تابعت بانبهار شديد جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الفرنسية وما أسفرت عنه من هزيمة الرئيس الفرنسي اليميني نيكولا ساركوزي وفوز منافسه الاشتراكي فرنسوا أولاند. اعترف بسيطرة نوازع الحسد والغيرة علي مشاعري وأنا أشاهد ذلك السلوك المتحضر للمرشحين والناخبين الفرنسيين أثناء وبعد الانتخابات. كان أشد ما لفت نظري هو تلك الكلمة الموجزة الرائعة التي كانت قطعة من الأدب السياسي الرفيع والتي اعترف فيها ساركوزي بهزيمته أمام منافسه أولاند. قال ساركوزي لأنصاره وخصومه علي حد سواء: »نعم، لقد خسرت انتخابات الرئاسة وأصبح هناك رئيس جديد لفرنسا وهو خيار ديمقراطي.. المسيو أولاند هو رئيس فرنسا الجديد ويجب احترامه.. أما أنا، فبعد 53 عاما من العمل السياسي وعشر سنوات في أعلي مستويات المسئولية السياسية وخمس سنوات علي رأس الدولة فإن التزامي سيكون مختلفا في المرحلة القادمة.. سأعود مواطنا فرنسيا عاديا بين الفرنسيين«. أما المرشح الفائز أولاند، الذي حصل علي نسبة 8.15٪ في المائة مقابل 2.84٪ لساركوزي، فقد أكد انه سيكون رئيسا لجميع الفرنسيين. وقال: »أوجه التحية لمسيو ساركوزي الذي قاد فرنسا طوال خمس سنوات والذي يستحق احترامنا جميعا«. توقفت كثيرا أمام عدة حقائق أوضحتها انتخابات الرئاسة الفرنسية.. الأولي ان المرشح الخاسر كان هو الرئيس الذي أشرفت إدارته علي الانتخابات والذي لم يؤثر وضعه الرئاسي علي حياد كل أجهزة الدولة بينه وبين منافسيه، ولم يوفر له وضعه الرئاسي أي ميزة تفضيلية بل علي العكس جعله الأكثر تعرضا للانتقادات. الحقيقة الثانية، ان الفارق بين المرشح الاشتراكي الفائز أولاند والمرشح اليميني الخاسر ساركوزي لم يتجاوز نسبة 3 في المائة وهو ما يعني تقريبا ان كلا المرشحين قد فاز بثقة نصف الشعب الفرنسي أو خسرها، لكن ذلك لم يكن مبرراً لأي طعن في التفوق النسبي البسيط الذي حققه أولاند. أما الحقيقة الثالثة، فهي ان أنصار المرشح اليميني الفرنسي لم يهتفوا في أي لحظة قائلين »لازم ساركوزي« ولم يتهموا الجهات المشرفة علي الانتخابات بالتزوير والانحياز لحساب المرشح اليساري المنافس. والأكثر من ذلك، ان أنصار ساركوزي، الذين يشكلون نصف عدد الناخبين تقريبا، لم يتدفقوا علي شوارع العاصمة الفرنسية باريس، ولم يحاصروا مقر اللجنة المشرفة علي الانتخابات أو وزارتي الداخلية أو الدفاع للاحتجاج علي هزيمة مرشحهم الرئيس الفرنسي، ولم يعلنوا مبايعتهم له رئيسا رغم أنف الديمقراطية! نعم، أحسست بالغيرة والحسد، خاصة عندما عصفت بذاكرتي مشاهد العنف والدماء التي نتجت عن عصبية وغضب أنصار بعض من سعوا للفوز برئاسة مصر ولكن رغباتهم تعارضت مع القوانين والقواعد الديمقراطية التي تحكم عملية الترشيح للرئاسة. وربما ساعد علي اندلاع هذه الأحداث المؤسفة أن بعض المرشحين لم يتورعوا عن تحريض أنصارهم علي العنف والتهديد باشعال النار في كل مكان إذا حالت القوانين دون فوزهم بالرئاسة علي طريقة أنا ومن بعدي الطوفان! وربما كان من أهم ملامح انتخابات الرئاسة الأخيرة في فرنسا هو عدم اجتراء أي طرف أو جهة أجنبية علي التدخل في الشئون الداخلية الفرنسية علي عكس ما يحدث عندنا مثلا حيث ترددت تقارير عديدة عن تورط عناصر أجنبية في الكثير من الأحداث التي أعقبت الثورة المصرية بما يسمي »موقعة الجمل« وحتي أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها بلادنا في منطقة العباسية ومحيط مقر وزارة الدفاع. باختصار، نحن في حاجة لاستيعاب الكثير من قواعد السلوك الديمقراطي الصحيح خاصة ونحن نستعد لأول انتخابات رئاسية حقيقية في مصر لنبدأ عهداً جديدا يظلله النمو والخير والرخاء. إننا لا نطلب المستحيل لأننا رغم كل شيء أبناء حضارة يعترف بها العالم كله.. وننتمي لوطن يستحق أرفع مكانة بين الأمم.