وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الطبية بشكل أكثر كفاءة    مؤسسة «حياة كريمة» تطلق مبادرة «We Support» لدعم طلاب جامعة بني سويف    أستاذ قانون دولي: «الجنائية الدولية» لم تؤكد وجود إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني    ملف يلا كورة.. عملية ناجحة لمعلول.. إيقاف قيد جديد للزمالك.. وخليفة كلوب    شاب ينتحر شنقا في الفيوم لمروره بأزمة نفسية بسبب مشاكل أسرية    «القومي للمسرح والموسيقى» يكرم اسم عمار الشريعي 29 مايو    تعرف على شخصيات فيلم تاني تاني قبل انطلاقه في دور العرض (صور)    محافظ الإسماعيلية يتابع الخدمة الطبية المتكاملة المقدمة للمواطنين ضمن «حياة كريمة»    "عبد الغفار": 69 مليون مواطن تحت مظلة منظومة التأمين الصحي    لمرضى حساسية البطيخ.. أطعمة بديلة يمكن تناولها في درجات الحرارة المرتفعة    بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    أيمن بدرة يكتب: بطلوا تهريج    أزمة الطلاب المصريين في قرغيزستان.. وزيرة الهجرة توضح التطورات وآخر المستجدات    كم يوم باقي على عيد الاضحى؟ المعهد القومي للبحوث الفلكية يوضح    النائب محمد زين الدين: مشروع قانون المستريح الإلكترونى يغلظ العقوبة    التربية النوعية بطنطا تنظم ملتقى التوظيف الثالث للطلاب والخريجين    في أول أسبوع من طرحه.. فيلم الأصدقاء الخياليين - IF يتصدر إيرادات السينما العالمية    قصواء الخلالي: النظام الإيراني تحكمه ولاية الفقيه وفق منظومة سياسية صارمة    رياضة النواب تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 ناديا شعبيا بالإسكندرية    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    أخبار الأهلي : أحمد الطيب عن لاعب الأهلي : هاتوه لو مش عاوزينه وهتتفرجوا عليه بنسخة زملكاوية    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    الرياضية: جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    الأرصاد تحذر من الطقس غداً.. تعرف علي أعراض ضربة الشمس وطرق الوقاية منها    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    رئيس الوزراء يشهد افتتاح جامعة السويدى للتكنولوجيا "بوليتكنك مصر" بالعاشر من رمضان.. ويؤكد: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    إصابة 8 أشخاص بحادث تصادم ميكروباص وربع نقل بالطريق الزراعى فى أسوان    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    خالد حنفي: علينا إطلاق طاقات إبداع الشباب والاهتمام بريادة الأعمال والابتكار    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    محافظ قنا يتفقد مركز تدريب السلامة والصحة المهنية بمياه قنا    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال عن مذگراته؟! الاخبار تروي أسرار الضاحك الباكي نجيب الريحاني الحلقة الأخيرة
الخصوم استغلوا » العشرة الطيبة « للزعم بأنه عميل للإنجليز وزعيم الوفد يؤكد وطنيته
نشر في الأخبار يوم 16 - 09 - 2010

»قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الامر كثيرا، لا لشيء الا لانني خلقت صريحا، لا اخشي اللوم في الحق، ولا أميل إلي المواربة والمداراة، فهل يا تري اظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟، أم يدفعني ما درج عليه الناس من مجاملة إلي المواجهة والتهرب.. ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا، أما وقد ارتضيت، فقد آليت علي نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، واسجل الحقائق مهما كان فيها من الم ينالني قبل ان ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة،وربطتني بهم اقل رابطة، ومضيت في مذكراتي علي هذه الوتيرة، فاذا بي أشعر في دخيلة نفسي انني اؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء
الافاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالاقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هاديء البال.. علي أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن احدا لا يستطيع ان يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول ان يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد، فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا... لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة (ص. ق ) -الريحاني يقصد الممثلة صالحة قاصين - التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة.. كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة، ولعل بعض
من تحدثت عنهن قد يسؤوهن ان اكشف عن حقيقة رابطتهن الاولي بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة، وقد سبق لهن ان تحدثن إلي الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل امام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته... وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتي ) شيئا عن كيف وقفت علي المسرح، ومن علمها نطق أبجديته؟، ابدا.. وكأنه من العار عليها اذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني.. وبلاش مبتدئات يا سيدي!!«
نجيب الريحاني
نظرا لطول مذكرات نجيب الريحاني ، وكثرة ما تتضمنه من احداث ووقائع اردنا تحقيقها ، ولظروف خارجة عن الارادة تتعلق بظروف المساحة والنشر ، نلخص ما تبقي من المذكرات في تلك الحلقة لتكون الاخيرة في رحلتنا مع الريحاني ، ونبدأ من حيث انتهينا في الحلقة السابقة عندما انتج الريحاني لسيد درويش وعزيز عيد اوبريت " العشرة الطيبة " المأخوذة عن مسرحية فرنسية بعنوان " اللحية الزرقاء " اسند تمصيرها لمحمد تيمور وكانت تعد أكبر أوبرا كوميك في مصر، إلا أن خصوم الريحاني استغلوا الاوبريت للتأكيد علي أنه دسيسة انجليزية لأن العرض يركز علي مساوئ الأتراك في عيون المصريين. وكان المسرح يشهد كل ليلة من يطالب بسقوط الريحاني عميل الإنجليز وربيب نعمتهم ولكن الأغلبية كانت تؤكد علي وطنيته وقد كتب مرقص حنا وكيل اللجنة المركزية للوفد بعد أن شاهد الرواية مقالاً يشيد فيه بالريحاني وبعمله الوطني ، وفي قمة هذا النجاح انهالت الكوارث علي رأس الريحاني الذي اشتري كماً هائلاً من العملات الأجنبية فهبطت أسعارها جميعاً مما أصابه بتدهور مالي وانهيار معنوي فأهمل عمله وعمت الفوضي في ثنايا المسرح ثم اختلف مع عزيز عيد وسيد درويش بسبب الوشايات فقرر أن يترك لهما الجمل بما حمل ، أما المصيبة الأكبر فكانت انهيار علاقته بصديقته لوسي التي اعتبرها وش السعد عليه ، وللخروج من هذه الكوارث قرر أن يقوم برحلة إلي لبنان وسوريا وما إن وصل إلي بيروت حتي وجد نفسه أمام مصيبة أكبر بعد أن اكتشف أن أمين عطا الله - وكان ممثلاً بفرقته قبل سنوات- استطاع أن ينسخ كل رواياته وأن يغتصب اسم كشكش بيه وأن يكون فرقة من مواطنيه في سوريا ويقدم بها هذه الروايات ولذلك رأي الناس أنه مجرد مقلد لكشكش بيه الأصلي الذي هو أمين عطا الله ولم تنجح الرحلة فنياً أو مادياً وزادت هموم الريحاني. ومع ذلك لم تخل رحلة الشام من فوائد حيث اتفق الريحاني مع الراقصة بديعة مصابني علي أن تنضم لفرقته بمرتب 40 جنيهاً في الشهر. وعاد من الشام لتتواصل رحلته مع الكوارث حيث رحلت والدته عن الدنيا كما اختفي شقيقه الأصغر. وفي عام 1923 عاد يوسف وهبي من إيطاليا واتفق مع عزيز عيد علي تكوين فرقة جديدة في شارع عماد الدين فقرر الريحاني الاستعداد للمنافسين الجدد. وكتب بديع خيري أول رواية من تأليفه وهي (الليالي الملاح) بعد أن كان يكتب الأزجال ويشارك الريحاني في التأليف. وقد أعجب الجمهور ببديعة مصابني وتوالت المسرحيات " الشاطر حسن - أيام السفر " لتصبح بديعة كما أراد لها الريحاني " عروس المسارح " . ورغم كل هذا النجاح في عالم الكوميديا إلا أن الريحاني لم ينس أبداً عشقه للتراجيديا وقد استغل الحادثة الشهيرة (ريا وسكينة) والتي وقعت في عام 1921 في تقديم مسرحية تراجيدية وشاركته البطولة بديعة مصابني وقام هو بدور (مرزوق). وبعد هذه المسرحية التي أرضت رغباته الشخصية عاد مرة أخري إلي الكوميديا من خلال عدة مسرحيات مثل (البرنسيس- الفلوس - لو كنت ملك - مجلس الأنس)..
