تبقى «العلاقة الخاصة» التي تربط بين الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة احدى ابرز التحالفات على الساحة الدولية، والتي تظهر على اوجها خلال الازمات الدولية. وبالاضافة الى التحالف الدبلوماسي اتسمت العلاقات بتحالف عسكري قوي منذ الحرب العالمية الاولى الى الحرب الاخيرة في العراق. الا انها شهدت ايضاً فترات من الفتور العلني اشهرها اثناء حرب السويس (العدوان الثلاثي) عام 1956 عندما عارض الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور مشاركة بريطانيا في الحرب. واليوم، تتعرض العلاقة الاميركية البريطانية الى ضغوط بسبب الاوضاع الأمنية في العراق ودور القوات الأميركية والبريطانية فيه. ونشرت الصحف الأميركية منذ اسابيع تقارير تشير الى غضب في الاوساط العسكرية الاميركية بسبب الانسحاب البريطاني من مدينة البصرة قبل اسبوعين الا ان قائد القوات الاميركية الجنرال ديفيد بترايوس حرص على نفي وجود توتر في العلاقات بين الطرفين اثناء زيارته الى لندن يوم الثلاثاء الماضي، معرباً عن استغرابه من تقارير الصحافة وقال: «لا اعلم من اين تأتي هذه التصريحات من مصادر غير معلومة في وزارة الدفاع»، مؤكداً ان الانسحاب من البصرة «تم بالتشاور معنا». ووجه كلامه مباشرة الى صحافيين بريطانيين في مؤتمر صحافي اثناء زيارة الى لندن قائلاً: «انتم الحليف الابرز منذ البداية» في الحرب في العراق. واضاف: «جنودكم يقومون بعمل مهم في العراق»، ليعرب عن «تقديره الشديد للجيش البريطاني». إلا ان الدور الاميركي مختلف عن الدور البريطاني في العراق. فبينما يوجد 169 الف جندي اميركي في العراق ومن المتوقع ان يبقى عددهم حوالي 130 الفاً بحلول الصيف المقبل، تدرس بريطانيا سحب ما تبقى لها من جنود في العراق، وعددهم الحالي 5500 جندياً. وقد اعلنت الحكومة البريطانية سحب 500 جندي في المرحلة المقبلة ولكن من المتوقع ان يعلن رئيس الوزراء جوردون براون خفضا جديدا للقوات في خطاب للبرلمان الشهر المقبل. وكان مسؤولون في الجيش الاميركي ووزارة الخارجية الاميركية عبروا في السابق ل «الشرق الاوسط» عن استيائهم من الانسحاب التدريجي البريطاني من العراق، معتبرين ان بريطانيا تتخلى عن العراق بعدما دخلت الحرب كأبرز حليف عام 2003 الا ان جميعهم رفضوا الحديث مباشرة عن ذلك بسبب حساسية الموضوع ومنعاً لتفاقم التوتر بين الطرفين. وتحاول لندن التقليل من شأن التقارير حول عدم الرضا الاميركي لانسحابها من البصرة، والفتور الأوسع في العلاقات بين البلدين منذ تسلم رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون دفة الحكم نهاية يونيو الماضي وقال مصدر في وزارة الخارجية البريطانية ل «الشرق الاوسط»: «بالطبع هناك خلافات حول بعض القضايا ولكنها تحل من خلال النقاشات». وعن التقارير حول انزعاج بعض «مصادر البنتاجون» التي ذكرتها صحف اميركية من الانسحاب البريطاني، قال المسؤول البريطاني: «التقارير التي رأيناها في الصحف تستند الى مصادر غير معروفة ولا نعرف مدى صحتها الامر الاهم من ذلك اننا نعمل بتقارب مع الاميركيين والعراقيين» وأضاف: «الادارة الاميركية ادارة كبيرة وهناك دوائر عدة فيها ولكل واحدة موظفون لهم رأيهم في بعض الامور، لكننا لم نحصل على اية مؤشرات رسمية بعدم ارتياح الادارة الاميركية تجاهنا». وتابع: «المهم ان الرئيس الاميركي، والعسكريون على واقع الارض يعلمون ما يجري في العراق وهم مقتنعون بما نقوم به وعلى اطلاع به وهذا ما يهمنا». وتشدد لندن على ان علاقاتها مع واشنطن ليست منحصرة بالإطار العراقي. وقال المسؤول البريطاني: «لدينا علاقات تاريخية مع الولاياتالمتحدة وتعاوننا العسكري يعود الى الحرب العالمية الاولى ولن يتغير ذلك» وأضاف: «نحن على اتصال مستمر مع الاميركيين» يذكر ان العلاقات البريطانية الاميركية تشهد تغيرات مع تغير العلاقات الاوسع بين الولاياتالمتحدة والقوى الاوروبية الكبرى. ومع تولي انجيلا ميركل منصبها مستشارة المانيا، ونيكولا ساركوزي رئاسة فرنسا، باتت الدولتان اقرب الى الادارة الاميركية. وشدد خبير شؤون العلاقات الخارجية الاميركية والتر راسل ميد على ان «المملكة المتحدة لطالما كرهت الاختيار بين علاقتها مع الولاياتالمتحدة وبين موقعها في اوروبا، ومع الانتخابات الاخيرة في المانياوفرنسا، اصبحت بريطانيا قادرة على التحلي بعلاقات متينة مع الطرفين، من دون ازعاج أي طرف منهما». وعادة ما شهدت العلاقات بين البلدين تناغما عندما كانت التوجهات السياسية متشابهة للادارتين، فعادة ما كان حزب «العمال» البريطاني الاقرب الى «الديموقراطي» الاميركي، بينما حزب «المحافظين» يكون على وفاق مع «الجمهوريين». وكان للتحالف بين الرئيس الاميركي السابق رونالد ريجان ورئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر اثر كبير على نهاية القرن الماضي الا ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير استطاع الانسجام مع كل من الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وخلفه الجمهوري جورج بوش. وعن احتمال تأثير الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة على العلاقات الاميركية البريطانية، قال راسل ميد: «بغض النظر عمن سيصبح رئيساً للولايات المتحدة (عام 2009)، ستكون النتيجة ايجابية بالنسبة للساسة البريطانيين» وأضاف: الأمر الذي يهم المسؤولين في لندن هو ان «الرئيس بوش لن يعود الى البيت الابيض، وكانت عدم شعبية بوش شخصياً هي العقبة الاكبر لدفع المسؤولين البريطانيين لعلاقة اقرب الى واشنطن، وهذه المشكلة ستنحل بغض النظر عن الشخص الذي سيتولى الرئاسة». وفي اشارة لذلك، التقى المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية رودي جولياني هذا الاسبوع بكل من رئيس الوزراء جوردون براون في مقر الرئاسة، وسلفه بلير، قبل ان يتلقى وساماً من رئيسة الوزراء السابقة مارجريت ثاتشر. ويتوجه الى بريطانيا في الاسابيع المقبلة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لجمع التبرعات لزوجته هيلاري وبعده تأتي ميشيل اوباما لجمع التبرعات لزوجها باراك اوباما، في مؤشر آخر على اهمية العلاقات بين البلدين والمسؤولين فيهما.