شيخ الأزهر يستقبل سفير سلطنة عمان بالمشيخة    العروض الجوية تُزين سماء مصر من طلبة الأكاديمية والكليات العسكرية 2024    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد احتفال المستشفى الأمريكي بطنطا بمرور 125 عامًا على تأسيسها    وزراء "الصحة" و" العدل" و" التضامن" يشيدون بمركز استقبال الأطفال    مع قراء «الأخبار»    البنك المركزي يعلن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر إلى 46.7 مليار دولار    وزير النقل: نتفاوض مع «سكك حديد ألمانيا» لإدارة شبكة القطار الكهربائي السريع    ضابط لبناني واثنان آخران شهداء غارات إسرائيلية على لبنان    الأهلي في اجتماع فيفا وثلاثي القطبين خارج المغرب والأحمر يتوج ببرونزية مونديال اليد| نشرة الرياضة ½ اليوم 3-10-2024    في 6 أشهر فقط.. القيمة السوقية ل وسام أبو علي تتضاعف    إصابة 10 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    الخريف.. فصل الجمال والتغيير الطبيعي    الأوبرا تحتفل بانتصارات أكتوبر    حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. «الإفتاء» توضح    أضف إلى معلوماتك الدينية| فضل صلاة الضحى    فحص 520 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة المنيا في مركز العدوة    افتتاح المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية لمناقشة الجديد فى الأمراض الوعائية    مدرب منتخب فرنسا يكشف سبب استبعاد مبابي    لطفي لبيب عن نصر أكتوبر: بعد عودتي من الحرب والدتي صغرت 50 سنة    بشرى سارة للأهلي.. فيفا يصدر قرارات جديدة بشأن الأندية المشاركة في كأس العالم للأندية    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    مصرف «أبو ظبي الإسلامي- مصر ADIB-Egypt» يفتتح الفرع ال71 بمدينتي    إصابة شاب بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    «ينفذ يناير القادم».. «الرعاية الصحية» توقع برنامج توأمة مع مستشفيات فوش الفرنسية    وزارة الطوارئ الروسية تعيد من بيروت 60 مواطنا روسيا    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    رسميًا.. انتهاء أزمة ملعب قمة سيدات الزمالك والأهلي    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    كيف تحجز تذاكر حفل ريهام عبدالحكيم بمهرجان الموسيقى العربية؟    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    «القاهرة الإخبارية»: بريطانيا تستعد لإجلاء رعاياها في لبنان برا وبحرا    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    الهيئة تلزم صناديق التأمين الحكومية بالحصول على موافقتها عند نشر أية بيانات إحصائية    تعرف على إيرادت فيلم "إكس مراتي" بعد 10 أسابيع من عرضه    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    وزيرا الرياضة والثقافة يشهدان انطلاق فعاليات مهرجان الفنون الشعبية بالإسماعيلية    وزارة التعليم: التقييمات الأسبوعية والواجبات المنزلية للطلاب مستمرة    «أوقاف مطروح»: توزع 2 طن لحوم و900 شنطة مواد الغذائية على الأسر الأولى بالرعاية    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    أوكرانيا تهاجم قاعدة جوية روسية في فارونيش بالطائرات المسيرة    بيراميدز يخوض معسكر الإعداد فى تركيا    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الحرص والبخل    أحد أبطال حرب أكتوبر: خطة الخداع الاستراتيجي كانت قائمة على «الصبر»    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان‏..‏إلي أين يمضي؟
نشر في أخبار مصر يوم 10 - 08 - 2010

تكاد‏ "السودان"‏ أن تكون أهم دولة لمصر علي الإطلاق‏,‏ ليس فقط بسبب الجوار الجغرافي ولا مجري النيل الذي يمر عبر أراضيها وحده ولا بالوشائج العميقة التي صنعتها العوامل التاريخية والجغرافية والبشرية‏.
