[email protected] في جميع دول العالم تقوم منظمات غير حكومية NGOs بدور فاعل في حماية المستهلك وبدور رقابي يخول لها إجراءات قانونية عبر قوانين مقننة تزيد من فعالية دورها في الاستقرار المجتمعي. الوضع في مصر مختلف فجهاز حماية المستهلك ذو الصلاحيات هو جهاز حكومي بصلاحيات حكومية محددة لا تتبع القوانين العالمية وإنما فقط تقتصر علي مراقبة مواصفات المنتج ولا تهتم إلا بوجود فاتورة مع المشتري تثبت حقه في سلعة غالبا ما تكون معمرة بدءا من السيارة وحتي جميع الأجهزة الكهربية وبالتالي فلا شأن لها بضبط الأسعار في أسواق التجزئة أو متابعة حالات المبالغة في الربح أو الزيادة غبر المبررة في الأسعار وفي الغالب فهي لا تهتم بالسلع الغذائية وتبقي بعيدة تماما عنها علي الرغم من أن أسعار السلع الغذائية هي التي تتحكم في المؤشر العام للأسعار داخل الدول وخاصة في الدول النامية. فإذا كان جهاز حماية المستهلك ليس له شأن بأن ترتفع أسعار اللحوم والدواجن بصورة غير مبررة ولا يقوم بإجراء دراسات عن أسباب هذه الزيادة ويرفع تقريرا عن كونها زيادة واقعية أم مجرد استغلال لموسم من مواسم ذروة الاستهلاك الغذائي، كما أنه ليس من صلاحياته الدعوة إلي مقاطعة منتجات بعينها أو اتخاذ إجراءات محددة ضد التجار المستغلين والجشعين ولا يصدر أسعارا استرشادية للسلع الغذائية بناء علي أسعار شرائها من الحقول وعنابر التربية والأسواق أو أسعار شراء موادها الخام بالنسبة لبعض السلع الغذائية المصنعة من توليفات مختلفة مع الاهتمام بالتوصية الدائمة بفتح الباب أمام الاستثمار المتعدد من شركات التصنيع الغذائي والتجميد والتبريد والمركزات والألبان واللحوم والدواجن المصنعة والمبردة لزيادة التنافسية في الأسواق والبعد عن شبهات الاتفاق أو الاحتكار. وهناك ثلاثة مواسم رئيسية في مصر لذروة استهلاك الغذاء وهي دخول المدارس ثم عيد الأضحي ولكن يأتي علي رأسها شهر رمضان المبارك والذي دائما ما يشهد أعلي ارتفاعات غير مبررة في أسعار الغذاء استغلالا للإقبال المتزايد من المواطنين في ظل ترك أمر الأسواق كلية للقطاع الخاص مع تكبيل أيدي المجمعات الاستهلاكية لتقوم بدورها في حوكمة الأسواق وضبط الأسعار. فعلي سبيل المثال فإن التجار اشتروا فول التدميس هذا الموسم من المزارعين في شهري مايو ويونيه الماضيين بسعر جنيه واحد فقط للكيلوجرام ومع ذلك باعوه في الأسواق بسعر أربعة جنيهات حتي منتصف شهر شعبان ثم رفعوه إلي خمسة وستة جنيهات قبيل بداية شهر رمضان!! والجميع يكتفي بدور المتفرج تعظيما لدور غير شريف ومستغل للقطاع الخاص. وبالمثل أيضا فإن تجار المواشي يشترون الكيلوجرام القائم من العجول بمبلغ 23 جنيها ومن المفترض أن نسبة تصافي اللحوم تزيد عن 50٪ وبالتالي لا يجب أن يزيد سعر اللحوم البلدية الطازجة عن خمسين جنيها وبحد أقصي 53 جنيها ولكنها تباع الآن استغلالا للشهر الفضيل بسعر 65 جنيها بربح يزيد عن 15 جنيها في الكيلوجرام الواحد!!! وهو ربح مغالي فيه بشدة وبالمثل أيضا أسعار الدواجن ومنتجات الألبان والطماطم والبصل، وخاصة الطماطم والبصل والتي لا يزيد سعرها في الحقول عن خمسين قرشا فقط وغالبا ما تشتري بخمسة وعشرين قرشا فقط ولكنها تباع في الأسواق بسعر يتراوح بين خمسة إلي عشرة أضعاف سعر الشراء!!. وبالمثل أيضا فالموز والبطاطس تباع في الحقول بسعر لا يزيد عن جنيه واحد ولكنها تباع في الأسواق بأربعة جنيهات وبمباركة كاملة من جميع الأجهزة التي تركت الأسواق حرة أكثر من الحرية التي تتمتع بها أسواق أمريكا والغرب بجمعياتهم الفعالة والفاعلة في حماية المستهلك. قد يكون عدم نضج الأسواق في مصر ووصولها إلي مرحلة الاتزان بالإضافة إلي نوعية العاملين في تجارة السلع الغذائية الطازجة وتجار الخضراوات والفاكهة واللحوم دور مهم في هذا الانفلات ولكن الدور التثقيفي والضابط من الدولة والمحليات وجمعيات حماية المستهلك لأسواق التجزئة في مصر غائب تماما ويمكن أن نطلق عليه جمعية حماية فواتير المستهلك، أما المستهلك نفسه أو الأسواق فحمايتهما غائبة والجمعيات الأهلية التي تعمل تطوعا في هذا المجال مغلولة الأيدي وبدون صلاحيات رقابية أو قانونية في ظل سطوة وسيطرة وتكاتف من القطاع الخاص ضد هذه الجمعيات المقهورة والمغلوبة علي أمرها. وحتي التعاونيات الزراعية التي كانت من نتاج الإصلاح الزراعي لتحقيق أعلي عائد للمزارعين وتقليص استغلال التجار للمزارعين وتعدد الوسطاء لأنها كانت تأخذ السلع الغذائية مباشرة من المزارعين لطرحها في أسواق الجملة تم إلغاؤها في إطار منح دور أكبر للقطاع الخاص الشريف والذي لم يكن علي المستوي المأمول كعادته فهو لا يعمل أبدا دون رقابة ومتابعة. وبالمثل أيضا كان إلغاء بورصة تداول القطن دون مبرر فرصة كبيرة لسيطرة التجار علي أسعار استلام القطن من المزارعين في ظل استحالة تخزينه في البيوت أو الحقول تحسبا لكوارث أمنيه أو تزايد نسبة الرطوبة به سواء من الأمطار التي تأتي بعد شهر واحد فقط من جنيه أو من الرطوبة النسبية المرتفعة في أواخر شهور الصيف. يبدو أن الأمر يحتاج إعادة نظر فعلية في إنشاء كيان جديد وفعال وذي صلاحيات واسعة لحماية المستهلك وحوكمة الأسواق بدلا من جمعية حماية فواتير المستهلك الحالية في ظل أسواق تجزئة منفلتة وخسائر متتالية للمزارعين منتجي الغذاء وأسعار مرتفعة علي مستهلكين من محدودي الدخل وفي ظل الاعتراف بأن 90٪ من المصريين أصحاب بطاقات تموينية وهي النسبة الصحيحة تماما لمحدودي الدخل في مصر حيث ما زالت الحسابات الحكومية الخاصة بتحديد محدودي الدخل تتعامل بزمن السحتوت وليس بالواقع الحالي للأسعار وما يجب أن يقابله من مستويات دخول مقارنة بما يحيط بنا من دول. كاتب المقال : أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة