العنصرية ترفع رأسها في إسرائيل.. كما ان تعريف اسرائيل بأنها »دولة يهودية« يقضي علينا بان نعيش في دولة عنصرية«. هذا ما يقوله المحلل والمعلق الاسرائيلي »جدعون ليفي« في صحيفة »هآرتس« الاسرائيلية. أما الصحفي الاسرائيلي »نيف جوردون«، فانه يقول: »الان ادركت فجأة إلي أي مدي اصبحت اسرائيل مستعدة لتحقيق هدف تهويد منطقة النقب.. وما شاهدته بعيني رأسي، لم يكن سوي عملية تطهير عرقي«. جاءت هذه التعليقات بمناسبة ما حدث في الساعة الرابعة والنصف من صباح يوم 72 يوليو الماضي عندما اقتحم أكثر من الفي جندي اسرائيلي مدججين بالسلاح.. قرية »العراقيب« في صحراء النقب ودمروا 54 بيتا يعيش فيها 003 انسان بينهم 002 طفل نصفهم لم تبلغ اعمارهم 61 سنة، خلال اقل من ثلاث ساعات. وكانت ترافق تلك الحملة العسكرية التي يستقل افرادها عشرات العربات الحربية الناقلة للجنود.. قافلة من البولدوزرات. وتحولت اكواخ الصفيح التي يقيم فيها سكان القرية إلي ركام يتصاعد منه دخان الحرائق. وعندما وصل الصحفي الاسرائيلي »نيف جوردون« الي القرية عقب الاقتحام، وجد الاطفال يبحثون بلا جدوي عن مكان يحتمون فيه من شمس الصحراء الحارقة. أهل القرية - الضحايا - هم السكان الاصليون لصحراء النقب. انهم البدو من العرب الفلسطينيين. الان يقيمون في العراء. كرر الجنود الاسرائيليون ارتكاب نفس الجريمة ثلاث مرات خلال ثلاثة اسابيع. ورغم حرص الغزاة علي دفن الواح الصفيح، التي كانت تشكل مواد بناء تلك البيوت..، الا ان البدو كانوا يخرجونها من مدافنها ويعيدون بناء بيوتهم، وهم يعلمون - سلفاً - أن الجنود سيعودون لهدمها. ويقول القرويون: »يهدمون ونبني.. ونبني ويهدمون، ومهما هدموا.. سنظل نبني«. ولم ينس الغزاة اقتلاع 058 شجرة من اشجار الزيتون التي زرعها البدو حول القرية، وتدمير حظائر الدجاج وأي شئ يصلح لكي يكون من مقومات الحياة في تلك البقعة القاحلة من الارض. هناك 551 الف عربي فلسطيني بدوي في النقب، نصفهم يقيم في قري غير معترف بها - من جانب الحكومة الإسرائيلية -، وهي قري بلا كهرباء، وبلا مياه نقية، وبلا طرق وبلا صرف صحي، وسكانها محرمون من التعليم والرعاية الصحية ووسائل المعيشة. ويبلغ عدد القري التي لا تعترف بها إسرائيل 54 قرية، وهي معرضة للتدمير في أي وقت، كما حدث لقرية »العراقيب«. رغم ان هذه القري لا تظهر فوق الخرائط الرسمية الاسرائيلية..، الا أنها موجودة قبل سنوات طويلة من تأسيس دولة اسرائيل. بل ان الامبراطورية العثمانية اعترفت بسلطة قبائل البدو العرب الفلسطينيين علي اقليم النقب بعد قيامها بافتتاح مركز إداري لجنوب فلسطين في بئر سبع عام 0091 يشرف علي محطة للسكك الحديدية وعدة مدارس. وتم مد خط السكة الحديد، الي ميناء رفح بعد ذلك. وكان عدد بدو فلسطين في عام 4191 يتجاوز 55 الف نسمة، بينما لم يتجاوز عدد اليهود 89 شخصا في عام 2291. والنقب (41 الف كيلو متر مربع) تشكل اكثر من نصف مساحة اسرائيل الان. وعاش بدو النقب - تاريخيا - علي رعي الاغنام والماعز، وكانت ندرة المياه سبباً في دفعهم الي التنقل من مكان الي مكان. وعندما جاء الاحتلال الاسرائيلي.. أرغم قبائل البدو علي النزوح بالقوة من أراضي اجدادهم عقب حرب 8491. وأعتبرت اسرائيل ان اراضي النقب من »املاك الدولة«، وبالتالي يحق لها طرد أي ساكن فيها.. ولابد ان يكون هذا الساكن - بطبيعة الحال - من