كيف نتحدث عن مدينة وقرية جميلة ونحن نعاني من انتشار سرطان العشوائيات وآثار الكوارث والسيول التي تحدث دوريا ؟ ... ومع كل حدث وكارثة تطالعنا الصحف وأخبار وحوارات الفضائيات بعناوين وأحاديث مكررة وتصريحات مستهلكة عن حصر العشوائيات وإزالة العشوائيات الأكثر خطورة، وإعداد خرائط لمجري السيول ومراكز للتنبؤ بها وإعداد فوري لمساكن إيواء وزيارات لمسئولين وأحاديث للبعض الآخر (الذي يترفع عن الزيارات الميدانية)... مشهد متكرر لمجتمع يتخبط بين التخطيط والعشوائية، والعلم والفوضي، والانضباط والتسيب ... ويتساءل البعض لماذا يتم التعامل مع كل مشكلة كما لو كانت جديدة ؟ أو أنها لم تتكرر ؟ ولم تحدث من قبل ؟ ... هل نتذكر كمجتمع ما حدث في كوارث السيول في الصعيد والبحر الأحمر وسيناء ؟ وما تقرر آنذاك بشأنها ؟ هل نذكر ما حدث في كارثة الدويقة وما تقرر آنذاك ؟ هل نذكر ما حدث في كوارث الزلزال وما تلاها من خطط وبرامج ؟ ... هل نحن مجتمعات بذاكرة ؟ هل لدي حكوماتنا المتعاقبة ملفات الحكومات السابقة ؟ ... لدينا منذ التسعينات معلومات وخرائط تفصيلية ودقيقة عما يلي ... أولا : جميع العشوائيات في كل المحافظات المصرية وجميع المعلومات الدقيقة عنها، وثانيا : لدينا معلومات تفصيلية وخرائط جغرافية عن ممرات السيول وخطط التغلب عليها، ثم تلي ذلك إنشاء صندوق وجهاز يهدف إلي تقليص العشوائيات والقضاء عليها ... فهل هناك أمل في الحد من انتشارها ونموها السرطاني ... التغلب علي العشوائيات وكوارث السيول يتطلب علما ومعلومات وذاكرة ... ولدينا العلم ولدينا المعلومات وأرجو ألا نكون قد فقدنا الذاكرة ... والسؤال الجوهري لمصر والمصريين هو كيف نتقدم مع وجود العشوائيات ... بدقة شديدة يجب علينا حصارها ومنع زيادتها والحد من انتشارها، وعلي التوازي بناء مصر (الجديدة) التي تستوعب الزيادة في المصريين عبر الزمن بآمالهم وطموحاتهم في عمل وحياة كريمة... إذا لم نستوعب جزءا منهم سيتوجهون حتما إلي العشوائية في المكان، والحياة، والعمل، والفكر، والثقافة ... وسنعاني مع الزمن أضعاف ما نراه علي الساحة الآن في الطريق وفي الإعلام وفي كل مجالات الحياة من انعكاسات لعشوائيات المجتمع وما تفرزه وما تضيفه ... أدعو المسئولين عن التعمير في مصر لقضاء يوم في الأسبوع في عشوائيات مصر للإحساس بمعاناة جزء أكبر من المجتمع ... فهل يمكن أن نضع المخطط الإستراتيجي لمصر حتي عام 2050 يبدأ برؤية وأهداف إستراتيجية بمحاور ومجالات وإطار للتنمية الشاملة ... الرؤية تقترح أنه " بحلول عام 2030 تنتقل مصر من دولة نامية إلي دولة متقدمة متكاملة إقليميا ومندمجة عالميا " وملامحها الرئيسية (1) دولة آمنة، (2) اقتصاد كفء قادر علي المنافسة، (3) مجتمع ديمقراطي متكامل اجتماعيا، (4) دولة ذات ريادة إقليمية وتأثير دولي ... أين المكان والأرض وحياة الإنسان من هذه الرؤية ... ؟ هناك فلسفة ومقترحات مختلفة حول تنفيذ هذه الرؤية أحدها بفلسفة النقلة النوعية وهو إعداد خريطة لمصر (جديدة) بمدن وقري يتكامل معها الحالي، ووجهة النظر الأخري (للأسف هي المطروحة) هو تطوير البنية التحتية بفلسفة التحسين التدريجي لما يمكن تحسينه ... وينتج عن ذلك بالطبع - مع الزمن - فجوة كبيرة بين ما يمكن أن تقوم به الحكومات وبين احتياجات المجتمع ... والنتيجة عشوائيات تزداد عددا وسكانا وتتفاقم مشاكلها وتنتقل من حكومة لأخري... ويدفع المجتمع والوطن ثمن ما لا تقوم به الحكومات المتعاقبة... وللحديث بقية