الدائرة على الخريطة توضح موقع مدينتى العقبة وإيلات ومنطقة سيناء على خليج العقبة بالبحر الأحمر احسب ان الضرورة تقتضي منا الآن - وقبل أي شيء آخر - أن نضع نقاطا ظاهرة فوق الحروف، حتي لا نترك أدني فرصة للبس أو عدم الفهم لدي أحد،..، وان نقول بوضوح كامل، لكل من تسول له نفسه المريضة، في أي لحظة، من اللحظات، المساس بأمن مصر، انه يرتكب خطأ قاتلا، بل خطيئة لا تغتفر، اذا ما توهم انه سيفلت من الحساب والعقاب الرادع، بكل الحزم اللازم والسرعة الواجبة. وقد يكون من الضروري الآن، أن يكون راسخا في اذهان جميع الأشاوس من زعماء وقادة الفصائل الفلسطينية في غزة، علي اختلاف توجهاتهم وإنتماءاتهم الفكرية والعقائدية، ان مصر التي وقفت دائما بجانب الشعب الفلسطيني وتبنت ولا تزال قضيته العادلة، لا ولن تقبل علي الاطلاق، ان يكون جزاء ذلك أو نتيجته المساس بأرضها، أو الاخلال بالأمن والاستقرار علي هذه الارض سواء في سيناء أو غيرها، بأي صورة من الصور، وبأي شكل من الاشكال. اقول ذلك بكل الوضوح، وكل الدقة، بمناسبة ما اثير خلال الايام القليلة الماضية، حول واقعة اطلاق عدد من الصواريخ علي منطقتي العقبة وايلات، وما تواتر من اخبار حول افتراض او احتمال ان يكون الاطلاق قد تم من سيناء،..، وما أشارت إليه المعلومات الأولية لجهود البحث الأمني، بوقوف فصائل فلسطينية من قطاع غزة وراء هذه العملية. وتلك مسألة بالغة الخطورة، ولا تهاون فيها أو معها علي الاطلاق من جانب مصر، ويجب ان يكون مؤكدا لدي الكافة من زعماء وقادة الفصائل دون استثناء، وفي المقدمة منهم حماس بوصفها المسيطرة والمهيمنة علي مصائر ورقاب العباد في غزة، ان مصر لا يمكن ان تتسامح علي الاطلاق تجاه مثل هذا النهج الخطير والمعوج في السلوك والفعل. وأزيد علي ذلك بالقول، ان علي كل هؤلاء، وفي المقدمة منهم حماس، الحذر من الوقوع ضحية الفهم الخاطيء لصبر مصر، وسعة صدرها، وعليهم جميعا الادراك بأن مصر لا يمكن ان تقبل انزلاق البعض بالغفلة، أو الجهل، أو بسوء القصد، وفساد الطوية والإساءة اليها، والاعتداء علي سيادتها، أو المساس بأمنها، أو استخدام أرضها فيما لا تسمح به أو توافق عليه،... كما انها لا يمكن ان تسمح بمحاولات جرها الي مسالك مرفوضة، وطرق مسدودة.
كان ذلك تحذيرا واجبا، وتنبيها ضروريا لابد من تسجيله بوضوح، ودون لبس أو ابهام قبل ان نتحدث عن آفاق عملية السلام الفلسطيني الاسرائيلي، وما يكتنفها الآن من ضباب وغيوم نتيجة التسويف الاسرائيلي من جهة وغيبة الموقف الفلسطيني الموحد من جهة أخري. وقد رأينا ان نبدأ بهذا التحذير وذلك التنبيه حتي لا يقع البعض ممن في قلوبهم مرض، وعقولهم سفه، فريسة وهم خادع يصور لهم سعة صدر مصر، وطول صبرها علي غير حقيقته.
والآن إذا ما تناولنا فرص السلام فلابد أن نقول أنه وللأسف الشديد، لا تبدو في الأفق القريب بارقة أمل، توحي أو تشير إلي قدرة أشاوس حماس، وقادتها الذين تسببوا في جريمة الانقسام الفلسطيني، وفصل غزة عن الضفة، علي الارتفاع إلي مستوي المسئولية الوطنية، والقومية، وادراك مدي الخطأ، بل الخطيئة التي ارتكبوها في حق الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، ومدي الضعف الذي لحق بهذا الحق، نتيجة هذا الفعل الفاضح. نقول ذلك بوضوح شديد، حتي لا يلتبس الأمر علي أحد منا، أو من غيرنا، ونضيف عليه انه من المؤسف حقا، ان نري حماس سادرة في غيها، مصرة علي رفض المصالحة، ومصرة علي الاستمرار في فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، مادام ان ذلك يحقق لها أحلامها المريضة في تولي السلطة والحكم علي غزة، والهيمنة علي شئون ومصائر المواطنين هناك، حتي ولو كان ذلك متعارضا مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني. ونقول أيضا، أن حماس وهي ترتكب ذلك، تقوم به مع سبق الإصرار والترصد، تغمض عينيها عن حقيقة واقعة، تؤكد ان جميع الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية إقليميا ودوليا، تتطلب، بل تحتم، وحدة الشعب الفلسطيني، والرجوع عن الانقسام، ووضع حد نهائي لانفصال غزة عن الضفة، وتحتم كذلك اتفاق جميع الفصائل الفلسطينية علي كلمة سواء وجهد موحد يدفع في اتجاه الوصول للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولكن للأسف يبدو ان حماس تري ان وجودها في سدة الحكم، والتحكم في غزة، هو عين الصواب، حتي لو كان علي حساب الشعب الفلسطيني كله، وحتي لو ادي إلي ضياع الحلم الفلسطيني في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة علي الأراضي المحتلة عام 7691، أي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدسالشرقية. وفي هذا السياق تحضرني كلمات واضحة المعني والمضمون، وبالغة الدلالة، قالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال حوار معه جري في القاهرة منذ اسبوع في حضور مجموعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية،...، قال الرجل، ان حماس لا تريد المصالحة، وإنها تتهرب بكل الوسائل، وتتزرع بكل الحجج كي لا توقع اتفاق المصالحة الفلسطينية. وأكد أبومازن، ان ايران تمنع حماس من التوقيع علي اتفاق المصالحة الآن، وهي التي منعتها قبل ذلك، رغم ان حماس كانت قد وافقت علي نصوص اتفاق المصالحة عندما عرضتها عليها مصر، متصورة في ذلك الوقت ان السلطة الفلسطينية وفتح لن توافقا علي الاتفاق، وأضاف أبومازن ولكنهم تراجعوا عن موافقتهم عندما وافقنا نحن علي الاتفاق بتحريض من إيران.
