كان ضباط جهاز أمن الدولة المنحل يعرفون أن اقتحام مقراتهم إحدى حلقات الثورة التى لم يتوقعوا أن تطيح بهم، لكنهم كانوا يعرفون أكثر أن دورهم لن ينتهى أبدا، وحتى عندما قرر وزير الداخلية السابق منصور عيسوى، أن يفكك الجهاز ويستبدله بما يسمى بجهاز الأمن الوطنى، أدركوا أن الأسماء فقط هى التى ستتغير، أما الوظيفة والدور والتأثير فسيظل كما هو.. وأنهم سيحصلون على كل مزاياهم إن لم يعد الآن فغد.. وإن لم يكن غدا فبعد غد على أقصى تقدير. ما يؤكد أن شيئا لم يتغير أن إدارات أمن الدولة لاتزال تعمل ضمن جهاز الأمن الوطنى، بل إن ضباطها لا يزالون يواصلون عملهم، من بين هذه الإدارات، إدارة "التقديرات والتنبؤ"، التى كانت تعرف داخل الجهاز باسم "جهاز معلومات الأمن السياسى".. ويعمل بها 50 ضابطا.
ضابط سابق بالجهاز، ومن بين من عملوا فى هذه الإدارة، شرح لنا طبيعة عملها قائلا: كنا نرصد حالة المجتمع العامة وتحديدا السياسية والنفسية من خلال المكتوب على الملصقات التى يضعها أصحاب السيارات، والعبارات الموجودة على الحوائط ويكتبها غالبا مجهولون أو حتى من يعلنون عن أنفسهم بشكل صريح. ويضرب الضابط السابق مثالاً على ما يقوله: هناك فترة يكون فيها معظم الملصقات رياضية أو تهتم بالكرة ونجومها، وهذا يعنى أن الناس يهتمون أكثر بكرة القدم ولا يلتفتون إلى القضايا السياسية، وفترة أخرى تزيد الملصقات الدينية مثل الله أكبر، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، وهنا نعرف أن الحالة الدينية تسود فى الشارع، وأن الدعاة نحجوا فى تحويل اهتمامات الناس إلى الدين. الغريب أن اللافتات الدينية عندما كانت تتزايد فى الشارع، كان يزيد القلق فى جهاز أمن الدولة، فمعنى ذلك أن هناك دعاة يؤثرون فى الشارع، من خلال جماهيريتهم، وعلى الفور يتم استدعاء بعض الدعاة ومقدمى البرامج الدينية فى التليفزيون، لتخفيف الجرعة الدينية التى يروجون لها، وكان الجميع يستجيب دون أى تحفظات. إدارة التنبؤ كانت ترصد ملامح الحالة الاقتصادية لدى الشعب المصرى من خلال ما يكتبونه على سياراتهم وجدران بيوتهم، فعندما تظهر أدعية مثل "يارب ارزقنى" تدرك أمن الدولة أن الشعب على حافة الاختناق من البطالة والفقر. منذ العام 2005 وتقارير إدارة التقديرات والتنبؤ تشير إلى أن حالة من الغضب العامة يمكن أن تنفجر فى أى لحظة، لكن هذه التقارير جميعها كانت حبيسة أدراج مكتب حبيب العادلى الذى لم يكن يهتم بالاستجابة لما فيها من توصيات، كانت كفيلة بحل المشاكل التى تعانى منها مصر.
لا يمكن أن نتحدث بصيغة الماضى عن هذه الإدارة، لأنها انتقلت باسمها وكل مهامها إلى جهاز الأمن الوطنى الجديد، ويرأسها مدير برتبة لواء، ولم يخرج منها ضباط كثيرون، بل دخل ضباط جدد خضغوا لاختباراتها.. وكل ما تغير أنها كانت فى لاظوغلى.. وأصبحت الآن فى مدينة نصر