زواجه من بديعة
تزوج الريحاني بديعة مصابني وفي نزهة لهما علي شاطيء روض الفرج وجدا من يقدم كشكش بيه علي مسارحها ويزعم أنه الأصلي وأن الريحاني هو التقليد، وبعد هذه الصدمة قرر السفر إلي البرازيل ومعه بديعة والممثلان فريد صبري ومحمود التوني وجوجو ابنة بديعة ونزلوا أولاً في سانتوس ومنها إلي سان با ولو حيث قابل (جورج استاني) الشاب السوري الذي كان يقدم كشكش بيه ويسمي نفسه (كشكش البرازيلي) مثلما كان يفعل زوج خالته أمين عطا الله في سوريا. واستمرت الرحلة لمدة عام كامل تجول خلالها في مدن البرازيل والأرجواي والأرجنتين ولكنه لم يعمل فعلياً أكثر من ثلاثين يوماً. والغريب أن يوسف وهبي قد قام مع فرقته بنفس الرحلة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً لأسباب غير فنية. وعاد الريحاني إلي مصر ليجد أمين صدقي في انتظاره بعد أن اختلف مع الكسار فألف فرقة ليقدم عروضها في دار التمثيل العربي وقدم بها (قنصل الوز - مراتي في الجهادية).. وفجأة اختلف مع بديعة بعد أن اتهمته بالإهمال وتم الطلاق بينهما واستأجرت صالتها المعروفة في عماد الدين. وفي عام 1927 أعاد تكوين فرقته من أعضاء فرقة يوسف وهبي التي تم حلها وكان يطمح في تقديم روايات تراجيدية ولكن التجربة فشلت مما اضطره إلي العودة إلي كشكش بيه لتعويض خسائره وأعاد تشكيل فرقته وضم إليها شرفنطح - عبد الفتاح القصري وقدم بديع خيري مجموعة من المسرحيات الكوميدية (جنان في جنان - مملكة الحب - الحظوظ - علشان بوسه - آه من النسوان - ابقي اغمزني) وفي عام 28 تم الصلح بينه وبين بديعة وقدما معاً رواية (ياسمينة) من ألحان زكريا أحمد ثم قدما (أنا وأنت - علشان سواد عينيها - مصر في سنة 29) ثم اختلفا مرة أخري وانفصلا. ويواصل الريحاني تقديمه للملحنين الجدد والموهوبين فبعد سيد درويش وزكريا أحمد تعاون مع محمد القصبجي في تقديم رواية (نجمة الصبح) بطولة المطربة الجديدة هدي. وبعدها قدم أول محاولة للاقتباس من خلال رواية (اتبحبح) التي اقتبسها عن الفرنسية. وفي عام 1931 شكلت الحكومة المصرية لجنة للإشراف علي المسرح كان من بين أعضائها الشيخ مصطفي عبد الرازق - د. طه حسين الذي كان يشيد كثيراً بالريحاني وفرقته. وفي نفس العام اقتبس رواية (الجنيه المصري) عن الفرنسية ورغم جودتها لم تنجح بينما نجحت رواية (المحفظه يا مدام) ثم قدم (الرفق بالحموات) حتي يأخذ مكافأة الحكومة التي كانت تشترط تقديم ثلاث مسرحيات في العام علي الأقل.