ولكن ربما لسبب آخر بدأ يطفو علي السطح في العقود الأخيرة وأعني به ذلك الحجم الكثيف من الضغوط والمخططات الداخلية والخارجية التي تستهدف أكبر دول القارة الإفريقية مساحة والتي ربما تصبح أكثرها ثروة‏,‏ وتبدو خطورة الموقف من أن معظم ما يتعرض له‏'‏ السودان‏'‏ ينطوي تلقائيا علي نوع من التهديد ل‏'‏مصر‏'‏ ومحاولة تطويقها جنوبا‏,‏ والأمر يحتاج والحال كذلك إلي دراسة متأنية تضع النقاط علي الحروف وتجلي قدرا كبيرا من الغموض الذي يحيط بمستقبل ذلك البلد العربي الإفريقي الشقيق‏,‏ دعنا الآن نرصد بعض الملاحظات التي تمثل عناصر البيئة السياسية الحاضنة للتطورات المتوقعة علي أرض‏'‏ السودان‏'‏ الذي ينتظر أحداثا جسام في الشهور المقبلة‏:‏
أولا‏:‏ إن حدود الدول الإفريقية كما تركها الاستعمار تمثل حدا أدني لما يتحتم الحفاظ عليه‏,‏ ولقد اعترفت‏'‏ منظمة الوحدة الأفريقية‏'‏ قبل ميلاد‏'‏ الاتحاد الأفريقي‏'‏ بالحدود القائمة في القارة رغم أن معظمها تحدد بإرادة المستعمر الأجنبي‏,‏ و‏'‏السودان‏'‏ تحديدا بلد الأعراق المختلفة والأصول المتعددة اختلطت علي أرضها الدماء العربية والإفريقية وامتزج الإسلام والمسيحية بمجموعات بشرية لا دينية أيضا‏,‏ وكنا نتصور أو نتوهم أن تجربة التعايش المشترك بين هذا الخليط الثري والمزيج المتعدد يمكن أن تصنع دولة متماسكة مثلما هو الأمر بالنسبة لدولة مثل‏'‏ الهند‏'‏ علي سبيل المثال‏,‏ ولكن للأسف فإن التوجهات الفكرية والمنطلقات العقائدية والاختلافات السياسية قد دفعت ب‏'‏السودان‏'‏ في اتجاه آخر حتي أصبح تقسيمه مطروحا وانفصال أجزاء منه واردا‏,‏ فبرغم كل الجهود المخلصة والأصوات العاقلة إلا أن الأمر بدأ يتجاوز ذلك حيث ارتفعت حدة الجماعات الانفصالية مع قرب الاستفتاء علي نحو غير مسبوق‏,‏ ولعلنا نتذكر أن الزعيم الجنوبي الراحل‏'‏ جون جارنج‏'‏ كانت له مطالبه في إطار الدولة السودانية الواحدة ولم يكن الانفصال خياره الوحيد‏,‏ ولكنه مضي في حادث طائرة غامض يوحي بأن كل شيء يبدو مدبرا‏.‏
ثانيا‏:‏ إن محاولة تمزيق خريطة‏'‏ السودان‏'‏ ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب‏,‏ فالسودان مستهدف حتي من قبل استقلاله ولكن الظروف السياسية في‏'‏ السودان‏'‏ والمعتقدات الفكرية والأطروحات الثقافية قد هيأت في مجملها مناخا معاديا لسلامة‏'‏ السودان‏'‏ ووحدته الإقليمية‏,‏ وهي أمور تسبب القلق تلقائيا لجيران الشمال بل وغيرهم في المنطقة‏.‏
ثالثا‏:‏ لقد اختارت‏'‏ مصر‏'‏ ومنذ عدة عقود التوقف عن التدخل في الشأن السوداني والاحترام المطلق للشرعية مهما كلفها ذلك من ثمن‏,‏ وقد التزمت‏'‏ مصر‏'‏ بهذا المبدأ سعيا نحو استقرار‏'‏ السودان‏'‏ وتخفيفا لحدة الضغط علي القوي السودانية المختلفة‏,‏ ولم يكن الأمر سهلا فالسودان هو بلد الشعراء والفنانين والعلماء بل والجماعات الصوفية أيضا‏,‏ ولكن‏'‏ مصر‏'‏ أدركت أن جزءا من الحساسيات التاريخية الموروثة يمكن أن يختفي من خلال الإحساس المشترك بالندية الكاملة والاحترام المتبادل والسيادة المرعية من الجانبين‏.‏
رابعا‏:‏ لقد طرأت علي الساحة السياسية في‏'‏ السودان‏'‏ عوامل جديدة تتمثل في تراجع الأحزاب التقليدية وقرب تواري الزعامات الدينية بحيث أصبح الشأن السوداني محتاجا للغة جديدة وتفكير مختلف ولكن ذلك لن يمنع من ظهور مشكلات مركبة وأزمات متعددة خرجت من الإرث التاريخي إلي الواقع المعقد‏,‏ ومما زاد الأمر خطورة اتجاه المشكلات السودانية نحو التدويل بصورة لم تكن معهودة من قبل وهو ما أغري قوي أجنبية طامعة في أن تدس أنفها في الشأن السوداني في وقت لم يعد فيه للدور المصري خصوصا ولا الدور العربي عموما ثقلا مؤثرا علي مجريات الأمور هناك‏.‏
