن مصر الحضارة والتاريخ والدول العربية التي تعيش علي بحيرات من النفط، تُلجئ مصر إلي مدّ يدها إلي الصين أو غيرها.. فالنهضة لا تتم بالقروض ولا المساعدات الخارجية؛ إنما النهضة تقوم علي الإنتاج بدل الاستهلاك، تقوم علي التقدم بدل التخلف، وتقوم علي الإسهام في النظام العالمي ومستقبل العالم لا أن تكون متلقية فقط؛ فالنهضة لها أركان وأسس في جميع المجالات، وأنا حزين أن تلجأ مصر إلي الاقتراض سواء في عهد مرسي أو غيره وأن تكون يدها ليست العليا. يوجد عدد كبير من التحالفات علي الساحة السياسية الآن.. هل تعتقد أنها قادرة علي مواجهة الإخوان في الانتخابات المقبلة؟ من أجل أن تنمو الحياة السياسية وتنجح لابد أن يكون هناك متنافسون والغالب يكون هناك حزبان أو ثلاثة؛ فلابد من تحالفات قوية لإثراء الحياة الديمقراطية في مصر؛ وبغير ذلك لن تكون هناك حياة ديمقراطية؛ والتحالفات التي تحدث بين الليبراليين الآن إن كانت فقط لمواجهة الإخوان أعتقد أنهم سيخسرون؛ أما إن كانت هذه التحالفات من أجل تقدم مصر ونجاح التجربة الديمقراطية فسينجحون. بدائل هشة لكن هناك أحاديث كثيرة عن محاولات الإخوان للسيطرة علي مفاصل الدولة والقضاء علي أي بديل يصلح أن يحل مكانهم.. ما تعليقك؟ هذا هو التنافس الموجود في التجربة الديمقراطية؛ أما عن السيطرة فأين هو الحاكم الذي لا يريد أن يسيطر؛ وهذا من طبيعة الإنسان، وطبيعة التنافس الديمقراطي؛ وهناك ديمقراطيات مستقرة ومع هذا يسعون إلي السيطرة والبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، وعندنا أمثلة في كل دول العالم تاتشر وتوني بلير في بريطانيا، وبوش في أمريكا فكل الأنظمة في العالم لا تذهب إلا بفضائح أو هزائم ساحقة من الطرف الآخر، وكون الإخوان يسعون إلي القضاء علي أي بديل فهذا معناه أن هذه البدائل هشة وضعيفة؛ والبديل إذا لم يكن قويًّا فلا يكون بديلاً حقيقيًّا..ثم لماذا يسمح البديل للإخوان بالقضاء عليه - إن جاز هذا- وهل لدي هذه التحالفات من الأمانة والصدق والوطنية والتاريخ والالتصاق بالناس وحل مشاكلهم والثقة بينهم وبين الشعب، ما يجعل الشعب يثق فيهم.. هذه هي الأسئلة المهمة؛ والمعارضة إذا أرادت أن تصل للحكم فعليها أن تصل للناس وتملأ الفراغات وتسعي لحل المشكلات القائمة حتي تكون هناك ثقة بينها وبين الناس؛ وأنا لم أر واحداً من المعارضة سعي بين الناس في القري إلاّ حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح أحياناً فأين رموز المعارضة وأين علاقتهم بالناس وأين هي المشروعات التي يقدمونها لخدمة الشعب بكل فئاته، خاصة أن مصر بحاجة إلي عمل ضخم. ما مدي قوة التنظيم الدولي للإخوان في الغرب ولماذا لم نسمع له صوتاً في الإساءات الأخيرة لخاتم الأنبياء صلي الله عليه وسلم؟ هم أولي بالسؤال مني؛ وأنا أري أن التنظيم العالمي مشروع عظيم جدًّا، لأنه من مشاريع توحيد الأمة الإسلامية والتفاهم فيما بينها وربط الجسور بين العرب والعجم؛ لكن الأداء لم يكن علي ما يُرام نتيجة التوقيف والضغوط الأمنية والسجون والمنع من السفر وصعوبة التنقل وغيرها.. أما الآن فقد انتهت هذه المشكلات لأن الإخوان هم الذين يحكمون؛ فلابد أن ينشط التنظيم العالمي ويقوم بعمله في البلاد التي هو فيها. هل تعتقد إذن أن الرئيس منفصل تماماً عن الجماعة وليس هناك تشاور بينهما؟ من الممكن أن يكون هناك بعض التشاور؛ إنما أداء مرسي بعضه لا يُعجب الإخوان، ومرسي يتصرف بمقتضيات لا يراها الإخوان؛ لأن دائرة رؤيته وهو رئيس أوسع من رؤية الإخوان؛ ولا أظن أن لديه وقت فراغ ليتصل كل ساعة ليأخذ إذناً من أحد؛ ولكن هناك صلة وتشاور ومجموعة من الإخوان يعملون معه.. ورغم هذا فالبلد له سياسته التي هي أوسع من رؤية الإخوان السياسية. وكيف تري مستقبل العلاقة بين الإخوان والولاياتالمتحدة خلال الفترة القادمة؟ إذا ظل موقف الإخوان من الولايات أو إسرائيل علي ما هو عليه منذ المعارضة فلن ترضي عنهم أمريكا ولا إسرائيل؛ إنما إذا كان موقفهم هو موقف معظم الحكام العرب كالسعودية وقطر فستسير الأمور في طريق آخر.