حلم البكوية
كان الريحاني بارعاً في اجتذاب الناس وذلك من خلال تقديم أعمال فنية يجد الناس أنفسهم فيها. وكان يحرص علي تناول شخصية الإنسان المطحون المكافح في سبيل لقمة العيش. وقد بدأ ترسيخ هذا الاتجاه مع مسرحية (الجنيه المصري) وبعدها استمر في تقديم روايات هادفة تعري المجتمع وتفضح مشاكله ولم يكن يكتفي بعرض المشكلة فقط ولكنه كان يحاول تقديم الحلول، ومن أشهر هذه الروايات (الدنيا لما تضحك - الستات ما يعرفوش يكدبوا - لو كنت حليوه - يا ما كان في نفسي - إلا خمسة) وهذه المسرحيات فكاهية في هيكلها ولكن مضمونها يغوص في أعماق النفس البشرية. وكان الريحاني يهتم كثيراً برسم كل شخصية مهما كان دورها ضئيلاً وذلك من خلال (بروزة) كلمات الحوار. وكان يذهب إلي المسرح قبل رفع الستار بساعتين ويعتكف تماماً قبل رفع الستارة بربع ساعة حتي يختلي بالشخصية التي يقدمها وكان يرفض المساومة علي فنه مهما كان المقابل ويؤكد هذا حادثة أثرت فيه كثيراً حيث منح الملك درجة البكوية لكل من جورج أبيض - يوسف وهبي - سليمان نجيب. فحزن الريحاني ولكن كبرياءه أبي عليه أن يتكلم.. وسعي سليمان نجيب الذي كان قريباً من القصر الملكي لكي يقدم الريحاني فصلاً من إحدي مسرحياته أمام الملك حتي يمنحه البكوية.. فاختار الريحاني الفصل الثاني من مسرحيته (الدنيا علي كف عفريت) والذي يعرض تفاصيل الحياة المتواضعة والبسيطة في الحارة المصرية بكل ما فيها من ألفاظ شعبية وشتائم. ولم يعجب هذا الملك وطارت البكوية.. وعاتب سليمان نجيب الريحاني، فرد عليه قائلاً »الملك يعيش في القصور والأندية الفخمة.. ولم تتح له الفرصة لرؤية الحواري التي يعيش فيها شعبه المطحون ولذلك تعمدت تقديم هذا الفصل حتي يعرف الملك شعبه علي حقيقته. وعموماً أنا لا تهمني البكوية ولا زعل الملك والمهم عندي هو رضا الناس والجماهير«. وكان الريحاني قد قدم من قبل مسرحية (حكم قراقوش) والتي ينتقد من خلالها الحكم الملكي الديكتاتوري. وانطلاقاً من هذه المواقف الحاسمة في مناصرة الحق والفن الرفيع لم يكن غريباً أن يكتب عنه العقاد مقالاً بعنوان »رجل خلق للمسرح« يقول فيه (إنك تحاول أن تتخيل الريحاني في عمل آخر غير عمله المسرحي فلا تفلح هو علي المسرح كالسمكة في الماء.. دخوله إليه وحركته عليه وكلامه وسكوته وإيماؤه وقيامه وتصوره طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حتي ينتقل من العالم الخارجي إلي عالم الفن والرواية) وبشكل عام فقد كان الريحاني ممثلاً يغنيك تمثيله عن موضوع التمثيل حيث يتوحد مع الشخصية التي يؤديها ولذلك ظل متربعاً علي عرش النجاح الشعبي أكثر من ثلاثين عاماً (1916 - 1949) في حين تعثر كل معاصريه (يوسف وهبي - جورج أبيض - عزيز عيد - أمين صدقي - فاطمة رشدي). وعندما نستعرض مراحل تطور الريحاني نكتشف أننا أمام عدة فنانين وليس فناناً واحداً حيث مر بمراحل كثيرة مثل الارتجال والكاريكاتير - الترجمة - التمصير - التأليف ، وقد تعدي تأثير الريحاني جيله وزمانه ليشمل كل الأجيال التي جاءت بعده حيث أثر في مؤلفي المسرح في الستينيات مثل نعمان عاشور- سعد الدين وهبه - لطفي الخولي - يوسف إدريس - ألفريد فرج - ميخائيل رومان. كما خرج من معطفه كممثل كل فناني الكوميديا الكبار (فؤاد المهندس - عبد المنعم مدبولي - عبد المنعم إبراهيم - محمد عوض... إلخ) كما أن مرونته في فهم احتياجات الجماهير والتجاوب معها والتعبير عن قضاياها تظل طوال الوقت قدوة لكل فنان صاحب رسالة.. ولكل فنان يعمل علي تقديم الكوميديا الاجتماعية. وإذا كان الريحاني في عالم المسرح زعيماً وشيخ طريقة إلا أنه في عالم السينما قد ظلم نفسه كما ظلمته السينما ولم تتمكن من استثمار موهبته الرائعة وقد كتب الموسيقار محمد عبد الوهاب مقالاً بعنوان (فنان خلق للسينما) يقول فيه " كان للريحاني وجه معبر صارخ الملامح ناطق السمة تكاد كل خلجة فيه تبرز قصة بليغة صامتة وله لمحات تطفر من عينيه يسجل فيها أروع أحاسيس الفنان الملهم.. دمعة كسيرة أو نظرة مرحة أو غشاء من حزن أو فرح يكسبه لوناً إعجازياً قل أن يكون له نظير في العالم.. وله نبرة صوت فيها كل شجن الفنان تقفز رأساً من خفقة قلبه لتخرج من شفتيه ولا يسجل كل هذا إلا كاميرا السينما ".
