كرة الثلج ما زالت تتدحرج وتكبر يوما بعد يوم، وما جري ويجري من تداعيات عالمية غاضبة للجريمة الحربية الصهيونية اللاإنسانية ضد المهمة الإنسانية ل «قافلة الحرية»، لم يظهر منها بعد إلا قمة جبل الثلج، والبقية تأتي! وسواء وصلت السفينة التركية «مرمرة» إلى شواطئ غزة أم لم تصل، ووصلت السفن الخمس تحت الأعلام اليونانية والعربية أو لم تصل، ووصلت السفينة الأيرلندية «ريتشيل كوري» أم لم تصل.. فإن الرسالة العالمية الإنسانية ضد الممارسات الإرهابية والجرائم الصهيونية قد وصلت لكل من يهمه الأمر في العالم. وصلت الرسالة الشعبية، من شخصيات سياسية وبرلمانية وحقوقية وإنسانية في خمسين دولة إسلامية وغربية وعربية، من كل القارات يمثلون ضمير العالم، ووصلت فعلا عبر الشهداء الأتراك المسلمين الأبرار، وعبر المتضامنين الأوروبيين المسيحيين واليهود الأحرار. وعبر رموز دينية ووطنية فلسطينية وعربية وعالمية، من خلال الشيخ رائد صلاح والمطران كابوتشي والسياسية الإيرلندية حاملة جائزة نوبل للسلام، ومن رموز برلمانية عربية جزائرية ومصرية وكويتية، إلى الشعب الفلسطيني تعاطفا وتأييدا، وإلى الشعب الإسرائيلي تحذيرا وتنديدا، وإلى الشعب الأميركي تحريكا وتحديدا. وصلت لتقول إن «رياح السماء» ستكون فاصلا بين زمنين، ما قبل رياح السماء، وما بعد «رياح السماء» التي هبت كالإعصار فحولت القضية الإنسانية بكسر الحصار عن غزة، والقضية السياسية الأكبر بإنهاء الاحتلال الصهيوني في فلسطين، إلى قضية شعبية عالمية، ووضعت الاحتلال الإسرائيلي في قفص الاتهام بعد ضبطه متلبسا بارتكاب أكثر من جريمة حرب ضد الإنسانية، وأعادت القضية الفلسطينية كلها، وليس كسر الحصار عن غزة فقط، إلى المربع الأول.. مربع المقاومة الشعبية العالمية. في زمن ما بعد الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية ضد أسطول الحرية، بدا للعالم أن إسرائيل بمن يحميها ومن يدور في فلكها، لا تحاصر غزة بقدر ما تحاصر نفسها، ولا تقتل الشعب الفلسطيني والمتضامنين معه، بالعدوان والتجويع وبالقرصنة والإرهاب، بقدر ما تحاول الانتحار بقتل نفسها بجنون قوتها وغباء سياسة حكومتها المتطرفة، التي وضعت إسرائيل في قفص العزلة الدولية وقفص الاتهام بالقرصنة والإرهاب. وبينما خرجت تصريحات رسمية أميركية شاذة تبرر الجريمة باسم حق الدفاع الإسرائيلي عن النفس، وتحاول عرقلة التحقيق الدولي باسم حق القاتل في تولي التحقيق والقضاء! وهي التي تنحاز إلى الاحتلال وتبرر الحصار اللاإنساني الإجرامي على الشعب الفلسطيني في غزة، بالتجاهل التام لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولنتائج الانتخابات الديمقراطية التي عكست إرادة الشعب الفلسطيني. وقد نشرت الصحف الإسرائيلية مقالات غاضبة بعناوين واضحة، تصف العملية الحربية الإسرائيلية بالفشل العسكري وبالوقوع في الفخ وبقصر النظر السياسي، وخرجت مظاهرات داخل إسرائيل نفسها تدين الحكومة الإسرائيلية على سياساتها المتهورة التي لطخت صورة إسرائيل بالعار، وضاعفت من مأزقها أمام العالم، وأفقدتها الأصدقاء وأضعفتها أمام الأعداء.. ويلفت النظر أن صوت المطالبة برفع الحصار عن غزة لم يتردد في الصحف ولا في المظاهرات الشعبية فقط، بل في داخل الحكومة الصهيونية أيضا على ألسنة بعض الوزراء، وفي داخل الكنيست بتبني المعارضة الصهيونية طلبات سحب الثقة بحكومة نتنياهو التي تواجه مآزق في الداخل والخارج وباتت عبئا ثقيلا على حلفائها وعملائها معا. وبينما أحرقت الشعوب أعلام إسرائيل في المظاهرت الشعبية الحاشدة التي تفجرت في العواصم والمدن العالمية. واستمرت لأيام متوالية أمام مقار الحكومات والبرلمانات والسفارات الإسرائيلية، مطالبة بمعاقبة العالم لإسرائيل على جريمتها ضد الإنسانية، بل وطرد السفراء الإسرائيليين من بلادهم.. كانت تلك المظاهرات ترفع الأعلام التركية وصور القادة الأتراك أردوغان وجول، تعبيرا عن تضامنهم مع الحملة الإنسانية التركية لرفع الحصار عن غزة، وإكبارا للشهداء الأتراك الذين دفعوا دماءهم من أجل القضية الفلسطينية العادلة. ونجحوا بالفعل في إيصال رسالة العدالة والحرية الإنسانية إلى كل شعوب العالم، بحيث لم يعد هناك صوت يعلو على صوت كسر الحصار على غزة وإنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين، لتصبح الآن هي قضية جل شعوب العالم، بل أصبحت هي البند الأول على الأجندة الرسمية للمنظمات الدولية. وكان أروع ما في الصورة الشعبية مشهد لافت لا تخفى دلالاته ومعانيه، ففي حين كانت الأعلام التركية تظلل المتظاهرين في غزة والمدن الفلسطينية، كانت الأعلام الفلسطينية تغطي المتظاهرين الأتراك في أنقرة واسطنبول وسائر المدن التركية، لتعيد تركيا بالموقف التاريخي للرئيس أردوغان إلى الأذهان الموقف التاريخي للسلطان عبد الحميد في الحقبة العثمانية. برفض طلب الإنجليز والفرنسيين التنازل عن فلسطين للصهاينة، لتعود تركيا إلى موقعها الطبيعي في محيطها العربي والإسلامي دفاعا عن قضية الأمة، مثلما تعود قضية الأمة لتصبح قضية عالمية. فما حدث ويحدث في العالم من تداعيات شعبية ورسمية منذ فجر الاثنين الماضي، من عواصف سياسية وأعاصير شعبية عربية وإسلامية وغربية، كردة فعل إنسانية تتخطى الانتماءات الوطنية والقومية والدينية ضد القرصنة الصهيونية اللاإنسانية، وهذا التلاحم الشعبي العربي الإسلامي من أجل فلسطين وضد المشروع الصهيوأميركي في المنطقة، تبشر بأننا بتنا على مسافة قريبة من رفع الحصار عن غزة، الذي ليس بديلا عن إنهاء الاحتلال في فلسطين. * نقلا عن جريدة البيان الاماراتية