ليس هناك ما يقال في مواجهة أخطار السحابة السوداء التي بدأت تهل بشائرها علينا مع قدوم فصل الخريف الذي يتيح لها ممارسة نشاطها سوي ان الله يكون في عون وزارة البيئة التي تقوم بجهود جبارة لمحاصرة هذه الظاهرة. ان أي استعراض للتاريخ الأسود لهذه الظاهرة التي تقلق حياة وصحة المواطنين المصريين في كل أنحاء مصر خاصة في القاهرة يؤكد لنا ان الحلقة المفقودة في استمرارها رغم جهود المقاومة انما تعود بشكل أساسي إلي غياب الوعي. ان قطاعا كبيرا ممن يتسببون فيها بالجهل وعدم الايمان بمتطلبات المواطنة التي تلزمهم بمراعاة الحفاظ علي مصالح غيرهم من المواطنين يفتقد هذا الوعي وهو ما يجعل هناك صعوبة كبيرة في وقف مهزلة هذه السحابة السوداء. ان هؤلاء المواطنين الذين يحرقون القش يمارسون لعبة »القط والفار« في التهرب من إجراءات مقاومة هذه الظاهرة. ان كثيرا منهم لا يستجيبون لإجراءات الخلاص من قش الارز بالطرق الصحية السليمة التي تحقق في نفس الوقت فائدة اقتصادية لهم وللبلد. هذا السلوك الذي يعكس نقص الوعي البيئي الذي يحقق مصلحة الوطن يجعلهم يتهربون من تسليم ما لديهم من هذا القش إلي مراكز التجميع للقيام بكبسه تمهيدا لاستخدامه في صناعة السماد العضوي وتوليد الطاقة مستسهلين بدافع من الجهل وفهلوة محاورة الدولة وخداعها للجوء إلي حرقها. وهنا لابد من الاشارة إلي انهم ما كانوا يستطيعون الاقدام علي ذلك لولا القصور الذي تتسم به ممارسة الاجهزة المنوط بها الرقابة والمتابعة في المحافظات المصدرة للسحابة السوداء لمسئولياتها في ضبط عمليات حرق القش وتطبيق القانون بحسم علي القائمين عليها. ان مراقبة هذه الأعمال والابلاغ عنها تدخل أيضا ضمن مسئوليات الاحزاب السياسية والقطاع الأهلي الاجتماعي الذي يجب ان يكون له دور في تفعيل قوانين البيئة بما يضمن الحفاظ علي مصالح وصحة كل المواطنين. في هذا الإطار فإنه لا يمكن ان نحمّل وزارة البيئة بأجهزتها المحدودة متطلبات هذه المسئولية التي يجب ان يشارك في تحملها كل اجهزة الدولة المعنية وأفراد المجتمع علي أساس من الوعي الكامل بالمنافع والاضرار. تجسيدا لهذه الأوضاع وما سوف يترتب عليها من معاناة للملايين من أبناء مصر تلقيت تقريرا واقعيا من وزارة البيئة التي يقودها المهندس ماجد جورج متضمنا الجهود التي تبذلها هذه الوزارة واجهزتها من أجل محاصرة شبح السحابة السوداء. يتضمن التقرير عرضا وافيا عن الخطوات التي تم اتخاذها وفقا لما هو متاح علميا وتكنولوجيا وسلوكيا لاجهاض هذا الخطر الذي ينغص علي الناس حياتهم في أجمل فصول العام. تحدث عن تاريخ هذه المشكلة التي بدأت فصولها عام 9991 والتي من المؤكد انها جاءت مرافقة للتغيرات المناخية والتي كان لها تأثيرها السلبي علي اتجاهات الهواء والرياح التي تتحرك أو لا تتحرك في ظلها هذه السحابة السوداء. ويمثل حرق المخلفات الزراعية خاصة قش الأرز المصدر الأساسي للتلوث الذي يسود الجو بنسبة 24٪. يساعد علي تفشي الشعور بتداعيات السحابة السوداء والمتمثلة في تلوث الهواء وارتفاع معدلات الاحتباس الحراري الذي أصبح مشكلة بل كارثة تؤرق العالم كله. ويقدر حجم القش الناتج عن زراعة محصول الارز في السنوات الأخيرة ب4 ملايين طن. وتحاول البيئة بالتعاون مع القوات المسلحة انهاء ظاهرة الحرق بتقديم الحوافز المالية ونشر مئات المراكز المجهزة بمعدات الكبس في كل المحافظات التي يتجمع بها قش الارز بالاضافة إلي مصانع لتدوير القش المكبوس لصناعة السماد وتوليد الطاقة. رغم كل هذه الجهود الجبارة فانه يمكن القول ان لا حل لانهاء هذه الظاهرة الكارثية بيئيا وصحيا إلا من خلال حملة قومية لزيادة الوعي والاقتناع بين الاجهزة المنوط بها المساهمة في حل المشكلة وبين المواطنين خاصة الذين يقومون عن جهل بهذه الممارسات التي تضر بإخوان لهم في الوطن.