إبراهيم سعده كتبت أمس قائلاً:"إن لا أحد من بين رموزنا المبدعين أدبا،ً وفكرا،ً و فناً أراد، أو يريد، الإساءة من قريب أو بعيد بكلمة أو ريشة أو لقطة سينمائية أو مشهد مسرحي للدين الإسلامي، أو المسيحي، أو اليهودي، أو البوذي، أو حتي الإلحادي. فالمبدع أي، وكل، مبدْع عاشق للحرية لا لنفسه فقط وإنما أيضاً للآخرين. ومن يحرص علي حقه الإبداعي في نقد، أو تأييد، أي شيء وكل شيء هو نفسه الذي لا يحجر علي آراء وأفكار من ينتقدهم ومن يؤيدهم". ما قلته يتعارض تماماً مع ما قاله، منذ أيام، أحد علماء الدعوة السلفية بالإسكندرية د. محمد إسماعيل زاعماً ببساطة متناهية "ان الليبراليين والعلمانيين لا يؤمنون بكلمة " لا إله إلا الله " (..). وأضاف د. إسماعيل خلال ندوته التي عُقدت في المدينة الجامعية بجامعة الأزهر مندداً ب "حرية العقيدة" التي ينادي الليبراليون والعلمانيون بها. فمن رأيه أن هؤلاء وأولئك لا يعتبرون لفظ »إله« مقصوراً علي "الله" فقط (..) وليس لديهم أي مشكلة بأن يقال إن هناك آلهة في الأرض، وعلي العكس لديهم مشاكل كما يدعي الداعية السلفي بأن يكون في السماء آلهة (..). الطريف أن عالم الدعوة السلفية في الإسكندرية لم يجد سنداً لافتراءاته علي الليبراليين والعلمانيين، ودليلاً علي كفرهم، سوي الإدعاء بأن "حرية العقيدة" التي ينادون بها "تعتبر إدانة لسيدنا إبراهيم عليه السلام علي هدمه الأصنام" (..). ما قاله الداعية السلفي د. محمد إسماعيل ليس بالجديد ولا الغريب. فتكفير الآخرين هو القاسم المشترك الأعظم لما نسمعه، ونراه، ونقرأه، لمعظم دعاة السلفية خاصة في هذه الأيام. ولا فائدة من وراء الرد عليها أو الطعن فيها. ولا جدوي أيضاً من تفنيد اتهامه لمخالفيه بأنهم من " عبدة الأصنام". فلا الرد علي هذه الافتراءات سيجد صدي إيجابياً لدي الداعية السلفي الشهير، و لا هو سيتوقف عن تكفير مخالفيه بمناسبة وبدونها. ولا أدل علي ذلك أكثر مما قاله الطالب محمد منصور أحد طلاب المدينة الجامعية بالأزهر لموقع الزميلة "البديل" منبهاً إلي أن : " هذه ليست أول مرة يكفر فيها علماء السلفيين، الليبراليين والعلمانيين. فهم دائماً يتهمونهم بالكفر(..)، وهناك من علماء السلفية من اتهموا بعض طلاب الأزهر، الذين نزلوا إلي ميدان التحرير أيام الثورة، بالكفر أيضاً (..). لن يكتفي المكفرون بالموعظة وحدها، باعتبارها أضعف الإيمان، فقد استبدلوها الآن بالشومة من خلال رفع دعاوي قضائية ضد خصومهم في الرأي للاقتصاص "القانوني" منهم: حبساً أو غرامة أو كليهما معاً. حدث هذا مع الفنان الكبير عادل إمام الذي حكم عليه بالحبس 3 أشهر وغرامة 100جنيه. وهو ما أسعد كاتب البلاغ وشجعه علي كسب قضية جديدة ضد عادل إمام أملاً في مد شهور الحبس إلي سنوات وزيادة غرامة المائة جنيه لتصل إلي المليون! ولم يكتف رافع دعاوي التكفير بعادل إمام وحده في القضية الثانية وإنما أضاف إليها العديد من أبرز رموز المبدعين المصريين فناً و أدباً مثل : وحيد حامد ولينين الرملي ومحمد فاضل وشريف عرفة ونادر جلال ، ولحسن الحظ أن قاضي محكمة جنح العجوزة التي نظرت القضية الثانية حكم بعدم قبول الدعوي وهو الحكم الذي أسعدنا كما رحبت به كل منظمات حقوق الإنسان المصرية والعربية والعالمية. لست متفائلاً بعد هذا الحكم. فلا " أنصاف آلهة هذا الزمان" سيتوقفون عن إرهاب خصومهم "الكفار"، ولا القضاء المصري سيرتاح من توقف طوفان البلاغات التكفيرية ضد الشعراء والمواهب وربما الآلاف من مثقفي ومبدعي وفناني وكتاب مصر من الليبراليين والعلمانيين والمؤمنين الوطنيين. ولا أري حلاً لهذه الكارثة سوي الالتزام بالرأي والرأي الآخر. فإذا كان من حق المكفرين الجدد جرجرة نجومنا ومبدعينا وكتابنا وشعرائنا إلي ساحة المحاكم، فمن حق المجني عليهم أن يرفعوا في المقابل دعاوي قضائية ضد المتحرشين بهم، ومكفّريهم، الذين يتهمونهم مثل الداعية السلفي الإسكندراني د. محمد إسماعيل بدءا بازدراء الدين، مروراً علي السخرية من علمائه ودعاته، ونهاية بالتكفير وعبادة الأصنام (..).