خامسا‏:‏ لقد كانت مشكلة‏'‏ دارفور‏'‏ ولا تزال هي الضربة القاصمة لوحدة‏'‏ السودان‏'‏ واستقراره لأنها قدمت مبررا جديدا يدفع الجنوبيين نحو الانفصال‏,‏ وعندما نبه الكثيرون الحكومة في‏'‏ الخرطوم‏'‏ مع بدايات تلك الأزمة الخطيرة كان الرد هو أن النزاع بين قبائل الرعي والزراعة أمر معتاد سنويا سرعان ما ينتهي‏,‏ كأنما نسي الأشقاء في‏'‏ الخرطوم‏'‏ أن الأطماع تحيط بهم وأن المخططات تسعي إليهم‏,‏ وأنا أظن أن مشكلة‏'‏ دارفور‏'‏ قد جري التجهيز لها حتي تكون‏'‏ الهدية المسمومة‏'‏ لحكم الجبهة الإسلامية في العاصمة السودانية‏.‏
سادسا‏:‏ إن شعار اقتسام السلطة والثروة هو شعار خادع لأنه يعني تلقائيا تكريس مفهوم الانفصال‏,‏ وهو شعار ظاهره العدالة ولكن جوهره ينطوي علي الاتجاه نحو تفتيت الدولة السودانية وتمزيق أوصالها وأنا مازلت لا أري مبررا للحديث عن اختلافات عرقية في‏'‏ السودان‏'‏ فأطياف اللون موجودة في معظم شعوب الدنيا‏,‏ كما أن الحديث عن المواجهة بين العروبة والإفريقية هو حديث مصطنع فقد اختلطت الدماء منذ قرون وامتزجت روح السودان في هوية مشتركة شكلت شخصيته الواحدة‏.‏
سابعا‏:‏ إن تقسيم‏'‏ السودان‏'‏ لن يكون نهاية المطاف ولا الحل لمشكلاته بل إنه قد يكون بداية نزيف جديد تخرج منه صراعات طويلة‏,‏ إذ أن في شمال‏'‏ السودان‏'‏ عدة ملايين من الجنوبيين يعيشون في‏'‏ العاصمة المثلثة‏'‏ وحولها كما أن الجنوب يضم مئات الألوف من أبناء الشمال في وقت تظل فيه مشكلة‏'‏ دارفور‏'‏ سيفا مسلطا علي رقبة الحكومة المركزية والدولة السودانية تجر عليها دعاوي المحكمة الجنائية وأطماع القوي الأجنبية بل وفلول الجماعات التبشيرية‏,‏ كما أن الدولة العبرية لا تبدو بعيدة عما جري ويجري لأنها تسعي إلي موضع قدم في‏'‏ السودان‏'‏ يمكنها من تطويق‏'‏ مصر‏'‏ أكبر الدول العربية وأشدها خطرا علي‏'‏ إسرائيل‏'‏ في الحرب والسلم إذا ما استقرت الأمور وعادت الروح إلي الجسد العربي السقيم‏!‏
‏إنني أريد أن أقول صراحة ودون مواربة أننا كعرب لم نقدم ل‏'‏جنوب السودان‏'‏ العوامل الجاذبة لبقائه جزءا من كيان عربي كبير فلقد أذهلني أن أري في زيارة للجنوب منذ سنوات أن الوجود المصري في مدينة‏'‏ ملكال‏'‏ هو مسجد‏'‏ فاروق الأول‏'!‏
وأن الوجود العربي في مدينة‏'‏ جوبا‏'‏ هو مستشفي‏'‏ الصباح‏'‏ الذي أقامته دولة الكويت‏!‏ ثم بدأنا نسرع الخطي الآن نحو الجنوب لإصلاح ما أفسده الدهر أملا في انتصار خيار الوحدة وتراجع الدعاوي الانفصالية‏,‏ وإذا كنت أوجه هذا النقد الذاتي للجانبين العربي والمصري فإنني أخص أشقاءنا في‏'‏ الخرطوم‏'‏ بقول صريح يتمثل في شعوري أن حرصهم علي وحدة‏'‏ السودان‏'‏ قائم ولكنه لا يرقي إلي خطورة مسئولية مستقبل هذا البلد الإفريقي الكبير‏,‏ بل إن استغراق حكومة‏'‏ الخرطوم‏'‏ خلال العقدين الماضيين في قضايا حزبية وتفسيرات عقائدية وسعي نحو إضافة اللون الديني للحياة السياسية قد أدي إلي اتخاذ ذلك كله تكأة لأصحاب النزعات الانفصالية والترويج لتقسيم الدولة السودانية حتي لم تعد الوحدة هي الخيار الجاذب في ظل المخاوف من‏'‏ الدولة الدينية‏',‏ فضلا عن غرام النظام السوداني أحيانا بفتح جبهات عديدة في وقت واحد بل والبحث عن مشكلات هم في غني عنها في وقت تشير فيه كل الدلائل إلي أن‏'‏ السودان‏'‏ يربض علي مخزون من ثروات هائلة يجب أن يستمتع بها الشعب السوداني كله‏,‏ فهو شعب مثقف بفطرته ديمقراطي بطبيعته مستنير بأجياله المتعاقبة ومسيس حتي النخاع بسبب استقلاله في الرأي وعشقه للحرية‏,‏ وإذا انفصل الجنوب فلن تكون له دولة قوية مستقرة فالنزاعات في داخله لا تقل عنها مع خارجه‏,‏ أما الشمال فقد يسعي إلي أحضان أشقائه العرب في لهفة يعوض بها معاناة الهوية ويمضي معها بعيدا عن المخططات الأجنبية‏..‏قلبي معك أيها‏'‏ السودان‏'‏ العظيم في عام الحسم الذي لا نريد فيه انفصالا للعري ولكن وحدة متماسكة لدولة ديمقراطية تقوم علي التعددية وفهم الآخر وقبول الغير‏.‏
**نقلاً عن صحيفة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.