في مناسبة ذكري الزعيم الخالد فعلا جمال عبدالناصر يكثر الكلام عنه وعن أعماله.. ولا بأس من أن يتحدث البعض عن وفاته. نحن المصريين نحب الموتي دائما.. نعشقهم ونقدسهم وإن لم نصنع لهم اهرامات في صحراء الجيزة صنعنا لهم اهرامات في خيالنا أعلي وأعظم. وعندما نتحدث عنهم ننقسم الي فريقين.. فريق يضعهم في مرتبة الالهة والقديسين الذين لا يأتيهم الباطل من امامهم او خلفهم.. وفريق اخر يحولهم الي شياطين مجرمين يستحقون لو عادوا الي الحياة ان نرجمهم. والحقيقة انني احب عبدالناصر.. لانني في عصره ولدت.. وكان هو ابونا جميعا.. وعلي اسم ابنه سميت وبقراراته الثورية تعلمت.. وامام مواكبه كنت أجري وأصفق.. وكنت اراه رجلا عظيما جدا لا اقبل ان يتحدث عنه احد بسوء كأنه أبي.. واكثر من ذلك. ولكنني بعد ان تجاوزت الخمسين وعرفت اكثر وقرأت اكثر.. ولفيت العالم.. وقابلت زعماء.. واناسا من كل الطبقات.. أيقنت انه ليس هناك ملاك يعيش علي الارض.. وانه ليس هناك من يستطيع ان يدعي انه بلا أخطاء أو خطايا. وايقنت ايضا انه ليس هناك شيطان كامل.. فبداخل كل منا الملاك والشيطان.. وبداخل كل منا الرجل الذي يتمناه كل واحد فينا.. والرجل الذي لا يحب ان يكونه أي واحد فينا. لذلك فإنني اسمع في كل ذكري لوفاة عبدالناصر نفس الكلام.. .وقد بلغت 04 ذكري.. يعني عمرا كاملا.. يعني اكثر من ثلثي المصريين ولدوا بعد وفاته.. يعني كل شباب مصر لا يعرفه ولم يشاهده أو حتي يسمع صوته. ومع ذلك فان نفس الناس الذين عاصروه وشاركوه احيانا يجدون كلاما يقولونه في هذه المناسبة.. وكأن الله قد اطال في اعمارهم كي يحدثونا عنه وكأنهم حملة مفاتيح اسراره والاوصياء علي ذكرياته.. والحافظون لذكراه. وهم يتحدثون عنه بالابيض الناصع أو بالاسود القاتم.. ولم اقرأ او أسمع من يتحدث عن عبدالناصر علي انه رجل وطني احب الوطن وقاد حركة أو ثورة وأحبه الناس.. وفي الوقت نفسه علي انه زعيم وضع اساس دولة امنية تخشي ألسنة معارضيها. الذي أريد ان اقوله بوضوح.. وأنا لست في مرتبة من يملك حق تقييم الزعيم جمال عبدالناصر.. هو اننا يجب ان نرحم شبابنا.. الاجيال الجديدة التي يجب ان تنظر الي حاضرها وتتطلع الي مستقبلها.. لا يهم ان كيلو اللحمة كان بثلاثين قرشا.. فقد كان هذا السعر غاليا جدا لمعظم الناس.. أو أنه كانت هناك لافتة شقة للايجار علي كل عمارة.. فالناس لم تكن تملك عشرة جنيهات لتستأجر شقة.. كل هذا ماضي.. واحنا مالنا وماله. كل الزعماء- بخلاف الانبياء - اخلصوا في عملهم.. اصابوا واخطأوا.. وليس من الطبيعي ان نراهم من منظور الخطأ فقط فيكونون شياطين.. أو نراهم من منظور الصواب فقط فيصبحون ملائكة. واقول لشبابنا.. اقرأوا الماضي.. ادرسوه.. ولكن لا تغرقوا فيه.. اهتموا بحاضركم فهو يحتاج إليكم.. واهتموا اكثر بمستقبلكم فهو يحتاج إليكم أكثر.