عندما نزلت الطائرة القادمة من الشرق الأوسط في لندن فتحت هاتف "البلاكبيري" لأجد سيلا من الرسائل الإلكترونية وصلتني وأنا على متن الطائرة، وبإلقاء نظرة خاطفة على العناوين والُمرسلين عرفت أن بعضها أخبار عاجلة أرسلها بعض من موظفي "المعهد العربي الأميركي" في واشنطن، في حين أن الباقي اتخذ شكل مقالات وبيانات صحفية أصدرتها وسائل الإعلام الأميركية. وأمام العدد الكبير من الرسائل التي تلقيتها لم أتمالك نفسي، فرحت أقرأ العناوين وأغوص في المقالات فقد أكتشف السبب وراء هذا الدفق من الرسائل لأعرف بعد دقائق بحادثة إطلاق النار الرهيبة في القاعدة العسكرية "فورت هود" بتكساس، التي أسفرت عن قتل 12 عسكرياً أميركياً، وجرح آخرين. وبمتابعتي للقراءة بدأت تتكشف بعض التفاصيل التي سيتبين لاحقاً أنها كانت خاطئة وتعوزها الدقة مثل ما قيل عن مشاركة ثلاثة أشخاص في عملية إطلاق النار قبل أن يتأكد الخبر اليقين بأن المسؤول عن الهجوم كان رجلا واحداً، ثم قرأت أن الجاني من الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، والحال أنه أميركي من أصل عربي يبلغ من العمر 39 سنة، وأنه فلسطيني أردني ولد في الولاياتالمتحدة. كما تأكد أنه طبيب نفسي كان يعالج الجنود الأميركيين العائدين من العراق. وبعد ذلك انهالت عليَّ الرسائل من المعهد بواشنطن حول الطريقة التي يتعين التعاطي بها مع الحدث والتطورات التي أعقبت عملية إطلاق النار، فكانت أول ردة فعل تلقائية هي شعوري بالذنب لأنني بعيد عن الزملاء في المعهد، وقد لا يجيدون التعامل مع الوضع ليس لنقص في المهارة، بل لأنهم جزء من دفعة جديدة تم توظيفها مؤخراً وليست لديهم التجربة الكافية. وقد استفدت من فترة الانتظار التي قضيتها في باحة المطار لأفكر فيما يتعين القيام به حال وصولي إلى الولاياتالمتحدة، فركزت في لغة البيان الذي يتعين إصداره وما يجب أن يتضمنه، فلاحظت أن بعض الرسائل التي وصلتني من عدد من الهيئات والمنظمات العربية والإسلامية في أميركا تدين الحادث وتشجبه بقوة، ولكنها تحذر في الوقت نفسه من ردة فعل عنيفة ضد المسلمين والعرب في الولاياتالمتحدة فبادرت بتنبيه موظفي المعهد العربي الأميركي إلى عدم انتهاج الأسلوب نفسه والتركيز في هذه المرحلة على إبداء التعاطف مع أسر الضحايا وكشف عمق المأساة الإنسانية التي خلفتها الجريمة المروعة، على أن يذهب التركيز أيضاً إلى التفكير في طريقة لمواجهة التحديات والشكوك التي قد يعانيها العرب والمسلمون في الولاياتالمتحدة نتيجة الحادث وتصاعد بعض الأصوات التي ستستغل الفرصة للاصطياد في الماء العكر وإلصاق تهمة الإرهاب والعنف بالعرب، فضلا عن الترويج لخطابها العدائي. ومن واقع تجربتي لأكثر من ثلاثة عقود انخرطت أثناءها في العمل مع العرب الأميركيين لمواجهة مثل هذه التحديات، استطعنا تخطي الأزمات سواء تلك الناجمة عن بعض العمليات الإرهابية والاختطافات التي تصدرت وسائل الإعلام في مرحلة من المراحل، أو تلك المرتبطة بالحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط وما يولده ذلك في النفوس من مشاعر ملتبسة. ولعل ما يزيد من صعوبة التحديات التي يواجهها العرب والمسلمون في أميركا عندما تقع حوادث يتورط فيها بعضهم هو الدور الذي يلعبه الإعلام، لاسيما في عصر المعلومات والانفتاح، بحيث قد تتحول المقالات والقصص الصحفية من مجرد معلومات وأخبار يتم عرضها إلى حدث درامي بشخوصه المتعددة يرمي إلى إثارة المشاعر وضمان مشاركة وجدانية من الرأي العام. وهذا الواقع الإعلامي المحيط بنا من كل جانب يحتم علينا كعرب في أميركا الحرص في صياغة آليات الرد والتعامل بحذر مع وسائل الإعلام حتى لا تأتي ردة الفعل عكسية ولنضمن إبعاد الشبهات عن العرب والمسلمين. * نقلاً عن جريدة "الاتحاد" الاماراتية