جمال الغيطانى التدرج أحد المبادئ الأساسية التي تحكم العمارة المصرية، وهذا نابع من رؤية وتأمل للطبيعة وقوانين الحياة والموت، ربما كان أهمها متابعة فيضان النيل، كانت الحياة في مصر تدور حول هذا الفيضان الذي نسيت مصر وأهلها حدوثه وأهميته منذ اكتمال السد العالي الذي جنب البلاد مخاطره من شح وغمر، منذ الأزل، كان مقياس النيل عنصرا أساسيا في حياة المصريين، يترقبون المياه خاصة اعتبارا من يوليو وترصد أول زيادة في النيل بما يعرف بنزول النقطة، أي وصول أول نقطة مياه من الفيضان، تأتي من الحبشة وتقطع المسافة في أحد عشر يوما، الأسطورة تقول إنها دمعة ايزيس رمز الأمومة الذي اهدته مصر إلي العالم، ايزيس تبكي حزنا علي زوجها اوزير الذي قتله شقيقه ست إله الشر، واسم ست هو أصل كلمة الشيطان في اللغة اللاتينية، دمعة ايزيس أول قطرة ماء في الفيضان »بالمناسبة لم تظهر بوادر الفيضان حتي الآن ونحن ندخل إلي أغسطس وهذا مخيف«، نقطة فنقطة، لحظة بعد لحظة، تتزايد مياه النيل إلي أن يسجل المقياس ستة عشر ذراعا وشرطتين، هذا يعني اكتمال الفيضان، أو وفاء النيل كما كان يعرف حتي نسيان المصريين للفيضان، ونلاحظ أن تعبير وفاء النيل فيه بُعد إنساني، فمن يفي غير الإنسان؟ ربما هذا تأثير العقيدة في العصور القديمة، كان النيل يرمز إليه بحابي، وصورته موجودة في المعابد المصرية، انه إنسان له جسد ذكر وصدر أنثي، رمز إلي مصدر الحياة. وكان يرسم دائما في أول جدران المعابد من اسفل كما نري في معبد ابيدوس، وبعده تتوالي الرموز الأخري، من تدرج الفيضان، من مسار الحياة، الإنسان لا يولد مكتملا، انما يتدرج، الشروق لا يجيء إلا عبر مراحل، كذا الغروب، يسعي الإنسان ثم ينحني شيئا فشيئا، هذه الرؤية العميقة النافذة، جعلت المصريين يعبرون عنها في الفنون واولها العمارة التي جعلوها اداءهم لقهر النسيان، وتجاوز العدم إلي الخلود. هذا التدرج يتجسد في المعبد، والكنيسة والمسجد، أعني العمارة المصرية الصميمة غير المتأثرة بالأجنبي الوافد، أو القاهر المستعمر.