العناية بكتاب الله تعالي، من أهم ما يجب علي الأمة ان تحرص عليه. ولقد وعي أصحاب رسول الله »صلي الله عليه وسلم« هذه الحقيقة، فكانوا أحرص ما يكون علي حفظ كلام الله تعالي، وفهم معانيه وتطبيق ما يدعو إليه. فكانوا إذا نزل عشر آيات من القرآن لا يتجاوزونها حتي يحفظوها، وحتي يفهموا ما فيها ويطبقوا ما تدعو إليه ويعملوا بها، قالوا: فحفظنا القرآن والعلم والعمل جميعا. القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي اعجزت الفصحاء والبلغاء، والادباء والشعراء، والانس والجن لقد عجزوا عن ان يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من مثله، »قل لئن اجتمعت الانس والجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا«. ولأن القرآن الكريم معجزة علمية عقلية خالدة لا تنتهي في زمن محدد كسائر المعجزات الحسية المادية التي لا يدركها إلا من شهدها بل هو خالد إلي يوم الدين ولان الله تعالي تكفل بحفظه كما قال الله تعالي: »انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون«، لهذا كله رجا رسول الله »صلي الله عليه وسلم« ان يكون أكثر الأمم تابعا يوم القيامة، حيث قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »ما من الانبياء نبي الا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وانما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ فأرجو ان أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة«، رواه البخاري. ولما كان القرآن الكريم مشتملا علي ما فيه سعادة الخلق دنيا وأخري وكان معجزا بأساليبه وتراكيبه، وبألفاظه ومعانيه، وبأخباره الماضية عن أمم انتهت وحضارات بادت وعن حاضر الأمم ومستقبلها، ولانه صالح ويصلح لكل زمان ومكان، لما كان كذلك فقد رأينا من سمعه من غير المسلمين، عندما يتجرد من التعصب لا يسعه إلا ان يؤمن بالقرآن ويمن أنزل القرآن وبمن أنزل عليه القرآن، فقد قال قائلهم قديما: »ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اسفله لمغدق وانه يعلو ولا يعلي عليه، وما هو بقول بشر«. وسمعه الجن فانطلق مرددا في الآفاق »انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا«. وسمعه احد المستشرقين وهو غير مسلم فأعلن عظمة القرآن واعترف به قائلا: »لو وجد القرآن في فلاة -أي في صحراء- ولم نعرف من جاءبه لعلمنا انه من عند الله«. ولم يقتصر تأثير القرآن الكريم علي الانس والجن والمسلمين وغير المسلمين بل امتد تأثيره حتي للعجماوات وللحيوانات حتي رأينا هذا التأثير عندما كان يقرأ أسيد بن حضير فتجول فرسه فإذا أمسك عن القراءة امسكت الفرس حتي خاف علي ولده يحيي وكان نائما، فخرج ونظر إلي السماء فرأي أمثال الظلة فيها أمثال المصابيح فسأل رسول الله »صلي الله عليه وسلم« عما رأي، فقال له: تلك ملائكة الله نزلت تتسمع لتلاوة القرآن ولو ظللت تقرأ لظلت الملائكة حتي رآها الناس في الصباح« رواه البخاري. وفي هذا كله ما يدل علي قوة تأثير القرآن الكريم وما فيه من عظمة واقناع. ولما كان للقرآن لكريم هذه القوة في التأثير، فقد خاف منه اعداء الإسلام ورأوا ان له أكبر الاثر في قوة المسلمين ووحدتهم وانتصارهم حين يتمسكون به، فسعوا جاهدين علي اقصاء المسلمين عن القرآن بوسائل اللهو والاعلام والفنون التي تشغلهم وقال احد زعمائهم في احد المؤتمرات: لا قرار لنا ما دام هذا المصحف في أيدي المسلمين. وكانت هجمات أعداء الإسلام علي القرآن قديمة منذ نزل القرآن وافتري المشركون واعداء الدين عليه فكانوا يقولون عن القرآن انه سحر وكانوا يقولون عن الرسول »صلي الله عليه وسلم« انه افتراه واختلقه، فرد الله عليهم. حيث قال الله تعالي: »وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين، أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفي به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم«. وهجمات اعداء الإسلام علي القرآن حديثا ظهرت في صور كثيرة منها محاولة تدنيس المصحف ومنها قيام بعض الفضائيات المشبوهة بالقدح في القرآن، وهذا كله لن ينال من كتاب الله منالا فالله سبحانه تكفل بحفظه، فحفظ في الصدور وفي السطور قال الله تعالي: »إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون«.