محمود الوردانى مالم تصدر المحكمة حكما بوقف تنفيذ قرار مجلس شوري الاخوان بشأن تعيينات رؤساء تحرير الصحف القومية فإننا مقبلون علي كارثة حقيقية، ومعناه أيضا عودة غطرسة الاخوان أو جزب الحرية والعدالة، عودة التكويش والاستحواذ والطمع والشراعة للحصول علي كل شيئ. أبادر الي القول أولا انني لاأدافع عن رؤساء التحرير الحاليين او السابقين، أي انني لاأدافع عن النظام السابق الذي حوَل كل اجهزة الاعلام من اذاعة وتليفزيون وصحافة، وعلي مدي ثلاثين عاما من تولي أصناف مثل صفوت الشريف او أنس الفقي مسئولية الصحافة والاعلام، تحولت هذه الادوات الي شيئ مخجل وماكينات ضخمة للأكاذيب. ليس سرا أن أحد رؤساء التحرير كان عدد من يكتبون مقالاته أكثر من عدد قرائه ( وهي ليست نكتة بالمناسبة ) وليس سرا أن الإفسادالذي طا ل الصحافة والاعلام كاد يجهز عليهما ماديا ومهنيا بل ان الجوقة التي كانت مكلفة بتجهيز المسرح لتوريث إبن المخلوع تشكلت أغلبيتها من الصحفيين والاعلاميين. كل هذا صحيح.. وصحيح ايضا ان حزمة التشريعات واللوائح والقوانين التي تنظم عمل الصحافة والاعلام سبق لها أن أوصلتنا الي الحال الذي نحن عليه الآن، وتغيير هذا الوضع المخجل ليس بوراثته وتحويل البوصلة من الدعاية والتسويق للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، الي حزب الحرية والعدالة أو مجلس شوري الاخوان. تغيير هذا الوصع يجب ان يتم بأفق أن يتحول التليفزيون والاذاعة والصحافة الي مؤسسات قومية لكل أطياف المجتمع وقواه السياسية، وليس بالانقضاض علي هذه المؤسسات والتكويش عليها. التغيير ضرورة إذن حتي لايصدع السادة في مجلس الشوري أونقيب الصحفيين رؤوسنا بالثرثرة حول التغيير، لكنهم في الحقيقة لايريدون التغيير انما وراثة العزبة والتهام كل مايجدونه في طريقهم، دون ان يتعلموا مطلقا من الدرس القريب، حين فقدوا بسبب شراهتهم وغرورهم اكثر من نصف الكتلة التصويتية التي انحازت لهم في انتخابات البرلمان. وإذا كان مجلس الشوري - طبقا للقانون - هو مالك الصحف القومية، فإن من حقه ان يقوم بتعيين رؤساء تحرير الصحف التي يملكها، لكن هذا الوضع بالغ البؤس وسبق له ان أوصلنا الي ماوصلنا إليه، فما الحل ؟ وبدلا من ان يقوم مجلس الشوري بتغيير حزمة القوانين والتشريعات واللوائح التي تسببت في افساد الصحافة وتدهورها، من أجل بناء صحافة قومية محترمة تنتصر للمواطنين، وفق ميثاق شرف محدد وواضح، بدلا من هذا يسعي للانقضاض علي الصحافة القومية والتهامها، وذلك من خلال تقسيم الجماعة الصحفية، حيث تم الاعلان عن معايير لشغل المنصب في المؤسسات المختلفة، وهي معايير لاتفتقر لأي أمور مهنية فقط بل وتتسم بالبلاهة أيضا، وبموجب هذه المعايير يتقدم الصحفيون بأوراقهم وملفاتهم الي مجلس الشوري، الذي يقو م وحده وعلي مزاجه باختيار رؤساء التحرير في المؤسسات القومية. ولانحتاج لذكاء حاد حتي نكون متيقنين ان اللجنة المكلفة بالاختيار في مجلس الشوري سوف تختار صحفيين موالين لها، وهو إفساد مابعده إفساد، ووراثة مباشرة لعزبة صفوت الشريف. أليس هذا بالتحديد ماكان يفعله مجاس الشوري طوال العقود التي حكمنا فيها المخلوع ؟ ألم يختر مجلس الشوري السابق صحفيا لرئاسة تحرير احدي الصحف القومية، ووصف هذا الصحفي الشهيد خالد سعيد بأنه شهيد البانجو قبل الثورة ؟ الحقيقة الماثلة امام جموع الصحفيين ان مجلس الشوري ينوي مواصلة الإفساد، الا ان نتيجته ستصب في طاحونة الاخوان أو حزب الحرية والعدالة، خصوصا ان هناك اربعة مؤتمرات حاشدة نظمتها نقابة الصحفيين خلال السنوات الاخيرة، وصدر عنها توصيات ومشروعات قوانين واقتراحات محددة بميثاق شرف صحفي، وكلها موجودة بنقابة الصحفيين، وكان النظام البائد قد أعرض عنها، فلماذا لم يتم الاستعانة بها في وضع معايير جديدة لبناء صحافة قومية بحق ؟ النية مبيتة اذن، وهي نية سوداء في حقيقة الامر لاختطاف الصحافة القومية وإدخالها بيت طاعة مجلس شوري الاخوان، وإلا فمن يعارض يعتبر ضد التغيير.. هل هناك تنطع أكثر من هذا ؟ ولم يكتف مجلس الشوري بضربة المعلم هذه، أي اختطاف الصحف القومية لتحويلها لأبواق وماكينات أكاذيب ضخمة تلهج وتسبح بحمد الاخوان او حزب الحرية والعدالة، بل أضاف الي هذا المزيد من انقسام الجماعة الصحفية وتناحرها، وتكالب النفوس الضعيفة منها علي افتراس الإرث، لنعيد مسلسل الإفساد مرة أخري. سيخسر مجلس شوري الاخوان هذه المعركة حتي لو جاء برؤساء تحرير موالين له لأن المسرحية مكررة ومعادة، لعبها النظام القديم وسقط مع هذا، كما ان رؤساء التحرير الذين سيأتون سيحملون عار دخولهم مكاتبهم علي أسنة رماح الاخوان. وفي النهاية، فات أوان توجيه النصح لمجلس الشوري المنفلت، وعلينا أن نتوقع صحافة قومية سوداء بلون التكويش والاستحواذ والتلمظ علي الاخضر واليابس.