إبراهيم سعده لأن لجنة المائة التي اختارها نواب البرلمان لا تزال "محلك سر" بسبب الانتقادات الشديدة التي وجهت إليها من معظم القوي السياسية والقانونية والإعلامية والدينية، وأعقبها انسحاب العديد ممن تم اختيارهم ضمن أعضاء تلك اللجنة، فلا بأس من الاستماع إلي اقتراحات أساتذة القانون والمفكرين والمهتمين الحالمين بدستور جديد يحظي بتمثيل آراء كل فئات الشعب دون إقصاء أو إجبار أو فرض لرأي واحد لتيار أوحد. هناك أساتذة قانون تفضلوا وأرسلوا لي مشروعات أعدوها لدستورنا المنتظر، وذلك بعد إطلاعاتهم ودراساتها المقارنة بين أشهر وأهم دساتير الدول الديمقراطية، واستناداً إلي خلفية ذاتية اكتسبوها من خلال معرفتهم الدقيقة للدساتير المصرية السابقة. الاقتراحات التي تلقيتها من الأساتذة الأفاضل لاحظت اتفاقها علي معظم بنود الدستور، واختلافها حول بقية تلك المواد. ومما قرأته، وقارنته، أقنعني بأن إعداد الدستور ليس صعباً، ولا يستحق أبداً هذه الأزمة الطاحنة التي نتابع تطوراتها علي مدار الساعة بسبب المعايير المرفوضة التي وضعها من كُلف باختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور. وأعجبني تعليق علي هذه الأزمة في رسالة وصلتني من د. جورجي شفيق ساري أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنصورة بدأها قائلاً: [درج المسئولون في مصر علي شغل الناس في أمور فرعية جانبية تافهة، تلهيهم عن الشئون العامة ليظل الحكام جالسين علي مقاعد الحكم الوثيرة، وجاثمين علي أنفاس الشعب وتعطيله عن العمل والجد والاجتهاد والانتاج لتظل مصر متخلفة و»مسخرة« جميع الأمم، وهي التي كانت أول أمة وأقدم حضارة وأول دولة مكتملة الأركان في التاريخ. كما اعتاد المسئولون عن قصد أو عن جهل علي ترك الحلول البسيطة المباشرة للمشاكل واللجوء إلي التعامل مع هذه المشاكل بسلوك طرق ملتوية لا تؤدي إلي حلول للمشاكل وإنما إلي تعقيدها أكثر وأكثر]. و يضيف د. ساري في فقرة تالية: [ لا نري طائلا من وراء اختلاق واصطناع المعركة الوهمية حول تشكيل "الجمعية التأسيسية" لإعداد الدستور، فوضع الدستور - في مصر وفي ظل الظروف الحالية - لا يحتاج حتي إلي تشكيل جمعية تأسيسية لوضعه. فلو خلصت النوايا وتنزهت النفوس عن الأغراض، ولو نحينا جانباً المصالح الشخصية والذاتية والخاصة والآنية الزائلة ووضعنا نصب أعيننا المصلحة العامة ومستقبل الوطن والشعب والنظرة البعيدة، لأدركنا أن إصدار دستور جديد لمصر لا يتطلب كل هذا العناء والعراك والمشاحنات]. بعد هذه المقدمة الصادمة للمبشرين بالمعجزات المنتظر تحقيقها في جلسات اللجنة التي لم يتفق علي تشكليها حتي اليوم وغداً، طرح أستاذ القانون الدستوري الحل السهل لإنهاء هذه الأزمة والتوصل إلي دستور جديد خلال ساعات أو أيام تحسب علي أصابع اليد الواحدة. فمن رأي د. ساري أننا لسنا في حاجة إلي دستور جديد وإنما فقط إلي إحياء دستور 1971بعد إجراء بعض الرتوش والتصويبات والتهذيبات الخفيفة فيه التي لا تحتاج إلي جمعية تأسيسية ولا خناقة ولا يحزنون وإنما نحتاج فقط إلي جهد وفكر بعض الخبراء المتخصصين في صياغات الدساتير وهم كُثر في بلدنا والحمد لله]. ولم يكتف د. ساري باقتراح إحياء دستور 1971، وإنما أشار إلي مايراه يحتاج إلي تعديل أو إلغاء أو تصويب في مواد هذا الدستور مثل: [تعديل المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، والمادة 77 الخاصة بمدة الرئاسة وجعلها خمس سنوات قابلة للتجديد لفترة أخري واحدة فقط. مع النص علي أن يكون نائب الرئيس بالانتخاب أيضاً وعدم ترك تعيينه للرئيس، بعد أن أثبتت التجربة سوء استخدام الرئيس لهذه الصلاحية. وتحديد سلطات الرئيس وقصر اختصاصاته علي السياسة الخارجية، أما السياسة الداخلية فتكون من اختصاص الحكومة. و إلغاء النِسب و"الكوتات" لأية فئة في المجتمع في عضوية المجالس النيابية، وترك حرية الانتخاب للناخبين، مع وضع نظام انتخابي يضمن تمثيل كافة فئات المجتمع في هذه المجالس، لتكون مرآة تنعكس عليها صورة كل هذه الفئات. و إنشاء هيئة مستقلة محايدة تسمي "المفوضية العليا للانتخابات" للإشراف علي العملية الانتخابية في جميع مراحلها، بعد أن اثبت التطبيق فشل الإشراف القضائي علي الانتخابات، وحتي يتفرغ القضاة لمهمتهم الأصلية في المحاكم وعدم تأثر العدل بانشغالهم بالأمور السياسية]. هذه الرتوش والتصويبات والتعديلات والتهذيبات لا تستحق الخناقة "حامية الوطيس" الجارية الآن علي تشكيل الجمعية التأسيسية ، ويمكن لعدد محدود جداً من الخبراء المتخصصين الثقاة إجراؤها، وعدم شغل الناس بأمور لا طائل من ورائها إلا إضاعة الجهد والوقت والمال.