اليوم يتمتعون بمظلة التأمين الصحي مقابل اشتراك زهيد، ولكن العلاج علي نفقة الدولة يتجاوز هذا النطاق لكي يشمل كل مواطن في مصر سواء كان يتمتع بنظام التأمين الصحي أم لا، كما أنه يشمل العلاج داخل مصر وخارجها أيضاً وخاصة للحالات الصعبة والمستعصية.. وهذا العلاج يعتبر حقا للمواطن فمن واجب الدولة أن توفر حق العلاج وتكفل الصحة لمواطنيها كما تكفل التعليم وشتي المرافق، ولكن هذا الحق مقرر أساسا للفقراء وذوي الدخل المحدود والمحتاجين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج الخاص والمستشفيات الاستثمارية الباهظة الثمن، والمفروض ان هناك لجانا وقومسيونات طبية تابعة لوزارة الصحة تقوم بالكشف علي المرضي للتحقق من ان حالتهم الصحية تستحق العلاج وأن حالتهم الاجتماعية ودخولهم لاتتحمل مصاريف هذا العلاج، كما تحدد اللجنة قيمة المبلغ المستحق لهذا العلاج.. بحيث إذا زاد علي ذلك فإنه يتعين اعادة عرض الأمر علي اللجنة لكي تقرر ما اذا كان العلاج سيستمر ولو تحملت الدولة مبلغا اضافيا أم أنه يجب ان يتوقف.. كل هذه القواعد والمباديء والقرارات في غاية الروعة والسلامة والجمال.. ولكن ما يحدث علي أرض الواقع شيء آخر مختلف تماما.. فالواقع المرير يقول إن الفقراء ودافعي الضرائب هم الذين يدفعون وحدهم أجور علاج الاغنياء علما بأن الضرائب الآن معظمها غير مباشر تضاف علي أسعار السلع والخدمات ويدفعها الفقير قبل الغني، فالعلاج الحكومي الآن ليس علي نفقة الدولة وانما علي نفقة الفقراء، اما الفقراء ذاتهم فانهم لا يستفيدون مطلقا من العلاج الحكومي خاصة العلاج المخصوص الذي تقدمه وزارة الصحة للنواب.. وعندما اختلف نواب مجلس الشعب تبين ان معظم تكاليف العلاج الحكومي والتي تقدر بمئات الملايين تذهب لأعضاء المجلس واصدقائهم ومحاسيبهم، بل ويتم بها علاجات تجميل ورحلات ترفيهية وبدلات سفر للحبايب ومرافقيهم وحاشياتهم ولا علاقة لها بالعلاج الضروري اللازم.. اما الفقراء والمحتاجون فعلا واصحاب الحالات الحرجة فانهم غالبا ما يموتون قبل الوصول إلي المستشفي ولايشعر بهم احد، بل لقد اكتشفت نيابة الاموال العامة ان هناك قرارات علاج يتم الاتجار فيها وتباع في السوق السوداء.. احد نواب المجلس - ولا داعي للفضائح وذكر الاسماء كلف الدولة سبعة وعشرين ونصف مليون جينه في مدة وجيزة وبالمستندات التي قدمها زميله النائب المستقل، وزميل آخر له أكثر تواضعا تكلف عشرة ملايين وهكذا.. معظم ميزانية العلاج الحكومي ينفقها نواب مجلس الشعب ومحاسيبهم وبأوامر صريحة من الحكومة.. ما الذي يعنيه هذا؟! أليست هذه رشوة تقدمها الحكومة للنواب للتغاضي عن اخطائها ومساوئها وعدم المحاسبة عليها؟! في وزارة الصحة حجرة خاصة تسمي حجرة المندوبين، والمندوبون هنا هم العمال الذين يرسلهم نواب المجلس إلي الوزارة لاستصدار قرارات العلاج وبالامر ولكل من له صلة بالنواب وليس النواب انفسهم فقط أو ناخبيهم وأعضاء دوائرهم، وبعد هذا اضطرت وزارة الصحة الي ترشيد العلاج الحكومي وضغط نفقاته ووضع سقف أو حد أعلي للانفاق اسبوعيا أو شهريا ولكن هذا التخفيض والترشيد والضوابط يجب ان تكون دائمة وليست مؤقتة، كما يجب غربلة اللجان الطبية اذ يجب ان يكون العلاج الحكومي للفقراء أولا والمحتاجين للعلاج فعلا وذوي الحالات الحرجة، فهذا ما يهدف إليه الدستور والنظام وما يؤيده الرئيس مبارك الذي ينحاز دائما للفقراء ومحدودي الدخل أما هذا التبذير والمجاملات فيجب ان تتوقف.