شارلي شابلن
يدفعنا كلام عبد الوهاب إلي الدخول في العلاقة الشائكة التي ربطت الريحاني بالسينما حيث لم يحبها وربما تصور أنها ستؤثر علي عشقه للمسرح ، فقد بدأ أولي محاولاته مع السينما في عام 1929 وكانت النتائج سيئة جداً عندما شارك مع المخرج جاك شونز في تقديم فيلم صامت ولم يتم .. وفي عام 1931 قدم فيلمه الثاني " صاحب السعادة كشكش بيه " من إخراج استيفان روستي استثماراً لنجاح الشخصية التي ابتكرها وقد صور هذا الفيلم تحت ضغط الأزمة المادية من دون سيناريو أو خطة عمل وكان يعتمد علي الارتجال . وفي عام 1933 قدم أول أفلامه الناطقة بعنوان " حوادث كشكش بيه " ، وفي عام 1934 قدم فيلم (ياقوت) من إخراج إميل روزييه، وهذا الفيلم أول وآخر فيلم يشارك فيه بديع خيري كممثل وقد تم تصويره في ستة أيام في باريس وقدم الريحاني هذا الفيلم تحت وطأة أزماته المادية.. وفي عام 1936 قدم فيلم (بسلامته عايز يتجوز) من إخراج ألكسندر فاركاش ورأي الريحاني أنه كان فيلماً سيئاً وأنه شخصياً كان فظيعاً بدرجة مؤلمة. وبشكل عام فقد كانت كل أفلام الريحاني الأولي سيئة ولم تستطع استثمار موهبته الكبيرة وقدراته اللامحدودة كممثل عبقري.. ولم يستطع الريحاني نفسه أن يستثمر قدراته من خلال السينما لأنه في ذلك الوقت لم يكن علي دراية كاملة بكل آليات فن السينما كما أنه قد تعامل مع مخرجين محدودي الموهبة، إضافة إلي أن السينما المصرية كانت في بداياتها إلا أن الريحاني كان يطمح في أن يصل إلي مكانة (شارلي شابلن) دون أن يمتلك المناخ العام الذي كان يعيش فيه شابلن. انتظر حتي عام 1937 لكي يقدم أول أفلامه الكبيرة " سلامة في خير " من إخراج نيازي مصطفي الذي درس السينما في ألمانيا وعمل كمونتير وكان من أنجح من استخدموا الحيل في السينما المصرية ولذلك تدخل بفاعلية في تعديل السيناريو الذي كتبه الريحاني وبديع خيري ، وبعد نجاح سلامة في خير، قدم الرباعي (الريحاني - بديع - نيازي - أستوديو مصر) فيلم " سي عمر " سنة 1941 وهو فيلم مقتبس عن الفيلم الأمريكي " رغبة " للمخرج فرانك يورج، وقد حقق سي عمر نجاحاً أكبر من سلامة في خير حيث كان أكثر نضجاً . ورغم نجاح سي عمر إلا أن الريحاني لم يتحمس للسينما بالشكل الكافي ولذلك انتظر خمس سنوات كاملة حتي قدم فيلميه " لعبة الست - أحمر شفايف " في عام 1946، ويأتي فيلم " لعبة الست " كواحد من أهم كلاسيكيات الكوميديا في السينما المصرية بينما يغلب الطابع التراجيدي علي فيلم "أحمر شفايف " حيث تعمد الريحاني أن يشبع رغبته الدائمة في الأداء التراجيدي وإن أدي ذلك إلي عدم نجاح الفيلم علي المستوي الجماهيري لأن الجمهور لم يعتد علي الريحاني (تراجيديان). وفي عام 1947 قدم الريحاني فيلم " أبو حلموس" ليعود به إلي كوميديا الموقف ، وبعد هذا الفيلم جاءت الدرة السينمائية الكبيرة التي جمعت بين الريحاني وانور وجدي وليلي مراد ويوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب وسليمان نجيب وعبد الوارث عسر والمليجي وزينات صدقي وفريد شوقي وفردوس محمد واستيفان روستي في فيلم " غزل البنات " عام 1949، ولم يكن يعلم كل المشاركين في هذا الفيلم أنهم يشاركون في وداع الريحاني إلي العالم الآخر ، فقد رحل عن الدنيا قبل أن يستكمل