من سرق لوحة زهرة الخشخاش للمرة الثانية بالكاتر من بروازها؟ هل هي عصابة ايطالية تسللت الي قاعة العرض أم عناصر داخل المتحف؟ لغز مصرع أشرف مروان مازال غامضا ومغلقا: هل تم اسقاطه من شرفة الشقة التي يقيم بها وسط لندن؟ أم أنه فقد التوازن وهو في الشرفة وسقط علي أرض الحديقة المحيطة بالمبني؟ أم ماذا؟ وحسب حكم المحكمة البريطانية الذي صدر مؤخرا بعد تحقيق طويل وتحريات واسعة: فإن مروان لم ينتحر ولم يلق بنفسه من الشرفة بالطابق الرابع.. وكانت المحكمة تريد معرفة ما إذا كان اغتيل وتم اسقاطه، أم أنه اقدم علي الانتحار لأسباب غير معروفة؟ ولكن مني عبدالناصر - زوجة أشرف- أكدت أنها علي يقين من أن عملاء الموساد الاسرائيلي قتلوا زوجها وقالت لصحيفة الأوبزرفر البريطانية: إن مروان أخبرها قبل تسعة أيام من مصرعه أن مجموعة اغتيالات تتعقب تحركاته وأنه يعتقد ان حياته في خطر! واكتشفت أسرته بعد الحادث أن أوراق مذكراته الخاصة قد اختفت من مكتبه في شقته، وأنها كانت ستفضح أسرار الموساد وأجهزة المخابرات في الشرق الأوسط.. وفي ذات الوقت كشفت مني عبدالناصر أن ضباط التحقيق البريطانيين فقدوا الحذاء »الطبي« الذي كان يلبسه مروان قبل سقوطه وهو من نوع خاص لأنه كان يعاني مرضا في القلب، وكان من الممكن ان يوضح معلومات مهمة بشأن الحمض النووي الخاص به.. والغريب أن الصحيفة البريطانية قالت إن شاهدا واحدا علي الأقل رأي رجلين لهما ملامح شرق أوسطية في شرفة شقة مروان بعد دقائق من سقوطه! ولذا تتجه الشبهات إلي عملاء جهاز الموساد المجهولين! مثل ما يحدث في عمليات المخابرات يظل مصرع »الرجل الذي سقط من الشرفة في لندن« أمرا محيرا ومريبا وبدرجة أن أجهزة التحقيق البريطانية لم تتوصل بشكل مؤكد إلي الجهة التي تختفي وراء الحادث ولا العملاء الذين قاموا بارتكابه.. خصوصا أن علاقات مروان كانت متشابكة ومجهولة علي مدي سنوات طويلة من الاتصالات السرية مع أجهزة المخابرات والشخصيات العربية النافذة وصارت في طي الكتمان مع اختفاء مذكراته الخاصة عقب سقوطه ومصرعه وكان علي وشك ان ينشرها في كتابه بالاتفاق مع أحد دور النشر في نيويورك..! والواقع ان مروان كان بمثابة الرجل الذي يعرف كثيرا.. ولا يمكن القول - كما تردد- بأنه كان عميلا مزدوجا ولذلك تمكن من خداع الموساد في حرب أكتوبر، أو أنه كان مزروعا في قلب المخابرات الاسرائيلية لكي يضللها بالتقارير التي يقدمها وتحوي معلومات مغلوطة ومقصودة..! وقد تعرفت علي أشرف مروان عندما كان رئيسا للهيئة العربية للتصنيع بعد إنهاء عمله كسكرتير خاص للرئيس السادات للمعلومات، وكان معروفا عنه أنه لا يتكلم عن عمله والمهام السرية التي يكلف بها وكان يفضل الصمت وعدم الخوض في التفاصيل - حتي مع المقربين منه- ولذلك اعتذر لي مرارا عن الإدلاء بأي معلومات.. وظل حريصا علي ذلك حتي بعد ابتعاده عن المناصب وتواري في ظل رجل الأعمال الناجح بعد استقراره في لندن.. ولذا لا أعتقد ان رجلا بهذا الخطورة والخبرة يمكن أن يفكر في الانتحار بهذه الطريقة الدرامية.. وإذن كيف سقط من الشرفة في عز النهار.. وهل تم التخلص منه بالأسلوب المخابراتي حتي يمكن اسكاته إلي الأبد وخصوصا بعدما انتهي من كتابة مذكراته الخاصة؟ وقبل ان يركب الطائرة إلي نيويورك لوضع اللمسات الأخيرة عليها قبل نشرها؟ وكان مروان - يوم الحادث-يقيم في شقته ويستعد للسفر وكانت سيارته في انتظاره أمام المبني، ولم يكن معه في الشقة غير مديرة المنزل التي تعمل عنده منذ سنوات وأخبرت الشرطة البريطانية أنها لم تفتح الباب لأحد وأنها كانت تقوم بعملها في الناحية الأخري من الشقة الفسيحة-وبعيدا عن غرفة مكتب مروان- ولكن تبين أن هناك بابا آخر من ناحية السلم الخلفي للشقة المخصص لظروف الحريق.. ويمكن للعملاء الذين ارتكبوا الجريمة التسلل من هذا الباب الخلفي ومفاجأة مروان وهو يقف في الشرفة وحده! خديعة ساعة الصفر وأتوقف أمام كتاب الدكتور أهارون بيرجمان المؤرخ اليهودي الذي يعيش في لندن ويكشف فيه الخديعة التي قام بها »الصهر« ويقصد مروان وهو ما يمثل الفشل الذريع للموساد، ويروي بيرجمان في صفحات الكتاب: »أنه بعد عامين من حرب يونيو 76 دق شاب مصري باب السفارة الاسرائيلية في لندن وطلب أن يعمل في الموساد وكان ذلك غريبا وطريقة غير معتادة، ولذلك قام سكرتير السفارة بابعاد هذا الشاب ولكنه أصر علي موقفه، وقبل ان يغادر السفارة ترك تفاصيل سيرته الشخصية ووعد بالعودة مرة أخري وهو ما فعله بعد عدة أيام.. وقامت الموساد بعمل تحريات عن هذا الزائر الغريب الذي جاء بلا دعوة وأصيبت بصدمة مذهلة عندما اكتشفت أن هذا الشاب ليس فقط مسئولا مصريا ولكنه من أقرب الأشخاص في عائلة الرئيس عبدالناصر وتم اختياره للعمل في مكتب رئيس الجمهورية وهو يقوم بمهام خارجية.. ولذا لم يكن غريبا ان الموساد لم يتردد في استقطاب ذلك الشاب المصري والذي عرف باسم »الصهر« حتي لا يكتشف أمره! وهو الاسم الكودي الذي اطلقه جهاز الموساد علي مدي سنوات! ويمضي في سرد علاقة أشرف مروان - الصهر- بالرئيس السادات ويروي: »ان الصهر قام بتقديم معلومات للموساد عن الأسلحة الهجومية التي طلبها السادات من الاتحاد السوفيتي- من الصواريخ والطائرات- لكن ما فشلت اسرائيل في الكشف عنه وقتها هو أن »الصهر« زود الموساد بوثائق حول عدم قدرة مصر علي الهجوم إلا في حالة حصولها علي هذه الأسلحة المتطورة، ولذلك تخلي السادات عن فكرة الحرب الشاملة بعدما أيقن أن موسكو لن تستطيع توفير هذه الأسلحة له ولذلك بقيت القيادة الاسرائيلية علي تصورها القديم »بعدم قدرة مصر علي الحرب« حتي فاجأها المصريون! ويستطرد كتاب بيرجمان: أنه وبصورة متدرجة تمادي الصهر - مروان- في إمداد اسرائيل بمعلومات خاطئة فقد قام بتحذيرها من حرب وشيكة في عام 27- وهي حرب لم تقع- وكرر التحذير في ربيع عام 37 وتسبب في مصاعب لا حصر لها عندما أخبر الموساد أن السادات سيضرب في 51 مايو، واستجابت اسرائيل لتحذيره وشكلت لجنة قتالية ورسمت خطة للمواجهة اسمها الحركي »أزرق- أبيض« وكانت هناك رؤي مختلفة في القيادة الاسرائيلية ومنها رؤية الجنرال زاعيرا الذي كان يري انه احتمال مستبعد وأن مصر لن تقوم بالهجوم ولكن الجنرال موشي ديان قرر أنه ربما يكون ذلك التحذير حقيقيا حتي لو تناقض ذلك مع معلومات سابقة للعميل والتي تركز علي أن مصر لن تقوم بأي هجوم إلا إذا حصلت علي الأسلحة المتطورة من الاتحاد السوفيتي.. وبالتالي لم تنفذ في 91 أبريل خطة »الأزرق- الأبيض« وفي 3 أغسطس 37 عادت القوات الاسرائيلية إلي حالة الاسترخاء الطبيعية بعدما كلفت الحشود الاحتياطية 54 مليون دولار! وبعد ذلك باسابيع وقعت مفاجأة حرب اكتوبر! من سرق لوحة الخشخاش؟ الأربعاء: أليس غريبا ومريبا أن تسرق لوحة »زهرة الخشخاش« للمرة الثانية بعد اثنين وثلاثين عاما - من سرقتها في عام 8791 بطريقة غامضة- وفي وضح النهار وقد يكون في عتمة الليل- وبعدما عادت بطريقة أكثر غموضا لكي توضع في مكانها في متحف محمد محمود خليل؟ وكانت السرقة الأولي بمثابة انذار كاف لحراستها بأجهزة الإنذار وكاميرات التصوير والحفاظ عليها مع اللوحات النادرة الأخري الموجودة في المتحف، وهي ثروة قومية- وفنية وقيمة تاريخية- لا تقدر بمال، ويكفي ان التقدير الدفتري للوحة زهرة الخشخاش المسروقة هو 55 مليون دولارا وأكثر بالتقييم المادي العالمي! وتقدر مقتنيات المتحف بأكثر من سبعة مليارات دولار! وأليس غريبا ألا ينتبه المسئولون عن ذلك المتحف- وغيره من المتاحف- واللوحات القيمة والنادرة الموجودة إلي ضرورة وضع كاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار ومتابعة فحصها وإصلاحها حتي لا تتكرر السرقة الأولي للوحة فان جوخ النادرة وبالنسبة للوحات أخري لمشاهير الفنانين والرسامين العالميين وتعتبر بمثابة كنوز وثروات قومية وتتطلع المتاحف العالمية لاقتنائها بأي ثمن؟ إن سرقة لوحة زهرة الخشخاش وانتزاعها بالكاتر من البرواز تعبر عن الاهمال والتسيب في المحافظة علي تلك الثروة من جانب المسئولين عن حمايتها، وكما سبق في الآثار التي اختفت من صناديقها في بدروم المتحف المصري وتم تهريبها إلي الخارج تماما مثل المسلسلات المصرية القديمة الموجودة في ميادين باريس وواشنطن وغيرها من الآثار المنهوبة! ووجه الغرابة أن هناك إجراءات حراسة مشددة علي متحف محمد محمود خليل ومنها: ان زوار قاعات المتحف التي توجد بها اللوحات المعروضة يرافقهم حراس من المتحف اثناء جولاتهم.. ويتم التفتيش اثناء الدخول.. وأن هناك كاميرات مراقبة وأجهزة إنذار متصلة بهذه اللوحات حتي تكشف أي محاولة لانتزاعها من مكانها وسرقتها، ولكن تبين ان معظم الكاميرات وأجهزة الإنذار معطلة ولم يتم استبدالها أو اصلاحها رغم تنبيه فاروق حسني وزير الثقافة إلي ذلك التقصير، ومما سهل سرقة لوحة زهرة الخشخاش.. ووجه الغرابة أيضا انه لا يوجد تغطية تأمين للوحة المسروقة وفي الوقت الذي أبدت فيه الشركات قدرتها للتأمين علي تلك المقتنيات واللوحات ، ووجه الغرابة أكثر ان وزير الثقافة أوضح أن المتحف في ظل الاهمال القائم كان سيتم سرقته حتي ولو كانت به ألف كاميرا للمراقبة تعمل وليست معطلة! وقد اتهم الوزير رئيس قطاع الفنون التشكيلية محسن شعلان بالاهمال الجسيم وحمله مسئولية سرقة لوحة الخشخاش الشهيرة. كانت اللوحة المسروقة توضع في الدور الثاني من المتحف وفي قاعة بمفردها وتم طلاؤها باللون الداكن ووضعت مجموعة من المقاعد لإتاحة الفرصة لمشاهدتها من جميع الزوايا.. واللوحة رسمها فان جوخ- الرسام الهولندي- في عام 7881 الذي مات منتحرا ومفلسا.. وهي من الحجم المتوسط 45سم * 35 سم« وأثيرت حولها ضجة كبيرة عندما سرقت في عام 8791 وتمت إعادتها في ظروف غامضة وشكك الكاتب يوسف إدريس وقتها في عودة اللوحة الأصلية ولكن خبراء فرنسيين أكدوا أنها الأصلية.. والسؤال: كيف تتم سرقة زهرة الخشخاش في وجود حراس المتحف الذين يقومون بمراقبة وتفتيش الزوار من المصريين والسياح الأجانب، وبينما يتم تسجيل لوحات المتحف في مكانها عند اغلاق أبواب المتحف للتأكد من وجودها؟ وعدم استبدالها؟ هناك احتمالات لكيفية سرقة لوحة زهرة الخشخاش: أن تكون عصابة ايطالية دولية هي التي قامت بذلك واستفادت من درس السرقة السابقة ويكون أفرادها من السياح الذين درسوا المكان وتوقيتات الدخول والخروج..؟ - أو ان تكون عناصر من داخل المتحف هي التي رتبت وخططت للسرقة بحكم معرفتها بالمكان ومنافذه ومواعيد اغلاقه وإمكانية التسلل إلي قاعة اللوحة؟ وعدد الحراس أربعة فقط! وأشك في إمكانية استعادة اللوحة الأصلية بعد سرقتها للمرة الثانية.. وقطعها »بالكاتر« لانتزاعها من البرواز بما يؤثر علي قيمتها »55 مليون دولار« لانها لم تعد سليمة تماما!