بدأ الغزو الشيوعي السوفيتي لأفغانستان في أواخر عام1979، واستمر حتي مارس 1989بعد سنوات حرب طويلة، مريرة، خططها، ومولها، وأمدها بأحدث وأفتك الأسلحة الصاروخية: جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، ونفذتها باكستان: تجميعاً لعشرات الآلاف من المتطوعين والمجاهدين، من معظم الدول العربية والإسلامية، حيث يتم استقبالهم وتوزيعهم علي معسكرات تعليم وتدريب علي حرب العصابات، وبعدها يعبرون الحدود الباكستانية ليخوضوا حربهم المقدسة ضد الملحدين الغزاة السوفيت. بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، وانهيار ما كان يسمي بالاتحاد السوفيتي إلي دول ودويلات متناحرة فيما بينها، آمن »المجاهدون« بأنهم هم وحدهم وليس التدريب العسكري الباكستاني، الممول من السعودية، علي الأسلحة العسكرية القادمة من أمريكا الذين هزموا الجيش الأحمر الذي لا يقهر، وأنهوا غزو الملحدين لأفغانستان الإسلامية، ووضعوا نهاية للحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي. وبدلاً من عودة المجاهدين إلي بلادهم، قرر قادتهم الدكتور عبدالله عزام، من أصل فلسطيني، ودرس في الأزهر، وعمل أستاذاً في جامعات سعودية، ومعه تلميذه الوفي: أسامة بن لادن أن الحرب ضد الكفار والملاحدة لم ولن تنتهي وإنما تنتظرها سنوات وعقود قادمة. في كتاب »عندما تتصادم العوالم« قرأت فقرة من خطاب ألقاه القائد العقائدي للمجاهدين العرب في حرب أفغانستان : »عبدالله عزام«، موضحاً فيها الضرورة الأخلاقية لمواصلة »الجهاد« ضد أعداء الإسلام. قال »عزام«: [ إن الجهاد الآن ليس فرض عين في فلسطين فحسب، ولا في أفغانستان فقط.. وإنما أيضاً في كل بقعة كانت تحكم ب »لا إله إلاّ الله« ، في يوم من الأيام. وستستمر فرضية العين في أعناق المجاهدين المسلمين حتي تستعاد آخر بقعة كانت تحكم ذات يوم ب »لا إله إلاّ الله«. فرضية العين مستمرة حتي نرجع »بخاري«، و»طشقند«، و»سمرقند«، و»الأندلس«، و»القوقاز«، و »سيبيريا«، و»فرنسا«، و»النمسا«، و»بلغاريا«، و»الصرب«، و»المجر«، و»ألبانيا«، و»رومانيا«.. وهكذا حتي نستعيد كل بقعة كانت في يوم من الأيام تظلل بظلال الإسلام، وتُحكم بشريعة سيد المرسلين]. و لقي هذا القول تصفيقاً من الجهاديين العرب المغتربين الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا عمل، ولا قتال. والأهم من هذا أن عودتهم لأوطانهم ليست خياراً متاحاً أو مقبولاً من مجتمعاتهم. فهي مجتمعات يصفها هؤلاء »المغاوير« بأنها »غير ممتنة لهم، ولا تقدرهم كما يجب. وكان أهم أسباب إحباط »المجاهدين العرب« هو الانفصال الحقيقي بين خطاب الجهاد الحماسي الذي كان قد أغراهم في الأصل بالذهاب إلي أفغانستان، وعدم التقدير البالغ الذي شعروا به بعد انتهائهم من جهادهم. كانوا يتوقعون توقيرهم باعتبارهم الأبطال الذين قضوا علي الشيوعية الملحدة، إذا بهم بدلاً من ذلك يقابلون بتجاهل شديد إن لم يُعتبروا »مخاطر أمنية« غير مرغوب فيها. يشبه الباحث الأمريكي »جين هيك« في كتابه حال هؤلاء المجاهدين العرب بحال محاربي فيتنام من الأمريكيين في سبعينيات القرن الماضي الذين شعروا بالخيانة، وباعتبارهم عاجزين عن التكيف اجتماعياً مع العالم الذي تركوه وراءهم. ويضيف مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« قائلاً: [ بالنسبة للمجاهدين السعوديين فقد ازداد إحباطهم عندما رفضت السلطات السعودية عرضاً تقدم به »أسامة بن لادن« يتولي بمقتضاه مسئولية الدفاع بقواته من فلول مجاهدي حرب أفغانستان، متعددي الملل والجنسيات، زاعماً أن تعدادهم يزيد علي ال100ألف مجاهد عن الوطن الإسلامي ضد الاجتياحات العراقية المحتملة في عام1991! حيث اختارت السعودية المشاركة في التحالف العسكري العالمي ضد الغزو العراقي للكويت، وهو ما أفقد »أسامة بن لادن« البقية الباقية من عقله، وقرر الانتقال الفوري إلي السودان سراً بعد أن صُودر جواز سفره السعودي تمهيداً لنزع الجنسية التي لا يستحقها كي يبدأ من السودان شن حملة كراهيته للمملكة العربية السعودية!]. والأغرب من ذلك مع هؤلاء »المجاهدين« أن من بينهم من أعاد تصنيف أعداء الإسلام والمسلمين. فلم يعد العدو بالنسبة لهؤلاء هو الشيوعي، الملحد.. وإنما اتسعت الحلقة لتضم كل »الكفار« سواء وُجِدوا في بلاد الشيوعية الملحدة، أو الغرب المسيحي »الفاسد«، أو الشرق المسلم »الضال« عقائدياً.. كما يقولون! وفي السودان.. أقام »أسامه بن لادن« مع أستاذه، موّجه أفكاره، ومحدد خطاه: المفكر الإخواني الطبيب:»أيمن الظواهري« يخططان لمستقبلهما ومستقبل الكرة الأرضية تحت إمرتهما! وتوصلا بالتشاور والتفاهم الي إنشاء »القاعدة« كثُلة صغيرة من الوهابيين الجدد المتشددين الساعين للسيطرة علي الوهابيين الأصليين أنفسهم. .. وأواصل غداً.