كل مواليد الاربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي يتذكرون مجلة أميركية مصورة كبيرة الحجم إسمها "لايف". كانت هذه المجلة فتحاً في عالم الصحافة المصورة حين أصدرها هنري لوس في مدينة نيويورك في 23 نوفمبر عام 1936 وقلدتها بعد ذلك مجلات كثيرة أميركية مثل "لوك" وفرنسية مثل "باري ماتش" وإسبانية مثل "أي. بي. سي" وإيطالية مثل "تيمبو" وألمانية مثل "شتيرن". لكن هذه المجلة الأسبوعية توقفت عن الصدور نهائياً في عام 1972 بعد ان أصدرت أكثر من ألفي عدد تاركة فراغاً لم تستطع مطبوعة أميركية أخري سده حتي اليوم. الا ان دار النشر التي كانت تصدرها إحتفظت باسم "لايف" وهي مازالت تصدر كتباً باسلوب المجلة الأصلية وبعلامتها التجارية. . ومن بين هذه الالفي عدد إحتل غلافها زعيمان عربيان فقط هما حسب تاريخ الظهور الملك عبد العزيز آل سعود في غلاف 31 مايو 1943 ثم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في 9 أكتوبر 1970 بمناسبة رحيله المفجع. وإحتفاء بمرور ثلاثة أرباع قرن علي صدور عددها الأول، أصدرت دار نشر "لايف" التي إشترتها دار نشر "تايم" موسوعة مصورة ضخمة من 224 صفحة بحجم 40سم في 03سم عن أفضل ما نشرته المجلة في تاريخها. لكن الافضل في هذا الكتاب هو هديته القيمة جداً، وهي إعادة إصدار عددها الأول من الغلاف الي الغلاف وبحجم المجلة الاعتيادي وألوانه وورقه وصوره وتحقيقاته وإعلاناته! وكانت صورة غلاف ذلك العدد النادر سد "فورت بيك" في ولاية مونتانا، وغلافه الأخير إعلان عن سجائر "لاكي سترايك" الاميركية. ونقرأ في صفحاته الداخلية إعلانات عن سيارات "بلايموث" و"فورد" و"هدسون" و"جي. إم. سي" و"ناش" و"أولدزموبيل" وكلها موديل عام 1937. ومع تلك الاعلانات إعلان عن راديو "زينيث" وكان واحداً من أشهر العلامات التجارية الي جانب "ماركوني" طبعاً، ومازلنا نراهما في أفلام الاسود والأبيض المصرية القديمة. وحين تطالعك صور الناس في ذلك الزمان قبل 75 عاماً بالابيض والأسود وبأزيائهم المعروفة في تلك الفترة نقرأ ونشاهد تاريخاً نابضاً بالحياة. الأطفال والنساء والرجال والمدن والادوية والاغذية وشركات الطيران.. وحتي إعلانات الشوربة والصوصج! ولحسن الحظ أحتفظ في مكتبتي بنسخ عديدة من هذه المجلة الرائدة، وكلها من أعداد سنوات الخمسينيات والستينيات، وأعتبرها ثروة شخصية إستفدت منها كثيراً في فنون الصحافة المختلفة. وأدع هذه الهدية التحفة جانباً لأتصفح الكتاب التذكاري النفيس الذي وصلت نسخ قليلة منه في الاسبوع الماضي الي إحدي المكتبات الكبري في القاهرة. وحين يقول لك الناشر في المقدمة ان الصور التي يضمها الكتاب هي الأفضل فعلاً في كل ما نشرته المجلة خلال 75 عاماً فانه يعني طبعاً انها الأفضل، فهذه المجلة حرفتها وتخصصها: الصورة. والصور بالالوان. لكنها حين كانت بالاسود والابيض كانت تعبر أكثر عن تلك الحقبة من التاريخ. وأول ثلاث صور في الكتاب قبل ان نقرأ المقدمة هي لرقصة أميركية من عام 1943 ولقطة من حرب فيتنام عام 1968 ثم رمز الجمال الاميركي مارلين مونرو في لقطة تعود الي عام 1953.. كنا علي الدوام من المبهورين بالحياة الاميركية قبل ان تلوثها السياسة والحروب العدوانية و"إسرائيل". حرية ورفاهية وتقدم وإنفتاح وإبداع وديمقراطية. وأستطيع ان أضيف بلا حرج: وهوليوود وجون واين وكاري كوبر وجيمس دين وألفيس بريسلي وريتا هيوارث وكلارك جيبيل وسوزان هيوارد وإليزابيث تايلور ومارلون براندو وشارلي شابلن وفرانك سيناترا وهمفري بوجارت ودوريس داي وروك هدسون وسبنسر تريسي وكيرك دوجلاس وجريجوري بيك وتوم أند جيري وميكي ماوس! وأيضاً: الاديبان آرثر ميللر وأرنست همنجواي. وملك الجاز لويس آرمسترونج. والمخرج الفريد هيتشكوك. والملاكم محمد علي كلاي.. والقائمة بلا نهاية.