لأن كل ما حولنا ينطق بالحاجة إلي فريق حكومي جديد قادر علي مواجهة التحديات الخارجية والقضايا و المشاكل الداخلية التي تواجهها دولة بحجم مصر . ولأن الواقع يقول إن تحقيق ذلك لن يكون إلا بعد انتخابات مجلس الشعب . ولأني اعرف أن القارئ العزيز يحمل ما يكفيه من هموم الوطن ومن متاعب الحياة التي ضاعفت منها سياسات يتحمل هو تكلفتها من غلاء فاحش ودخول لا تستطيع الوفاء بالاحتياجات الأساسية، وتراجع في الخدمات انتقل من التعليم والصحة إلي الكهرباء والماء.. فلا بأس ولا حرج - في انتظار الفرج - من أن نسلي صيامنا ببعض الفوازير ، خاصة بعد الفشل الكامل بكل محاولات المحطات التلفزيونية لإنتاج فوازير جديدة ، ربما لأن فوازير الواقع أقوي بكثير من فوازير الفن !! الفزورة الأولي من حقنا جميعاً أن نغضب كما غضب النائب العام المحترم المستشار عبد المجيد محمود وهو يعاين متحف محمود خليل للتحقيق في واقعة سرقة لوحة " زهرة الخشخاش". حالة التسيب والإهمال في إجراءات تأمين المتحف صادمة رغم أن النيابة العامة سبق أن نبهت في العام الماضي فقط إلي ضرورة معالجة أوجه القصور في تأمين وحماية الآثار والمقتنيات العالمية بعد الواقعة الشهيرة حين سرقت اللوحات من متحف محمد علي في شبرا ومع ذلك ، ورغم كل التحذيرات، ورغم واقعة سرقة "زهرة الخشخاش" نفسها قبل أكثر من ثلاثين عاماً وعودتها في ظروف غامضة.. رغم كل ذلك، ورغم توفير الإمكانيات لتأمين المتحف، إلا أن الإهمال كان أقوي .. فمن بين خمسين كاميرا مراقبة مجهزة للعمل علي مدي 24 ساعة، كانت 43 معطلة !! وأجهزة الإنذار المرتبطة باللوحات النادرة مثل زهرة الخشخاش كانت كلها أيضاً معطلة. ومسئولو المتحف كانوا يكتفون بتسديد محاضر الجرد اليومي للمقتنيات علي الورق فقط دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد التأكد من وجود هذه المقتنيات .. إزاء كل ذلك ليس مفاجئاً أن تسرق اللوحة وأنما السؤال الفزورة هو كيف ولماذا تركها اللصوص ثلاثين سنة بين السرقة الأولي والسرقة الثانية، إذا كانوا يستطيعون فعلها في أي وقت وبهذه السهولة؟ ** هل لأنهم كانوا مشغولين بسرقة أو استبدال لوحات و مقتنيات أغلي وأثمن من هذه اللوحة التي يقدر سعرها بأكثر من 50 مليون دولار؟ ** هل لأنهم ناس ملتزمون ، والكاتولوج لديهم يقول إن السرقة الثانية لا تتم إلا بعد ثلاثين سنة من الأولي ، وإلا تعرضوا للشروط الجزائية ؟ ** أم أن محمود خليل اشتراها تعهد بتسهيل سرقتها مرة كل ثلاثين سنة .. ومازال بعد كل هذه السنوات علي رحيله من الدنيا، محافظاً علي العهد ؟! الفزورة الثانية الغلاء الذي يطحن الناس بعضه له أسباب مفهومة مثل ارتفاع الأسعار العالمية كما في القمح ، ومثل زيادة التضخم بسبب إفراط الحكومة الرشيدة في الاستدانة . و لكن ماذا عن سلع لم تتغير أسعارها العالمية ولا يوجد أي مبرر لزيادتها ومع ذلك ترتفع أسعارها عندنا بصورة جنونية كما يحدث في اللحوم ؟ الخبير الاقتصادي الكبير الزميل العزيز أحمد النجار يقول بحديث الأرقام التي لا تكذب أن سعر الكيلو من الأبقار الحية المستوردة يتراوح بين 1.1 دولار وبين نصف دولار . ومع تكلفة النقل وإعداد اللحوم للاستهلاك تصل تكلفة الكيلو المشفي إلي عشرين جنيها إذا كان مستورداً بالسعر الأعلي . وإذا أضفنا نسبة ربح 20 ٪ فالمفروض أن يشتري المستهلك كيلو اللحم بما لا يزيد علي 24 جنيها!! والسؤال الفزورة هو : إذا كان الأمر كذلك ، و إذا كان هناك إصرار علي بيع اللحوم بأكثر من ضعف هذا السعر علي أقل تقدير ، فلماذا لا تتدخل الدولة ؟ ولماذا لا تقوم شركة من قطاع الأعمال باستيراد الكميات الكافية و عرضها للمواطنين بأسعارها الحقيقية ؟ ** هل لأن الحكومة نباتية لا تأكل إلا الفول والعدس والخس والجرجير ؟ ** أي أنها حريصة علي تقليل استهلاك اللحوم لأنها تصيب الناس بالأمراض التي يستغلها نواب البرلمان إياهم في التجارة بالعلاج علي نفقة الدولة ؟ ** أم أن مافيا استيراد اللحوم هي صاحبة النفوذ الأقوي داخل الحكومة و خارجها ؟ الفزورة الثالثة الزحام شديد لنيل فرصة الترشيح لمجلس الشعب عن الحزب الوطني. ولذلك قرر الحزب فرض رسوم مالية يدفعها المرشحون لضمان جديتهم. الرسوم بلغت 16 ألف جنيه من كل مرشح ، وقد اعتبرها البعض أقل مما يجب فبدأت " تبرعاتهم " تصل للملايين . وطبيعي أن من يدفع الملايين لكي يحمل اسم الحزب في الانتخابات ، سوف ينفق أضعافها في حملته الانتخابية ، وبالمثل سوف يفعل من يستطيع ومن يملك من المنافسين وهو يعرف أن الحصانة تساوي هذا وأكثر في غياب الحدود الفاصلة بين السلطة والثروة ، وفي ظل الإهمال المتعمد لمواد الدستور التي تمنع الوزراء والنواب وكبار المسئولين من الاتجار مع الدولة بأي شكل من الإشكال . ** هل يعني ذلك أن الباب انفتح علي البحري لكي يكون المال هو سيد المعركة الانتخابية القادمة ؟ ** ام يعني أن مشروع القانون الخاص بوضع الضوابط للعلاقة بين السلطة والثروة قد سار في طريق التأجيل ؟ ** أم أنه يعني أن العمال والفلاحين الذين يفترض أن يمثلوا نصف مجلس الشعب قد تحولوا جميعاً إلي أثرياء قادرون علي دفع الرسوم وتحمل تكلفة الحملات الانتخابية وأن كل ما يجري الحديث عنه من معاناة الناس هو مجرد أوهام ؟!