الحوار الذي أجراه التليفزيون المصري مع رئيس الوزراء الإثيوبي المنتخب الدكتور مليس زيناوي وأذيع عدة مرات علي مختلف القنوات الفضائية المصرية لم يحقق صدي طيبا لدي كافة المتخصصين في الشئون الأفريقية أو في شئون المياه. وعلي الرغم من أن إحدي كبريات الفضائيات الخليجية قد أذاعت خلال الأسبوع الماضي حديثا مطولا آخر مع السيد مليس زيناوي استغرق ساعة كاملة وعرض فيها وجهة نظره كاملة إلا أن المعد للحديث المصري لم يستفد مطلقا مما جاء في ذلك الحوار، كما لم يتم الاستعانة بعدد من خبراء المياه والدبلوماسية المصرية في الإعداد لأسئلة الحوار مع رئيس الوزراء الإثيوبي وبالتالي لم يتم إعداد الأسئلة المناسبة التي تبرز وجهة النظر المصرية وترد علي الادعاءات التي تتبناها إثيوبيا بما حقق تفوقا كاملا لرئيس الوزراء الإثيوبي. ركز السيد مليس زيناوي في الحديث علي اتفاقيتي 1959 و1929 وأعلن أنها نتاج القرن التاسع عشر والتي لا تناسب القرن الحادي والعشرين مع أنها من نتاج القرن العشرين وليس التاسع عشر. الأمر الثاني أنه ركز علي أن اتفاقية عام 1959 قد قسمت مياه النيل بين مصر والسودان فقط!! وهو خطأ كبير لم يتداركه المذيع ولا المُعد لأنه لم يستعن بمتخصصين في أمور المياه لتوضيح هذه النقطة ودحض الرأي الإثيوبي. فالأمر بكل وضوح أن مصر والسودان قسمتا فقط كمية مياه النيل التي تصل إلي مدينة أسوان أي أنهما قسما المياه الفائضة من دول المنابع والتي تصل إلي دولة المصب كمتوسط عام لمائة سنة سابقة. فقد سجل إيراد النهر عند مدينة أسوان ورود كمية من مياه النيل بلغت 120 مليار متر مكعب عام 1916 وهي أعلي كمية مياه مسجلة في التاريخ الحديث بينما كانت أقل كمية مسجلة عام 1984 حيث لم تتجاوز 42 مليار متر مكعب. وبالتالي فإن الإيراد السنوي للنهر يتأرجح بين هذين الرقمين من عام إلي آخر، ولو كانت مصر والسودان دوليتن جائرتين لقسمتا المياه طبقا لأعلي كمية مياه تصل إليهما للضغط بها علي دول حوض النيل من وقت لأخر ولكنها قسمت المياه الواصلة طبقا للمتوسط العام خلال مائة سنة حتي تتضمن استفادة دول المنابع من حصص من مياه النهر. كما وأن اتفاقية عام 1929 قد أعطت لمصر حق الفيتو علي السدود المقامة فقط علي نهر السمليكي في الكونغو وعلي سدود إثيوبيا أما باقي دول البحيرات الاستوائية فما يصل منها للنهر محدود للغاية وقد تورطوا معكم في اتفاقية عنتيبي دون مبرر. الأمر الثالث أن مصر والسودان دفعتا علي مر التاريخ خسائر باهظة للفيضانات التي تجتاحهما لكونهما تعملان كمصرف للأمطار الهاطلة علي إثيوبيا وأن آلاف القري وآلاف المصريين كانوا يشردون كل عام خلال فترات الفيضان في القرن العشرين كما سجل التاريخ أعلي رقم للمتضررين بالجفاف في دولة السودان عام 1991بعدد 6. 8 مليون سمة مقارنة 2.6 مليون فقط في إثيوبيا في نفس العام وكذلك كان الرقم في عام 4891 للمتضررين بالجفاف حيث سجلت الأممالمتحدة 4.8 مليون في السودان مقابل 8.7 مليون في إثيوبيا!! أما في باقي دول المنابع فقد تراوحت أعداد المتضررين بالجفاف بين 008 ألف وحتي 3 مليون نسمة فقط كحد أقصي. كما تشير الأرقام إلي أن مصر هي المتضرر الأكبر بالجفاف والذي تسبب في تحول 5.59٪ من أراضيها إلي أراض صحراوية ويتكدس 08 مليون نسمة علي 5.4٪ فقط من مساحتها ولم يقارن المسئول الإثيوبي هذه المساحة الشاسعة من مصر بالمساحة المحدودة من إقليم أوجادين الجاف في إثيوبيا!!. الأمر المهم في الحديث عن الموارد المائية هو أن إجمالي الموارد =المائية الداخلية