إذا كانت السلطات الرسمية لم تستطع أن تردع عضو المجلس البلدي السابق الذي حوّل مدخل العمارة التي يملكها في الفروانية إلى مخزن لبراميل تحوي «مواد خطرة» عن احترام القوانين واللوائح، فان السلطة الرابعة فرضت هيبتها عليه أمس، من خلال مناشدة سكان العمارة التي نشرتها «الراي»، والتي استدعت من العضو السابق الإيعاز بافراغ المخزن ونقل محتوياته إلى مكان آخر. وإذا كانت قضية تسرب الغاز السام التي ذهب ضحيتها أربعة «شهداء» في منطقة مبارك العبدالله، فتحت الباب أمام نداءات واستغاثات من مواد خطيرة مخزنة في سراديب بعض العمارات ومنها «عمارة الفروانية»، فان قضية مخزن هذه الأخيرة فتحت الباب أمام مخالفات أكثر وأكبر، ليس أقلها فصل عدادات الكهرباء عن العمل واستخدام التيار مجانا، ولا أكبرها استخدام إحدى غرف الدور الأرضي سنترالا للاتصالات الدولية غير المشروعة. السلطة الرابعة - «الراي» فرضت هيبتها أمس، وتحول مخزن «المواد الكيماوية» الذي عجزت مناشدات السكان لصاحب العمارة والمسؤولين عن ازالته إلى خلية نحل بدأت العمل منذ السادسة صباحا لافراغه من محتوياته وتنظيف المكان، مع انتشار الخبر الذي نشرته «الراي» مع ساعات الصباح الأولى. وعلى الموعد كانت «الراي» أمس. في الرابعة والنصف فجرا رن جرس الهاتف، لتأتي الاشارة: «ترى الجماعة وصلوا يحملون البضاعة». ... وبسرعة إلى «مسرح» العمارة، ثلاث شاحنات تقف أمام المخزن، والعمال منهمكون بنقل البراميل من داخله إليها، وكون السيارة غريبة عن المكان، كان من الطبيعي أن ينظر الجميع بارتياب لهذا الفضولي الذي يقود بهدوء وسط هذه الجلبة ويحمل شيئا ما في يده. وبعد محاولات عديدة ذهابا وإيابا، استطاعت عدسة «الراي» - في المحاولة الأخيرة قبل أن يكتشف أحد العمال مهمتنا السرية - التقاط صورة للشاحنات التي تقف تحت جنح الظلام، كانت كافية للتأكد من صحة ما جاء في رواية سكان العمارة أول من أمس. في السادسة والنصف صباحا، يرن الهاتف مرة أخرى: «ترى الجماعة قاعدين ينظفون المخزن». ... ومرة أخرى إلى «المسرح» - بسيارة مختلفة بعد افتضاح أمر المهمة الأولى. شاحنات «هاف لوري» تحمّل البراميل بسرعة، وتنطلق الواحدة تلو الأخرى، فيما يقف عاملان أمام المخزن يراقبان سير العمل وحركة أي فضولي يمر، واستطاعت عدسة «الراي» مرة جديدة التقاط عدد من الصور لعملية تحميل البراميل وافراغ المخزن، لنذهب بعدها بحثا عن مكان نرابط فيه لمتابعة ما يجري. بعض من الوقت، ثم أتى «تنكر» مياه ليمد خرطومه إلى داخل المخزن على غير العادة - كما يفيد سكان العمارة، ليستمر العمل في النهار «على غير العادة» أيضا، لافراغ المخزن من محتوياته الكثيرة، فيما عدسة «الراي» تقتنص الفرص لالتقاط المزيد من الصور التي تكشف كل واحدة مخالفة جديدة بدءا من المخزن وصولا إلى عدادات الكهرباء المفصولة عن العمل، وغيرها الكثير». سكان العمارة سكان العمارة الذين تعبوا طوال أشهر من «مناشدة صاحب العمارة ومراجعة المسوؤلين» لحل مشكلة المخزن الذي يهدد حياة عائلاتهم، كانت «الراي» حديثهم الأول والأخير أمس، مشيدين بطرحها لقضيتهم وإيصال