"كلهم مذنبون إلا إسرائيل".. هذا ما يمكن استخلاصه مما جاء في تقرير "لجنة بالمر" التي كانت قد شكلتها الأممالمتحدة برئاسة رئيس وزراء نيوزيلندا السابق جيفري بالمر، وبدأت عملها في 10 أغسطس 2010 للتحقيق في واقعة اعتداء البحرية الإسرائيلية على السفينة التركية "مرمرة" ضمن قافلة "أسطول الحرية" التي كانت تبحر في المياه الإقليمية الدولية قبالة شواطئ غزة في طريقها إلى القطاع في مايو عام 2010 . فالتقرير الذي جاء في 105 صفحات نال الرضى الإسرائيلي لأنه أعطى نوعا من الشرعية لقرصنة البحرية الإسرائيلية على سفينة مدنية كانت تقل مدنيين ونشطاء حقوقيين ومساعدات إنسانية للفلسطينيين المحاصرين في القطاع، وقد ألزم التقرير إسرائيل بدفع تعويض مالي لقتلى الحادث وللمصابين الذين زاد عددهم على 50 شخصا. ومن المؤسف أن التقرير أعطى شرعية للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما قد ينذر باعتداءات إسرائيلية أشد وطأة وأكثر قوة على القطاع لاحقا بذريعة الحفاظ على أمن إسرائيل ومستوطنيها.. فقد وصف الحصار البحري الإسرائيلي على غزة بأنه "قانوني في نظر القانون الدولي"..فيما لم يطلب من إسرائيل الاعتذار لاعتدائها على "أسطول الحرية" إذ اعتبر فقط أن إسرائيل "بالغت" في تصديها للقافلة. ولحفظ ماء الوجه، أشار التقرير إلى أن "قرار إسرائيل بالسيطرة على السفن بمثل هذه القوة بعيدا عن منطقة الحصار ومن دون تحذير مسبق مباشرة قبل الإنزال، كان مفرطا وغير معقول".. داعيا حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إصدار "إعلان مناسب تبدي فيه أسفها" حيال الهجوم. ويرى محللون أن تقرير " بالمر" كشف عن وجه آخر من أوجه الانحياز الدولي لإسرائيل، ممثلا في الأممالمتحدة... معتبرين أن التقرير تم " تسييسه "، بل أشاروا إلى أن التقرير " شرعن " الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة حينما وصفه بالقانوني. وتساءلوا: كيف يصبح الحصار شرعيا بعد أن كان بعض المسؤولين في الأممالمتحدة يطالبون برفعه؟، واعتبر التقرير بمثابة عقاب جماعي للسكان المدنيين في قطاع غزة. وقد أثار التقرير ردود أفعال عربية غاضبة، فقد وصفت جامعة الدول العربية التقرير بأنه " منحاز "، بل يسيء لسمعة الاممالمتحدة، ويشجع على العدوان والحرب، ويمكن أن تتخذه إسرائيل ذريعة لاستمرار حصار غزة. واستغرب الأمين العام المساعد للجامعة لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة السفير محمد صبيح من تبريرات التقرير للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.. معتبرا أن هذا مخالف للقانون الدولي فليس من حق دولة أن تفرض حصارا على دولة أخرى لأسباب سياسية.. قائلا: لو أن كل دولة حاصرت الدول المحيطة بها فسيختل ميزان العدل في العالم، وإن فرض الحصار يجب أن يصدر بقرار من مجلس الأمن.. واصفا التقرير بأنه مخالف للقانون الدولي.. محملا من وقّع عليه المسؤولية. بدوره، عبر مندوب دولة فلسطين بالجامعة العربية السفير الدكتور بركات الفرا عن رفضه لتقرير " بالمر " شكلا ومضمونا، وقال" إن هذا التقرير يؤكد الانحياز الكامل للمعتدي الإسرائيلي الذي شن حربا لا إنسانية وإجرامية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أدانها تقرير /جولدستون/، وأرى أن هذا التقرير يحاول أن يبرئ إسرائيل من هذه التهم، ويؤكد على شرعية الاحتلال". وأضاف الفرا أن هذا التقرير يبرر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بكل أسف، وبالتالي فإن القيادة الفلسطينية بل والشعب الفلسطيني يرفضون هذا التقرير الذي أكد أنه يتنافى مع كل الشرائع والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، ومع ميثاق الأممالمتحدة واتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الإنسان، وقال إن أقل ما أصف به هذا التقرير هو أنه "عنصري صهيوني". وأكد السفير الفلسطيني أن هناك رفضا عربيا لهذا التقرير.. مطالبا بسحبه فورا، وأن يعاد إلى صاحبه، وأن تكلف لجنة محايدة بالنظر مرة أخرى في واقعة الاعتداء على القافلة الإنسانية التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة.. وقال إن هذا التقرير منحاز بالكلية لإسرائيل هذه الدولة المعتدية. من جانبه، عبر رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض عن قلقه الشديد من اعتبار التقرير حصار إسرائيل لقطاع غزة قانونيا.. وقال "بالرغم من أننا لم نطلع بعد على نص التقرير، إلا أن احتمال إشارته إلى أن الحصار الاسرائيلي على القطاع قانوني، أمر مستهجن، ويشجع إسرائيل على مواصلة الانتهاكات لحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة". وأكد أن السلطة الوطنية ستواصل العمل مع كافة المؤسسات الدولية من أجل إنهاء معاناة القطاع، ورفع الحصار الإسرائيلي عنه.. مشددا على أن أي تشريع للحصار يتناقض مع ما تجمع عليه هذه المؤسسات، والتي تعتبره السبب الأساس لمعاناة أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع. بدورها، عبرت عضو اللجنة التنفيذية ورئيسة دائرة الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي عن استهجان المنظمة من نتائج تقرير لجنة بالمر.. معتبرة أن هذا التراجع السياسي والقانوني الخطير والتضارب في مواقف الأممالمتحدة يمثل فضيحة قانونية وأخلاقية جاءت استجابة للابتزاز الإسرائيلي قبل التوجه الفلسطيني إلى المنظمة الدولية، ومعاملة إسرائيل كدولة فوق القانون.. مشيرة إلى أن الأممالمتحدة أكدت في جلسة سابقة عدم قانونية الحصار، وأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي، وينتهك القانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية . وقالت إن التعرض لسفينة والهجوم عليها في مياه دولية، وقتل من فيها هي عملية قرصنة يعاقب عليها القانون الدولي، علما بأن إسرائيل دولة محتلة.. مطالبة برفع الحصار غير القانوني عن قطاع غزة فورا، وإخضاع إسرائيل للملاحقة والمحاسبة القضائية، وتوفير الحماية الدولية العاجلة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من هذا العدوان المستمر. وقد أدانت منظمات حقوقية فلسطينية التقرير.. ورأت أنه "شرعن" الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، كما أنه لم يجرم دولة الاحتلال باعتدائها على أسطول الحرية وقتل تسعة متضامنين وجرح العشرات ممن كانوا على متن الأسطول.