وعندما قلت للرئيس الفلسطيني انه إذا كانت حماس ترفض المصالحة لأنها تري، بقصر النظر، ان الأولوية المطلقة بالنسبة لها هي استمرار وجودها علي كرسي الحكم في غزة، فما المصلحة الايرانية في استمرار انفصال غزة عن الضفة، واستمرار غيبة المصالحة الفلسطينية؟! أجاب أبومازن، أليس ذلك واضحا؟،...، ثم استطرد أحسب انه واضح، ولا يحتاج إلي مزيد من الشرح، حيث ان لإيران مخططات ومطامح إقليمية بالمنطقة، وتري ان من صالحها ان يكون لها نفوذ وسيطرة علي حماس يعطيانها القدرة علي استخدام الورقة الفلسطينية خلال تفاوضها مع الغرب والولايات المتحدة، وأيضا يزيدان من نفوذها بالمنطقة، وهذا يمكن ان يتحقق بدعمها لحماس، واستمرار حماس مسيطرة علي غزة. وأضاف الرئيس عباس، ان الواقع الواضح يؤكد في ذات الوقت، ان إسرائيل تدعم الانفصال والانقسام الفلسطيني، واستمرار غزة بعيدة عن الضفة، لأن لها مصلحة مؤكدة في اضعاف الفلسطينيين، ووجود أسباب وعوائق تقف في طريق وحدة الصف الفلسطيني، وتعوق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وهنا قلت معقبا لأبومازن، إذن نحن أمام توافق في المصالح بين حماس التي تري من مصلحتها تولي الحكم والسيطرة علي غزة، وإيران التي تري من مصلحتها دعم موقف حماس، وأيضا إسرائيل التي تري ان من مصلحتها إضعاف الفلسطينيين، واستمرار خلافاتهم، وغيبة وحدتهم، واستمرار انفصال غزة عن الضفة. قال الرجل: للأسف هذا هو الوضع القائم.
وفي هذا الإطار، أحسب انه من المهم ان نلفت النظر إلي أنه لا خلاف بين أحد من الفلسطينيين، أو العرب، أو غيرهم من المهتمين بالقضية الفلسطينية، والمدافعين عنها، علي ان تلك القضية لم تكن في أي وقت من الأوقات في أمس الحاجة إلي دعم ونصرة أبنائها، وقادة فصائلها، علي تنوع انتماءاتهم وتعدد توجهاتهم، أكثر مما هي فيه اليوم، حيث ينشغل العالم كله الآن بضرورة التوصل إلي حل شامل ودائم للقضية علي أساس قيام الدولتين. ونلفت النظر أيضا، إلي تطلع جميع المهتمين بالقضية الفلسطينية، إلي اللحظة التي يرون فيها عودة الوعي إلي قادة الفصائل، وخاصة الأشاوس في حماس، وارتفاعهم إلي مستوي المسئولية الوطنية والقومية، وتخليهم عن المصالح الضيقة والذاتية، ووضع الأولوية المطلقة للمصلحة الحقيقية للشعب الفلسطيني، والسير في طريق المصالحة ووحدة الصف، خاصة أنها تدرك باليقين ان إسرائيل تستخدم ورقة الخلافات الفلسطينية، والانقسام القائم بين غزة والضفة، للتأكيد للعالم انها لا تجد المفاوض الفلسطيني الواحد، كي تبحث معه الاتفاق والحل. وفي هذا السياق، نقول إننا وكل المتعاطفين بالطبيعة، مع القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكل الساعين لدعم مسيرته للوصول إلي حلمه في إقامة الدولة المستقلة، كنا ومازلنا نأمل ان يدرك أشاوس حماس، ان مصلحتهم الحقيقية والدائمة ليست مع ايران، الساعية لاستخدامهم لتحقيق مآربها في المنطقة،..، كما انها ليست بالقطع مع إسرائيل الساعية لاستمرار خلافاتهم مع السلطة الفلسطينية، لأن ذلك يحقق أهدافها. وكنا نتمني ومازلنا، ان يثوب هؤلاء الأشاوس إلي رشدهم، ويدركوا ان مصلحتهم الحقيقية والدائمة هي في رأب الصدع الفلسطيني، والسعي للمصالحة الشاملة، وعودة غزة إلي الحضن الفلسطيني،..، ويدركوا ان ذلك يدعم ويقوي الموقف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، ويفتح الباب لزيادة الضغط الإقليمي والدولي عليها لتحقيق السلام، ويسد في ذات الوقت جميع المنافذ التي تستخدمها للتهرب من استحقاقات السلام. فهل يتحقق ذلك؟!