صوتهم إلى المسؤولين، كما عبر أحد السكان بقوله: «حل المسؤولين، هو البكاء على اللبن المسكوب بعدما تقع الكوارث، وتحل المصائب ليكتفوا بتوزيع الاتهامات والتنصل من المسؤوليات، لكن جريدة «الراي» استطاعت أن تفعل خلال يوم واحد ما عجز المسؤولون عن فعله طوال أشهر». ويقول أحد سكان العمارة (م. ع. م) عن خطر المواد الكيماوية: «لا يمكن ان تتخيل حجم الرعب الذي نعيشه جراء وجود تلك المواد في المخزن الموجود في أسفل العمارة، حيث ان تلك المواد قابلة للانفجار في أي لحظة، والأخطر وجودها بجانب جميع عدادات الكهرباء الخاصة بالعمارة حيث ان العدادات جميعها موجودة في المخزن وأي ماس كهربائي في أي لحظة يحول العمارة بكل سكانها إلى كتلة من الفحم». وأضاف: «منذ أن رفع صاحب العقار ضدنا قضية لطردنا وخسرها، أطلق العنان لارتكاب شتى انواع المخالفات لاجبارنا على ترك شققنا، ففي بداية الأمر حاول رجاله تعطيل المصعد الخاصة بالعمارة ونجح في ذلك، لكن رفعنا قضية وحكمت المحكمة لصالحنا باصلاح المصعد وتحمل كافة نفقات الاصلاح، وبعد ان وجد ان هذا الأمر لا يجدي نفعا معنا قام بتسكير المدخل الرئيسي للعمارة وتحويل الدور الأرضي لغرف، البعض منها بالمواد الخرسانية والبعض الآخر بالكيربي، وتأجير تلك الغرف للعزاب والهنود، وليس الهدف الأساسي من وراء هذا التأجير إلا اجبارنا على ترك شققنا». أما (ع. م ) فيقول :«الآن تقدم بي العمر ولا استطيع ان أصعد السلالم او انزل عليها لاذهب الى المسجد في ظل تعمد صاحب العقار الدائم بالايعاز للحارس بتعطيل المصعد، والادهى من ذلك تحويل الدور الأرضي على مرأى من البلدية إلى غرف للعزاب وتحويل جزء منه الى مخزن لمواد كيميائية سامة وحارقة وقابلة للانفجار في أي لحظة، خصوصا ان تلك المواد موضوعة بجانب كابلات الكهرباء التي تغذي العمارة ككل، وهذا تم فعله وعمله بالقصد من أجل إجبارنا على ترك شققنا التي ليس لنا مأوى غيرها أو تحويلنا الى جثث في أي لحظة إذا ما انفجرت تلك المواد الكيميائية أو حدث بينها وبين الكابلات الكهربائية تماس أو حدث منها أي نوع من التسرب». وتساءل: «هل أصبحت المخالفات ترتكب أمام أعين المسؤولين؟ وهل وصل بنا الأمر إلى استفحال الواسطة والمحسوبية إلى هذا المدى؟». أما (أ. ر)، فتقول: تعبنا من كثرة مناشدة صاحب العقار بإخلاء المخزن من المواد الكيميائية لكن دون جدوى معه، وكلما ناشدناه بإزالة تلك المخالفات يرد علينا «اللي مش عاجبه يضرب رأسه في الحيط». وأضافت: «المواد الكيميائية الموجودة في المخزن كميات كبيرة جداً، واذا ما اشتعلت فانها كفيلة خلال ثوان بتحويل العمارة بمن فيها الى جثة متفحمة». ويبين ان «العلاقات الاجتماعية لصاحب العقار كانت لنا بالمرصاد في كل مكان نذهب إليه لنجد وعودا ببحث الامر، لكن النتيجة لا شيء يحدث على أرض الواقع»، موضحة ان «مدير بلدية الفروانية رفض الاستماع إلى شكواهم مرات عدة». واشارت إلى انه «بالاضافة الى تلك المواد الخطرة هناك أيضا تعمد تعطيل المصعد وقطع التيار الكهربائي من قبل الحارس بإيعاز من صاحب العقار، فضلا عن المضايقات التي يسببها لنا البنغاليون والهنود في الغرف المخالفة التي تم بنائها في الدور الأرضي، والتي يمارسون فيها شتى أنواع المخالفات»، متسائلة: «هل يعقل ان يسكر الباب الرئيسي للعمارة ويتم تحويل الدور الأرضي الى غرف للعزاب». وأضافت: «من المؤسف أن رجال البلدية أتوا ورصدوا ان تلك الغرف مخالفة للقانون لكنهم اكتفوا بالرصد دون اتخاذ أي اجراء ضد صاحب هذا العقار، الذي يبدو انه تربطهم به علاقة قوية خاصة وانه عضو مجلس بلدي سابق وله نفوذه ووسائطه في كل مكان». ومن جهته تقول (أ. س): «منذ ان خسر صاحب العقار القضية الخاصة بطردنا، مارس علينا كل أنواع الضغوط لنستسلم ونرضخ ونترك له شققنا من أجل هدم العمارة وتحويلها إلى برج سكني». وتساءلت: «كيف يستريح لنا بال ويغمض لنا جفن في ظل القنابل الموقوتة التي في أسفلنا، والقابلة للانفجار مع كل دقيقة وثانية تمر علينا لنظل في رعب وخوف دائمين». وأضافت: «الموت يحيط بنا من كل ناحية من مواد كيميائية، وعزاب يهددون حياتنا ليل نهار، وكل ذلك على مسمع ومرأى صاحب العقار والذي طرق كل السبل والوسائل من أجل اجبارنا على إخلاء شققنا». وقالت: «يبدو ان المسؤولين لا يتحركون الا بعد ان تقع الكوارث وتحل المصائب، لذا نناشدهم من خلال جريدة «الراي» الذي نعتز بتبنيها قضايا تمس واقعنا ومشاكلنا سرعة التحرك قبل وقوع كارثة يمكن أن يروح ضحيتها في أي وقت عشرات القتلى». «البلدي» مجمع على تطبيق القوانين واللوائح «الراي» استطلعت آراء أعضاء المجلس البلدي بعد الجلسة التي خصصها المجلس أمس لمناقشة تداعيات نكبة عائلة «عبدالله المبارك» حول موضوع «عمارة الفروانية». وفيما اعتذر بعض أعضاء المجلس البلدي عن التصريح حول الموضوع لاعتبارات خاصة، أكد رئيس المجلس البلدي عبدالرحمن الحميدان انه «بغض النظر عن الشخص الذي ارتكب المخالفة، فإن المجلس البلدي أجمع على ان يتم تطبيق اللوائح والقرارات الخاصة باستخدامات السكن الخاص». وأضاف الحميدان: «على الإدارة ان تكون حازمة في تطبيقها للقوانين لكي تتجنب مثل هذه الحوادث المؤسفة»، مشيرا إلى انه «يجب ألا ننتظر حدوث مثل هذه الكوارث التي ينتج عنها ما ينتج من خسائر في الأرواح، كما حدث في منطقة عبدالله المبارك». واعتبر الحميدان ان «معظم الكوارث والأخطاء التي حدثت، أسبابها تعود إلى عدم احترام القوانين واللوائح وعدم تطبيقها من قبل الادارة». ومن جانبه، قال عضو المجلس البلدي الدكتور فاضل صفر: «للأسف ان بعض أعضاء المجلس البلدي ومجلس الأمة هم السبب في تكريس المخالفات، إما شخصيا لانفسهم أو أقاربهم أو بالتوسط للآخرين وذلك للتكسب الانتخابي». وأوضح صفر ان «هؤلاء يضربون بعرض الحائط القوانين والنظم ويتسببون في ارتكاب المخالفات»، مبينا ان «المأساة التي حدثت لإحدى العائلات في منطقة عبدالله المبارك قد تتكرر في أي منطقة أخرى جراء هذه المخالفات». ومن جهته، قال عضو المجلس البلدي خليفة الخرافي ان «ما نشرته «الراي»، وأيا كان هذا العضو السابق او صفته، فلا بد من تطبيق الأنظمة واللوائح عليه أولا، وألا يقوم بارتكاب مثل هذه الأفعال والمخالفات ضاربا بعرض الحائط النظم والقوانين».