ما أكثر الشائعات المدمرة والمحرضة للفتن التي تُطلق في مجتمعاتنا، وما أكثر الأضرار الناتجة عنها، فلا تكاد شمس يوم جديد تشرق إلا ونصطدم بشائعة جديدة مثيرة للجدل، تنتشر بين الناس بسرعة البرق، وسواء أكانت تلك الشائعات مقصودة أو غير مقصودة، أو كانت أهدافها سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى فنية، فتأثيرها مدمر على المجتمع، فكم من شائعات هدمت بيوتاً، وكم من شائعات جنت على أبرياء، وكم من شائعات نالت من علماء وعظماء، وكم أشعلت نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وكم أسقطت أوطاناً، وكم تسببت في جرائم، وفككت تماسك المجتمعات، ونشرت الغِل والحقد بين الناس. فالشائعات تهدد المجتمعات في قيمها ورموزها، وتهدد أمن واستقرار الأوطان، إذ يتعدى خطرها الحروب المسلحة بين الدول؛ بل إن بعض الدول تستخدمها سلاحاً فتاكاً له مفعول كبير في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق تحرك الآلة العسكرية. وتعتبر الشائعات سلوكاً غير سوي وفناً من فنون الكذب، وسلاحاً قذراً يستخدمه الجبناء والضعفاء غير القادرين على المواجهة لترويج خبر لا أساس له من الصحة بهدف تضليل الآخرين من العامة، والتأثير على الرأي العام المحلي أو العالمي لأهداف اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية. وللشائعات أنواع عديدة صنفها علماء النفس إلى ثلاثة أصناف هي: شائعات الخوف، شائعات الأمل، شائعات الفتن والكراهية، وكلها تستهدف إثارة القلق والرعب في نفوس الناس، وتجد دائماً الشائعات في انعدام المعلومات وندرة الأخبار بيئة خصبة تساعدها على الانتشار. ولأنها أصبحت جزءاً من حياتنا تتنوع باختلاف أهدافها، فقد تطورت بتطور الحياة، حيث تقدمت أساليبها من الشائعة الشفهية والتي تتداول بعد سماعها وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، ثم تطورت بتطور العصور وإمكاناتها الإعلامية، حتى دخلت العصر الذهبي لرواجها، وذلك عن طريق تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، التي تزداد تطوراً وكثرة يوماً بعد آخر، وذلك في عصرنا الحالي .. فهناك الصحف والمجلات، القنوات المحلية والفضائية، الشبكات المعلوماتية المتنوعة، حتى زادت مخاطرها وآثارها السلبية عن الماضي، وباتت وكأنها تنخر في جسد المجتمع وتضر بالمصالح، والأدهى والأخطر من بين هذه الشائعات هي التي تكون لصالح أجندة معينة وتسعى لتحقيق مصالح أو تمرير غايات من خلال دس السم في العسل. وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها كالوقود الذي ما إن يرى شرارة إلا وعمل على تأجيجها ونشرها لتبلغ الآفاق، من دون أن يحسب حساباً للآثار التي يمكن أن تعقب هذا العمل، وأن ذلك أوجد لكثير من ضعاف النفوس بيئة خصبة لممارسة هواياتهم في بث المعلومات المغلوطة، والترويج لأخبار غير صحيحة مطلقاً ومفتقدة المصداقية، والبعض قد يسهم في نشر تلك الشائعات وانتشارها بين أفراد المجتمع، وذلك عبر إرسال كل ما يصله من أخبار أو معلومات إلى غيره من دون أن يتحقق من مصدره. ومع التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الإعلام أصبح الشباب مستهدفاً من قبل ضعاف النفوس الجبناء حيث يواجهون حرباً نفسية مستمرة من خلال اختلاق أو فبركة الأخبار أو الأحداث أو المواقف غير الحقيقية والمتعلقة بأشخاص أو مجتمعات أو مؤسسات تحظى باهتمام الرأي العام، ولذلك يجب محاربة هذه الآفة واستئصالها من جذورها لتبقى الأمة متماسكة تبني مستقبلها وتقف ضد أية أخطار تعترض مسيرتها، ويجب تسليح الشباب بالعلم والمعرفة وتنمية وعيهم وتحذيرهم من مخاطر تلك الشائعات وحثهم على إخضاع كل ما يبث لهم من شائعات لقانون المنطق والعقل والتفكير الهادف، فالمجتمع الجاهل يكون بيئة خصبة ومناسبة لترويج الشائعات. وختاماً، علينا جميعاً أن نتكاتف للقضاء على هذا الآفة عن طريق التصدي لها، وكشف أغراضها وأسبابها وبواعثها، ووجوب التثبت من الأخبار، وعدم المبادرة بتصديق كل ما يشاع دون روية وفكر وبحث دقيق، وإن ترددت أي إشاعة، فيجب علينا حصرها في أضيق الحدود حتى لا تزداد انتشاراً في المجتمع، فانتبهوا ودققوا فيما تستمعون إليه ولا تصدقوا أي خبر وتساعدوا على نشره دون قصد.