خلال زيارة لقريتي في سوهاج منتصف التسعينات قال احد الذين جاءوا للسلام عليِ في دوار العائلة إن هناك محافظا جديدا ،يبدو أنه مصاب بمَس من الجنون، يحلم بإقامة مدينة جديدة علي سفح الجبل الشرقي ، ويتطلع لفتح طريق يربط بين سوهاج والبحر الاحمر!!.. ومنذ ايام قليلة ذهبت الي قريتي في زيارة سريعة حيث إستمعت الي أقارب وأصدقاء يحكون بسعادة وفخر أنهم عادوا في ذلك اليوم من الغردقة عبر الطريق الجديد الذي يربط بين مدينة سفاجا في البحر الاحمر وسوهاج.. وفيما بين هاتين "القعدتين" في الدوار شهدت محافظة سوهاج وقائع ملحمة تاريخية حقيقية حولت الحلم الي حقيقة.. ويجب أن أعترف بكل فخر وإعتزاز بأنني واحد ممن أصابهم مبكرا مَسُ جنون هذا الحلم الكبير إذ وجدتُ نفسي صباح اليوم التالي للقعدة الاولي بالدوار أجلس بلا مقدمات أو سابق معرفة في مكتب المحافظ المتهم بالجنون اللواء محمد حسن طنطاوي، وهو واحد من البنائين العظام الذين حفروا أسماءهم بحروف من نور في تاريخ مصر والصعيد بالذات..طلبتُ من المحافظ أن يشرفني بمشاركته هذا الجنون الجميل لتبدأ مرحلة من البناء والتعمير لم تتوقف خلالها جهود الرجل حتي قهر الجبل الشرقي وحول حلمه "المستحيل" الي حقيقة لتولد علي يديه مدينة "الكوثر" حاضرة تموج بالحياة والعمران في قلب الصحراء..وتواصل الحلم السوهاجي بعد طنطاوي حتي بلغ أوجه في عهد المحافظ الحالي اللواء محسن النعماني ، وهو رجل مثقف يؤمن بالتنمية البشرية المتكاملة ويعمل بجد وإخلاص علي تحويل سوهاج الي عاصمة حقيقية للصعيد بعد أن تحقق علي يديه ، إضافة الي إكتمال الطريق ، حلم قديم آخر هو مطار سوهاج المقرر إفتتاحه الشهر المقبل .. ولكن أحلام النعماني وأبناء سوهاج لم تتوقف عند هذا الحد ..فهناك وصلات مكملة للطريق العملاق تربط إحداها بين أخميم والغردقة مباشرة بينما تربط الاخري بين ثلاثة من مراكز المحافظة ، هي دار السلام والبلينا وجرجا ، وبين الطريق الجديد عبر طريق فرعي يمتد من قرية نجوع مازن شرق بمركز دار السلام عبر الصحراء الشرقية حتي يلتقي بطريق سوهاج / سفاجا الجديد..وقد طمأنني كل من اللواء النعماني ، والعميد محمد المُلثم رئيس مدينة دارالسلام الذي يقود جهود تطوير المدينة وقراها بهمة ونزاهة مشهودتين ، الي أن هناك دراسات تجري بالفعل لإنجاز هذه الوصلة الاستراتيجية وخاصة بعد ربط الطريق الصحراوي الشرقي والغربي عبر كوبري جرجا علي النيل.. ولكن يبقي بعد ذلك وقبله الحلم الاغلي والاهم وهو إنشاء مركز ثقافي عالمي بإسم رائد النهضة الحديثة إبن سوهاج رفاعة رافع الطهطاوي، يضم مكتبة رفاعة ومركزا لتعليم اللغات وقاعات للسينما والمسرح..وكان هناك إتفاق مبدئي مع سفير فرنسا السابق بالقاهرة علي تمويل فرنسا لهذا المشروع الثقافي الكبير ردا لجميل رفاعة وإعترافا بفضله..وقد إتفق إبن سوهاج الروائي الكبير جمال الغيطاني مع السفير الفرنسي الحالي علي زيارة سوهاج لإحياء هذا المشروع الثقافي العملاق الذي يحظي بدعم وتأييد اللواء النعماني لأنه سيتوج أحلام أبناء سوهاج في أن تصبح محافظتهم عاصمة عصرية لصعيد متحرر من الجهل والفقر والمرض..