بيننا من يعتقد مخلصا ان أوباما هو المخلص او المسيح المنتظر الذي سيخلص منطقة الشرق الأوسط من الاحتلال الاسرائيلي وآخرون - وانا بينهم - يؤمنون بأن الولاياتالمتحدة مهما كانت إداراتها فهي فريسة للنفوذ الاسرائيلي واللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة بل والكونجرس الامريكي الذي هو أكثر تطرفا من الكنيست الاسرائيلي نفسه. قد يظن البعض في ذلك مبالغة ويعتقد ان الولاياتالمتحدة ستدرك مصالحها الحقيقية وان تأييدها الأعمي لإسرائيل لن يؤدي الا الي زيادة العداء لها حول العالم وليس فقط بين الشعوب العربية والإسلامية طبقا للمنطق هذا صحيح ولكن بالنسبة للسياسات الأمريكية فيما يتعلق بإسرائيل فإنها لا تخضع لحسابات المصلحة الامريكية بل لا مانع لدي عدد كبير من رجال اي إدارة أمريكية او الكونجرس من الاضرار بالمصالح الأمريكية ما دام ذلك يجعل إسرائيل راضية عنهم ويحصلون علي تأييد اليهود الامريكيين في اي انتخابات سواء رئاسية او محلية الي جانب ميزات أخري. ما المناسبة إذن في هذا المقال؟ لقد تابعنا خلال الشهور الأخيرة الأنباء التي »تحدثت« عن أزمة مزعومة في العلاقات الأمريكية الاسرائيلية وكيف ان أوباما شخصيا تعمد ان يكون باردا مع نتنياهو خلال زيارته قبل الأخيرة بواشنطون الخ.. طبعا كل هذه الايحاءات لم تنطل علي القيادات الاسرائيلية الذي يوقنون ان الادارة الأمريكية ستؤيدهم في كل الأحوال ففي خضم هذه الأزمة تلقت اسرائيل هبات ضخمة من الكونجرس والإدارة تمثلت في مئات الملايين من الدولارات في شكل اسلحة جديدة، معونات اقتصادية بل وتكشفت فضيحة حول استغلال مئات الملايين من الدولارات الأمريكية المعفاة من الضرائب في دعم المستعمرات الاسرائيلية ولم تنطق الإدارة الأمريكية بأي كلمة في هذا الشأن.. هل تتذكرون موضوع مؤتمر الاممالمتحدة لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وما قيل عن ان الولاياتالمتحدة »تخلت« عن إسرائيل بسماحها ان يتضمن البيان الختامي عبارة حول الدعوة الي عقد مؤتمر لبحث جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية عن »ثورة« إسرائيل وشعورها بخيانة أمريكية الخ.... طبعا هذا غير صحيح بالمرة فقد رأينا ان زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطون حققت لإسرائيل اكثر مما كانت تهدف واعتبرت ان ما حدث في الشهور الاخيرة هو مجرد سحابة صيف قد انقشعت ويري البعض ان ذلك يرجع الي حرص إدارة أوباما علي إرضاء إسرائيل بشتي الطرق خاصة قبل انتخابات الكونجرس الامريكي بعد شهور قليلة وان الحصول علي الضوء الأخضر من إسرائيل للجالية اليهودية الامريكية في هذه الانتخابات ضروري من اجل نجاح الحزب الديمقراطي بل وأوباما نفسه في الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. الأخطر من ذلك ما اذاعه راديو الجيش الاسرائيلي بأن الولاياتالمتحدة ارسلت مذكرة سرية الي الحكومة الاسرائيلية تلتزم فيها بالتعاون النووي بين الجانبين - اي الامريكي بإسرائيل وليس العكس - وان تزود إسرائيل بالوقود الذري والمعدات والتكنولوجيا النووية الامريكية بالرغم من ان اسرائيل ليست عضوا في معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية معروف - بل وتأييد - كل الإدارات الامريكية بما فيها الإدارة الحالية بالبرنامج النووي العسكري الاسرائيلي في حين تقيم الدنيا ولا تقعدها حول مجرد »نوايا« إيرانية اذ تقول ان طهران »تفكر« و»تهدف« الي انتاج أسلحة نووية بالرغم من القلق المشروع من البرنامج الايراني. هذا بالطبع مثل التعهد الذي أعطاه رسميا الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الي شارون رئيس وزارة إسرائيل السابق. وقال راديو الجيش الاسرائيلي ان واشنطون بذلك تضع إسرائيل في نفس مرتبة الهند غير المنظمة أيضا الي معاهدة منع الانتشار النووي ووقعت واشنطون معها اتفاقية للتعاون النووي ولا يجب ان ننسي هنا ايضا بالمناسبة التعاون العسكري الوثيق جداً بين اسرائيل والهند. ولذلك يؤكد الراديو الاسرائيلي ان أوباما اكد لنتنياهو انه بالنسبة للمؤتمر الخاص بالشرق الاوسط فإن الولاياتالمتحدة ستسعي وستصمم علي ان تكون للمؤتمر أجندة واسعة تتعدي المسألة النووية وان المؤتمر لن يعقد الا اذا شعرت جميع الدول - اي اسرائيل بالذات - بالثقة من جدوي المشاركة فيه وان التركيز علي إسرائيل سيجعل من غير الممكن عقد هذا المؤتمر من أساسه وان الدولتين تعهدتان بأن تعملا في تعاون وثيق لهذا الغرض عند بحث هذه المسألة امام المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر القادم هذا اضافة الي التأكيد علي ضمان واشنطون علي عدم اتخاذ اي اجراء »يضر« بأمن إسرائيل. وقد عد نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي دان مريدور المسئول عن المسائل النووية بأن تأييد اوباما للموقف الاسرائيلي ليس امرا جديدا ولكن الجدير فيه هو مغزاه لانه جاء بعد شهرين فقط من تأييد واشنطون لمسعي مصر لعقد مؤتمر الشرق الأوسط المشار اليه. قد يعتقد البعض أنني أبالغ عندما أقول ان هذا استسلام أمريكي لا يليق لإسرائيل بل قد يقولون ان إسرائيل تعمدت تسريب ذلك من اجل استثارة العالم العربي ولكنه الحقيقة. ملاحظة اخري جديرة بالذكر وهي ان سفير إسرائيل في واشنطون وهو بالمناسبة أمريكي يهودي، حاول ان ينفي مؤخرا قيام بلاده بالتجسس علي الولاياتالمتحدة عن طريق الجاسوس بولارد الذي زود إسرائيل طبقا للتحقيقات الأمريكية نفسها بمليون - نعم مليون - وثيقة سرية أمريكية الا ان نتنياهو صرح علانية قبل زيارته لواشنطون بأن بولارد هذا جاسوس إسرائيلي بالفعل. لم يرد اي مسئول او متحدث أمريكي علي هذه الصفعة الاسرائيلية بل استقبلوا نتنياهو بكل حفاوة وترحاب. لا تعولوا كثيرا علي اي موقف امريكي غير منحاز.