بعد الضجيج والاحداث الدموية والتكتلات والتحالفات التي صاحبت العملية الانتخابية في العراق ووصفها بأنها علامة مضيئة علي طريق التوجه الديمقراطي الذي يجب ان يسود الشرق الأوسط .. فانه لابد ان نسجل حالات التناقض الشديدة فيما يتعلق بالمواقف تجاه مراحل اعلان النتائج. تجسد ذلك بداية في اعتراض بعض القوي وفي مقدمتها القائمة العراقية التي يقودها اياد علاوي علي أساس نبذ الطائفية والتوافق بين كل القوي السياسية والطائفية. جاء هذا الاعتراض مرتكزا علي الاتهام بعدم الشفافية وتوجيه الاتهامات بالتزوير لصالح الكتل الاخري وفي مقدمتها كتلة »دولة القانون« التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي نور المالكي والتي كانت النتائج الاولية قد اعلنت تقدمها. ولقد انقلبت الآية في المرحلة الأخيرة بعد قيام مفوضية الانتخابات المستقلة باعلان النتائج النهائية التي اظهرت فوز اياد علاوي ب 19 مقعدا في مجلس النواب (اي بالاغلبية) في مقابل 98 مقعدا لكتلة رئيس الوزراء بفرق صوتين فقط. هذه النتيجة لم تأت علي هوي المالكي الذي يبدو انه كان متأكدا من الفوز بالاغلبية وهو ما دعاه إلي الاعلان في عصبية وحدة وتجهم وجود شبهة التزوير وان المفوضية لم تكن محايدة ولانزيهة. المثير في هذه القضية ان الفريقين المتصارعين والمتنافسين سبق لهما الاشادة بشفافية ونزاهة هذه المفوضية!! الشيء المهم الذي تناساه المالكي وهو يشكك في الانتخابات ونتيجتها وامكانية ان تتغير لصالحه هو ان الولاياتالمتحدةالامريكية.. مازالت تحتل العراق وهي تملك حق الفيتو علي أي موقف عراقي فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية الامنية التي تقضي بسحب قواتها وليس انهاء هذا الاحتلال. يبدو مما يحدث ان المالكي لم يضع في اعتباره ان هذه الدولة التي تحتل العراق اعلنت مباركتها للنتائج النهائية المعلنة للانتخابات كما اكدت سفارتها في بغداد ان هذه الانتخابات لم تشوبها اي انتهاكات. في نفس الوقت حرص ممثل الأممالمتحدة المكلف بمراقبة سير هذه العملية الانتخابية علي التأكيد بأنها كانت نزيهة وخالية من اي مخالفات. اذن فإنه يمكن القول وبناء علي هذه الحقائق التي لايمكن لاحد انكار تأثيرها ودورها علي الاوضاع في العراق.. ان النتيجة اصبحت شبه محسومة وان اعتراضات المالكي وتهديداته بما يمكن ان يقوم به مؤيدوه ليست الا تعبيرا عن الصدمة وخيبة الأمل. ولعل ما يوحي بأفول نجم هذا المالكي.. تخلي حلفاؤه من الكتل الشيعية عن تأييده. وفقا لهذه المعطيات وبتسليمنا ان النتيجة التي اسفرت عنها الانتخابات اصبحت امرا واقعا فإن الشيء المؤكد وفي ظل عدم حسم التمثيل المريح في مجلس النواب لصالح كتلة بعينها. فان هذا يعني عدم توافر المقدرة لأي كتلة للاضطلاع بتشكيل الوزارة الجديدة. نتيجة لذلك فإن المناخ العام ينبيء بالصعوبة التي ستواجه تحقيق هذا الهدف سواء بالنسبة للفائز بالاغلبية اياد علاوي او المنافس الذي يليه في عدد المقاعد بمجلس النواب نور المالكي. تجاوبا مع هذه الصورة السلبية التي اصبح عليها الوضع العراقي فإن تشكيل هذه الحكومة سوف يستغرق وقتا ليس بالقليل وهو ما سوف يتطلب سلسلة من المساومات والمناورات والتنازلات من جانب الكتل المختلفة من أجل جمع الاغلبية اللازمة للتصويت علي الثقة لهذه الحكومة. يدخل ضمن هذه المساومات اجراءات شغل منصبي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. والي ان يتم هذا فانه من المتوقع ممارسة كل انواع الضغوط ومن بينها فتح الباب امام جولات جديدة من اعمال العنف والمذابح. ان ما يجب ان يقال هنا ان نتيجة الانتخابات كشفت عن عدم ثقة الشعب العراقي في المالكي بعد ان ذاق الامرين خلال فترة توليه السلطة سواء كان ذلك غيابا للامن والامان أو عدم الاستقرار وتفشي الفساد والسرقات. لاجدال ان كل هذه التطورات تؤكد ان الشعب هو الضحية لكل ماجري ويجري علي ارض العراق. لقد عاش هذا الشعب كل انواع التنكيل من خلال تجربته المريرة في ظل الحكم الديكتاتوري لصدام حسين ثم بعد ذلك الوقوع في محنة الغزو والاحتلال وما نتج عنه من طائفية وفساد واسع في كل مجالات الحياة. ان هذا الاحتلال كان وراء اثاره نيران الطائفية واغمض العين عن تشكيل المليشيات المسلحة التي ساهمت في اغتيال وحدة وسيادة العراق وفتحت الابواب للتدخلات الخارجية خاصة من جانب ايران وعملائها المنتشرين في كل مكان. علي ضوء هذا الواقع الاليم فإنه ليس امام هذا الشعب العراقي سوي التوحد والوقوف صفا واحدا من أجل الحفاظ علي كيانه وهويته وان يعمل ويتعامل من أجل ديمقراطية حقيقية تسمح له بأن يكون حرا في تقرير مقدرات بلده. جلال دويدار [email protected]