تصوير الفيلم اثر إصابته بحمي التيفود. وقد نجح فيلم غزل البنات نجاحاً مدوياً جعله يحتل القمة بين كل أفلام التراجيكوميك في تاريخ السينما المصرية والعربية وكان أفضل ختام لهذا المشوار الحافل الذي حفره الريحاني بموهبة رائعة واجتهادات خلاقة وقدرة فائقة علي التجديد والتجويد. ورغم قلة رصيده في عالم السينما إلا أن أفلامه اتسمت بقوة الموضوع وكوميديا الموقف وأسلوب الطرح الاجتماعي والاعتماد علي دراما الشخصية التي تتنوع إلا أنها تدور في فلك واحد يعمل علي إبراز النزعة الإنسانية البسيطة مع وجود القدرة علي النقد الاجتماعي. ولو قارناها بما يقدم الان من افلام تتمحك في مسمي الكوميديا لوجدنا ان انتاج اليوم افضل ما يطلق عليه هو " كوميديا العاهات " ، افلام الريحاني تقدم دروساً في كيفية الأداء الكوميدي الراقي ويكفي أي فنان صغير أو كبير أن يشاهد ردود الأفعال الصامتة والرائعة التي جسدها في " غزل البنات " وخاصة عند غناء عبد الوهاب لرائعته (عاشق الروح) التي بلغ فيها الريحاني ذروة عبقرية الاحساس الذي يجعله يقف علي قدم المساواة مع أكبر نجوم العالم في التمثيل..
نهاية الرحلة
جاءت وفاة الريحاني بمثابة صدمة اثر اصابته بمرض التيفود الذي لم يكن له علاج وقتها في مصر ويقال ان النحاس باشا امر بإحضار الحقن المخصصة للعلاج من الخارج وتم احضارها بالفعل لكن د. احمد سخسوخ العميد الاسبق لمعهد الفنون المسرحية كتب يؤكد ان وفاة الريحاني نتجت عن اهمال من ممرضته بالمستشفي اليوناني التي اعطته جرعة زيادة من عقار الاكرومايسين ليموت بعدها بثوان. وبعد ساعات من رحيل نجيب الريحاني دخل محرر »اخر ساعة« شقته بعمارة الايموبليا ليسجل ما وجدة فيها وهو ( 44 بدلة ، و20 بيجامة وجلبابا، و15 حذاء ، وكلبتة الوفية " ريتا " التي امتنعت عن الطعام حزنا علية حتي توفيت بعد يومين من رحيله ، ووجد في شقة الريحاني مصحفا وانجيلا وصورة للقديسة سانت تريزا التي كان يتخذها شفيعة له ، ومذكرات تشرشل بالفرنسية ، وكتاب حسن البيان في تفسير مفردات القرآن، وألفية ابن مالك، وبعض مسرحيات روايات لشكسبير)، ولم يتطرق محرر »اخر ساعة« الي باقي مقتنيات الشقة التي آلت جميعها الي شقيقه يوسف الريحاني لكونه وريثه الوحيد فأشقاء الريحاني اكبرهم توفيق وهو الوحيد الذي رزق بنعمة الانجاب في اسرة نجيب الريحاني المصابة جميعا بالعقم كما يروي عنها وأطلق علي المولود " بديع " حبا من نجيب لبديع خيري وتوفي توفيق في حياة نجيب الذي تكفل بابن شقيقه، وبحسب مذكرات بديعة مصابني فإن توفيق الريحاني لم يكن يعرف التوفيق حيث كان كسولا لايحب العمل بل كان يقتصر علي ملازمة اخيه ونشر اعلانات الدعاية وكان عندما يندفع في العمل يقف علي باب المسرح يستقبل الرواد، ثم الشقيق الثاني يوسف الريحاني الذي كان يسير محدودب الظهر نظرا لاصابته بشلل اطفال قديم وكان رغم ذلك يدعي العلم والفلسفة والتنويم المغناطيسي وكان يعيش كالمنبوذين لايصادقه احد ولايقترب من مخلوق لشراسة اخلاقه لذلك كان نجيب يشفق عليه ويكلفه بالجلوس في شباك تذاكر المسرح وكان جلوسه في ذلك الشباك شؤما علينا - بحسب رواية بديعة مصابني-حيث قل ماكان يقبل علي المسرح من جمهور الامر الذي دعي نجيب لينقلة للعمل داخل المسرح.