عرب فلسطين. واصدرت الحكومات الاسرائيلية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عدة قوانين تبيح لها وضع يدها علي مساحات شاسعة من اراضي النقب التي كان يملكها ويستثمرها البدو. وما أعتبرته اسرائيل »أراضي دولة« هي الأراضي التي عاش فيها البدو من عرب فلسطين طوال خمسمائة سنة! أعداد كبيرة من البدو لم تسجل املاكها من الاراضي اثناء الحكم العثماني والاحتلال البريطاني.. حتي لا يضطروا لدفع ضرائب باهظة. وهكذا قررت اسرائيل اعتبار وجود السكان البدو علي »اراضي الدولة« الجديدة »غير قانوني« و »غير معترف به«!! ووصل الامر الي حد إصدار قانون اسرائيلي يحول دون قيام. البدو برعي ماشيتهم.. بحجة الحفاظ علي الارض من التآكل!! ومعني ذلك ان هؤلاء البدو لا يستطيعون ممارسة الزراعة والرعي وتلبية متطلبات استمرار الحياة. وفي بعض الاحيان تطلب الحكومة الاسرائيلية من البدو الاقامة في واحدة من المجمعات السكانية الاكثر فقراً والمحرومة من مقومات الاعاشة، ولا توجد بها بنية اساسية أو فرص عمل ولا توجد بها مراعي للماشية.. وتشترط الحكومة علي البدو التخلي عن الحق في حيازة ممتلكات اجدادهم كشرط للانتقال الي تلك المجمعات البائسة وهو ما يرفضه الذين توارثوا ارضي الاجداد لأجيال متعاقبة. اسرائيل وضعت خطة تهويد النقب بكامله. ولذلك تخصص مساحات كبيرة من الأراضي في الاقليم لإقامة مزارع كبيرة خاصة. وتوجد الآن 95 مزرعة من هذا النوع تمتلكها عائلات يهودية تشغل مساحة تزيد علي 18 الف دونم (الدونم يساوي الف متر)، وتولت الدولة ربط هذه المزارع بشبكات المياه والكهرباء الحكومية. وفي 21 يوليو الماضي، صدرت سلسلة من القوانين الاسرائيلية لتقنين اوضاع تلك المزارع ولإقامة المزيد منها. ودمرت اسرائيل الآلاف من بيوت البدو في النقب منذ السبعينيات، وقامت »الإدارة الاسرائيلية للأراضي« برش محاصيل هؤلاء البدو بالمبيدات كوسيلة لإرغامهم علي مغادرة اراضيهم. وجاءت عمليات التطهير العرقي في قرية العراقيب بعد يومين فقط من اجتماع للحكومة الاسرائيلية - يوم 52 يوليو الماضي - اعرب خلاله رئيس الوزراء نتنياهو عن قلقه ازاء »خطر« داهم يتمثل في احتمال ان يفقد اليهود اغلبيتهم العددية في النقب! وقال نتنياهو في ذلك الاجتماع: »اننا نتعرض لهجوم حقيقي.. لان ما يحدث يعني ان عناصر مختلفة يمكن ان تطالب بحقوق قومية داخل اسرائيل، وعلي سبيل المثال في النقب، إذا سمحنا بوجود منطقة بدون اغلبية يهودية.. انه تهديد صريح«!! يقول »جوستورك«، نائب مدير ادارة الشرق الاوسط في منظمة »هيومان رايتس ووتش« الامريكية المدافعة عن حقوق الانسان، ان الهجوم علي قرية العراقيب »يبرهن علي ان سياسات اسرائيل القائمة علي التمييز ضد البدو العرب الفلسطينيين، لم تتغير، بل تجري بطريقة منهجية وتمزق قري البدو التاريخية وتسلم اراضي هؤلاء البدو إلي اليهود لاقامة مزارع كبيرة خاصة«. وفي الاعلان الصادر عن الاممالمتحدة عام 7002 بشأن حقوق السكان الاصليين نص واضح يحظر نقل هؤلاء السكان من اماكنهم بدون موافقتهم المسبقة وارادتهم الحرة، وبعد الاتفاق المسبق علي تعويض عادل. وينص الإعلان علي حق هؤلاء السكان في الاراضي التي يملكونها - تقليديا - او يشغلونها او يستثمرونها، ويطالب الدول بتقنين اوضاعهم. .. ولكن الدول العنصرية تتحدي دائماً كل القوانين والشرائع الدولية وتهدر حقوق الانسان.