جلال عارف الحبس الاحتياطي للصحفيين كان مسموحا به في حالة واحدة فقط وهي الاتهام بإهانة رئيس الجمهورية. وهي حالة لم نواجهها منذ قيام النظام الجمهوري في مصر إلا هذه الأيام!! ونحمد الله ان الأمر أدي إلي القرار بقانون الذي أصدره رئيس الجمهورية بإلغاء هذه الحالة وإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل عام 5991 وطي صفحة الحبس الاحتياطي للصحفيين بصورة كاملة. الآن علينا أن نواجه القضايا الأساسية منطلقين من الحقيقة الكبري التي لا يجوز الالتفاف عليها، وهي أنه بعد ثورة يناير لن تقبل مصر إلا بإعلام حر وصحافة مستقلة. وهنا أتوقف أمام تصريحات مشجعة لنائب الرئيس المستشار محمود مكي يتحدث فيها عن ثورة تشريعية لصالح الحريات، وعن التوجه نحو سرعة اصدار القوانين بالاكتفاء بالغرامة والتعويض كعقوبة في جرائم النشر بدلا من الحبس وتقييد الحريات.. هذا مطلب أساسي ناضل الصحفيون من أجله لسنوات طويلة ومعهم كل القوي الوطنية الشريفة، وقد حققنا خطوة مهمة في التعديلات التشريعية التي صدرت عام 6002، ولكن شبح الحبس ظل باقيا في العديد من الحالات ليمثل »عارا قانونيا« لا يليق أن يبقي لحظة واحدة في مصر، بينما اختفي من كل دول العالم الديموقراطية. لكن الترحيب بما جاء في تصريحات نائب الرئيس، لا يخفي القلق مما يحدث للصحافة والصحفيين، ولا التضارب في تعامل سلطة الحكم مع قضايا حرية الرأي، ولا العودة لحديث مصادرة الصحف وإغلاق الفضائيات، ولا ترويع الصحفيين والإعلاميين بالعدوان عليهم أو مطاردتهم أمام النيابة والمحاكم. والأخطر ان تصريحات نائب الرئيس تجد ما يتناقض معها تماما في هذا التوجه شديد العداء لحرية الرأي وهذا التربص بالصحافة، الذي نشهده في الجمعية التأسيسية للدستور، حيث يتم التلاعب بالمقترحات التي قدمناها من المجلس الأعلي للصحافة والتي قدمتها نقابة الصحفيين، وهو ما دعا المتحدث الرسمي باسم الجمعية الزميل الدكتور وحيد عبدالمجيد إلي التحذير من مخاطر هذا التوجه ونتائجه الكارثية. فهل من المعقول أن نري في دستور مصر بعد الثورة نصا يبيح الحبس في قضايا النشر؟! وهل من المعقول أن نلغي في عام 6002 أي صورة من صور تعطيل الصحف أو مصادرتها، فنجد الآن في الجمعية التأسيسية من يفتح الباب لعودة المصادرة؟ وهل يمكن قبول التلاعب بمصير الصحف القومية، حيث يتم اسقاط النص علي استقلالها عن سلطات الدولة وأجهزتها والأحزاب السياسية.. ليبقي الباب مفتوحا للهيمنة عليها وتسخيرها لخدمة الحكم لا الشعب؟ لست أشك مطلقا في النوايا الطيبة لنائب الرئيس، ولكن الحديث عن »ثورة للحريات« يستدعي أولا أن ينتهي هذا الموقف المعادي للحرية والمتربص بالصحافة داخل الجمعية التأسيسية، وإلا فسنكون جميعا أمام »أزمة الحريات« ونتائجها الكارثية!!