قصر الريحاني
بينما كان الشقيق الاصغر للريحاني والاحب إلي قلبه والمقرب اليه هو جورج الذي اختفي خلال حياة نجيب الريحاني ولم يعثر له علي اثر ، فمن قال انه توفي ، ومن قال انه شهر اسلامه ثم اختفي ومن قال انه هرب مع راقصة ومن قال انه صار راهبا باحد الاديرة، وبعد وفاة نجيب الريحاني انتقل شقيقه يوسف للعيش في شقة نجيب بعمارة الايموبليا ليندلع الصراع بينه وبين بديعة مصابني ارملة نجيب علي التركة وتحجز المحكمة علي التركة والشقة لصالح بديعة الا ان يوسف نجح في اثبات وقوع الطلاق بين بديعة ونجيب قبل وفاته لتصبح التركة من نصيب يوسف الريحاني ، وفي نفس عام وفاة نجيب الريحاني قام طلعت حسن مدير مسرح الريحاني ببيع كل مايملكه الريحاني بالمسرح لتجار الروبابيكيا بما فيها الملابس التي كانت بحوزة خياطة فرقة الريحاني اليونانية الجنسية، وفي عام 1961 تم بيع مقتنيات شقة الريحاني بالمزاد العلني لسداد مبلغ 200 جنيه مستحقات الضرائب ولم يحاول احد تدبير هذا المبلغ سواء يوسف الريحاني الذي رحل عن الحياة بعد ايام قليلة من هذا المزاد وتحديدا يوم 22 اغسطس 1961 او بديع الريحاني الذي كان قد سافر الي انجلترا لدراسة الهندسة وتزوج من فتاة انجليزية هي مرجوري فرانك روبين وعادت معه لمصر ليعيش في فيلا من دورين بضاحية المعادي نقل اليها كل ماتبقي من مقتنيات عمه نجيب الريحاني ومعظمها كان اصول مسرحيات ولوحة كبيرة للفنان الراحل بألوان الجواش رسمها الفنان الإيطالي بابادوبلو عام 1918 وأمامه شخصية »كشكش بك« التي اشتهر بها في المسرح، وهذة اللوحة اهداها بديع الريحاني لدار الاوبرا في بداية التسعينيات ومازالت موجودة في متحف الاوبرا ، اما منزل نجيب الريحاني بحدائق القبة الذي قال بديع خيري في مقدمة مذكرات الريحاني انه بناه وقرر في داخلته ان يجعله مقرا للمسنين من الفنانين ، ومن غرائب الامور ان الريحاني لم يدخل هذا البيت ورحل عن الدنيا قبل ان يسكنه ، وقد اغلق هذا البيت عقب وفاة الريحاني ، ومن يراه الان سوف يكتشف ان شكل هذا القصر قد اختلف كثيرا عن أول صورة فوتوغرافية التقطت له في 194، بعدما انتهي المهندس الإيطالي شارل عيروط من تصميمه وبنائه علي الطراز الإيطالي وكانت تحيط به حديقة كبيرة حولها أرض فضاء تحولت إلي كتل أسمنتية بناها سكان الحي بعدما اشتروها من بديع الريحاني بالتقسيط، لكنهم توقفوا عن دفع الأقساط بعد القسط الثاني وأنكروا وجود ديون عليهم لوارث نجيب الريحاني، بل وصل بهم الأمر حدّ أنهم اعتدوا عليه بالضرب، مما دفعه إلي إغلاق المنزل أكثر من عشرين عاماً حتي استأجرته وزارة الثقافة في 1970 وحولته إلي قصر ثقافة الريحاني .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.