لإثيوبيا ذ وليس الأمطار ذ تبلغ 321 مليار متر مكعب من المياه سنويا طبقا لتقديرات UNEP 2004 ولتنزانيا 93 مليار متر مكعب وأوغندا 66 مليار متر مكعب رغم أن مساحتها أقل من ربع مساحة مصر وكينيا 40 مليار متر مكعب بينما حصة مصر لا تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب وهي الدولة الأكبر مساحة وعدد سكان. القول أيضا بأن السدود العشر التي ستقيمها إثيوبيا لن تؤثر علي الموارد المائية الوارد إلي مصر ولا علي مواعيد وصول المياه غير صحيح خاصة وأن التجارب الإثيوبية في إقامة السدود لا تقيم وزنا لجيرانها ويكفيها السدود الثلاثة التي أقامتها علي نهر أومو الذي يصب في بحيرة توركانا في شمال كينيا والتي تستمد مياهها بالكامل من هذا النهر الذي ينبع من الأراضي الإثيوبية ويعيش حول هذه البحيرة نحو 003 ألف شخص في شمال كينيا ونحو 005 ألف آخرين في حوض نهر أومو في إثيوبيا وأصبحوا مهددين تماما بالفناء أمام تصميم إثيوبيا علي إقامة سد جيب الثالث Gibe 3 Dam والذي يمنع الماء تماما عن البحيرة حيث بدأ تنفيذه فعلا منذ عام 6991 بما حذا بكينيا بالاستغاثة بدول =العالم لإنقاذ بحيرة توركانا كواحدة من أجمل عشر بحيرات سياحية في العالم. الأمر الغريب أن يكرر المسئول الإثيوبي الأول من أن إقامة إثيوبيا للسدود فيه إفادة لمصر والسودان لأنه يقلل من كميات الطمي العالقة بالمياه التي تذهب إلي دولتي المصب وكأن إقامة هذه السدود قد تم لهذا الهدف النبيل فقط دون النظر إلي أنه سوف يمنع وصول المياه أيضا ولكن مقدم البرنامج كان غائبا أثناء تلقيه هذه الأمور. تركيز المسئول الإثيوبي أيضا إلي أن توفير مصر لقدر 01٪ فقط من فاقد المياه في المجاري المائية المصرية يمكن أن يمد دول حوض النيل باحتياجاتها من المياه!! وهو قول غريب لأن يكون توفير الفقد من المياه داخل الأراضي المصرية ليس من أجل زيادة الموارد المائية المصرية المحدودة ولكن من أجل أن تستفيد بهذه دول المنابع وكأنه لا يكفيها مواردها المائية الهائلة فتنتظر أيضا مياه من داخل الأراضي المصرية!!. القول الأخطر كان في قول المسئول الإثيوبي بأن توفير المياه في إثيوبيا وحقها في إقامة السدود من أجل إحداث نهضة زراعية وزيادة إنتاجية الغذاء ونحن نسأل ما دام الأمر كذلك فلماذا خصصت إثيوبيا مساحة 5.5 مليون فدان لعدد 75 شركة استثمارية لزراعة حاصلات الوقود الحيوي ولم تخصص فدانا واحدا للاستثمار في إنتاج الغذاء لصالح الإثيوبيين الجوعي!! ولماذا خصصت إثيوبيا مساحة 004 ألف فدان لإسرائيل منفردة أو بالشراكة مع جنسيات أخري للاستثمار في زراعات الوقود الحيوي (مركز الاستثمار الإثيوبي 2010 Ethiopian Investment center2010) رغم زعم إثيوبيا بأن ما بينها وبين إسرائيل من خلاف أكثر كثير مما بينهما من اتفاق متناسية دعم إسرائيل الكامل لإرتريا ضد إثيوبيا واستجابتها للضغوط الغربية لفتح الباب الاستثمارات الإسرائيلية هناك!!. يحتاج ملف مياه نهر النيل ودول المنابع إلي تأسيس مركز من خبراء المياه والدبلوماسية والشئون الأفريقية بشكل متناسق للإعداد للمرحلة القادمة والتي سوف تشهد تصعيدا مستمرا وأياما صعبة قادمة أمام إصرار دول الحوض علي استئثار مصر والسودان فقط علي 09٪ من مياه النهر وهو غير صحيح لأن دول المنابع تستأثر علي 59٪ من إجمالي مياه الأمطار وعلي 06٪ من إجمالي الموارد المائية للنهر و 65٪ من إجمالي الموارد المائية المتجددة لدول حوض النيل. كاتب المقال : استاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة