رغم الأوبئة الخطيرة التي تحيط بالعالم في الوقت الحالي ما بين انفلونزا طيور وخنازير وسبقهما سارس وخلافه من الأمراض التي تطارد البشرية فإن دول العالم مازالت مختلفة حول مفهوم التعاون في مكافحة الأوبئة. ظهر هذا جليا خلال اجتماع الخبراء للدول الأعضاء في معاهدة حظر الأسلحة السمية والبيولوجية.. في الاجتماع الذي عقد في مدينة چنيڤ طالبت الدول النامية بضرورة تفعيل بند التعاون الذي تنص عليه المادة العاشرة من المعاهدة. فالدول النامية التي توفر بالكاد أدني حد من المتطلبات الأساسية لسكانها وأحيانا لا توفر حتي هذا الحد الأدني داهمتها في الفترة الأخيرة هذه الأوبئة التي تشكل عبئا هائلا علي مواردها ونظامها الصحي. أما الدول المتقدمة فهي تنظر إلي مفهوم التعاون هذا بحذر شديد يصل إلي حد التخوف بذريعة حماية أبحاثها العلمية من جهة.. واحتمال وجود مخاطر من أن يؤدي ذلك إلي انتشار امكانية صنع الأسلحة البيولوجية من جهة أخري. قد لا يكون هذا النقاش جديدا حسب بعض الخبراء.. حيث تم طرحه وبشكل دائم منذ دخول معاهدة حظر استحداث وانتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسمية حيز النفاذ في 62 مارس 5791.. لكن النقاش هذه المرة أكثر إلحاحا في ظل المخاطر الصحية الجديدة التي طرأت علي العالم في العقد الأخير.. حيث طالبت بعض الدول في اجتماع الخبراء الذي عقد في قصر الأمم في چنيڤ بادخال اجراءات إلزامية تقنن مسألة التعاون في مجال الأبحاث البيولوجية لتمكن الدول الفقيرة والنامية من مواجهة انتشار الأوبئة وفرض اجراءات صارمة علي الدول التي ترفض التعاون في هذا المجال.. لكن لماذا تنظر الدول المتقدمة إلي مسألة التعاون في مكافحة الأوبئة علي أنها مسألة شديدة التعقيد إلي هذه الدرجة؟ قد يكون من المفيد الاطلاع علي الورقة التي قدمها معهد ستوكهولم لأبحاث السلم في اجتماع الخبراء.. فقد عرض المعهد تجربته والتي توصل فيها إلي أن هذا التعاون الذي يتطلب تبادل معلومات ومعارف وتكنولوجيا وخبرات في مجال تشخيص وتحليل واحتواء الأمراض المعدية يتوقف علي مدي رغبة الدول في تقديم مثل هذا التعاون الذي ينظر له في بعض الأحيان علي انه موضوع حساس ومحفوف بالمخاطر كسقوط تلك المعلومات والخبراء بين أيادي تسيء استعمالها. وحتي لو توفرت الارادة للقيام بهذا التعاون يري المعهد ان الدول النامية المستقبلة لهذا التعاون يتطلب منها توفير بنية تحتية وتخصيص أموال مهمة لهذا المجال وهذا ما لا يتوافر في بعض الأحيان بالنسبة لقطاع صحي يعاني من نقص الأموال.. أما العنصر الثالث الذي أثاره معهد ستوكهولم في هذه الاشكالية.. فهو ضرورة توافر معامل في البلدان الراغبة في الاستفادة من هذا التعاون.. تكون قادرة علي التحكم في عملية انتشار الوباء بشكل دائم ومستمر.. سواء كان انتشار الوباء ناتجا عن تصرف متعمد أو بشكل طبيعي ولهذا أعد معهد ستوكهولم كتيبا يشرح فيه مباديء الأمن البيولوجي أو ما يعرف ب»البيوسيكيوريتي« يمكن تطبيقها في المخابر العاملة في المجال البيولوجي. ورغم ان معاهدة حظر الأسلحة السامة والبيولوجية ينص في بندها العاشر علي ضرورة التعاون فإن الدول المتقدمة تتبني مفهوما لذلك التعاون يقوم علي ما تسمح به سياساتها في مجال يعتبر من أدق المجالات العلمية.. ويحتوي علي معلومات حساسة وقد يساء استخدامها لو سقطت بين أيادي منحرفة.. لذلك تقتصر هذه الدول عند الحديث عن هذا الملف علي سرد تجاربها وتجارب معاملها في مجال التعاون. وهذا ما قامت به الولاياتالمتحدة أثناء هذا الاجتماع للخبراء.. اذ عرضت ورقة تحت عنوان »جهود حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعم قدرات العالم في مراقب انتشار الأوبئة ومواجهتها«.. فهي بعد أن أعربت عن قناعتها بضرورة حصول دول العالم علي قدرات لتشخيص الأوبئة بسرعة ومواجهتها تعتقد ان ذلك يمكن أن يتم من خلال ما تقوم به مع الجهات المختصة الدولية مثل منظمة الصحة العالمية. ومن خلال ما تقوم به مع بعض الدول.. وتري الولاياتالمتحدةالأمريكية ان ما تقوم به يذهب إلي أبعد مما ينص عليه البند العاشر من المعاهدة وقد أورد الوفد الأمريكي بعض الأمثلة لهذا التعاون مع دول مثل مصر والصين وجواتيمالا وكازاخستان وكينيا من خلال برامج تكوين الخبراء في تشخيص الأوبئة. ودعم معامل التحاليل الخاصة بالأوبئة.. وأشار الوفد الأمريكي إلي ان الولاياتالمتحدة كانت أكبر ممول للجهود الدولية لمواجهة وباء انفلونزا الطيور وأوبئة أخري.. لكن مجموعة دول عدم الانحياز بقيادة كوبا ومعها دول من خارج المجموعة لا ترغب في ان يبقي التعاون انتقائيا.. ومع الدول التي لها مصالح مشتركة.. بل أن يطبق عبر آلية ملزمة يطلق عليها اسم آلية التطبيق الفعلي للبند العاشر من المعاهدة. وهناك دول مثل ايران ذهبت إلي أبعد من ذلك.. بحيث تقدمت بمشروع يطالب حتي بمعاقبة الدول التي ترفض التعاون في هذا المجال. ومن المقرر أن يجري في مؤتمر المراجعة السابع والمقرر في عام 2011 بحث اتخاذ قرار لفتح مفاوضات حول بروتوكول الزامي لتعزيز تطبيق بنود المعاهدة عموما وبند التعاون الدولي علي وجه خاص لأغراض سلمية. وتنص المادة العاشرة من معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية علي ان الدول الأعضاء في المعاهدة تلتزم بتسهيل التبادل علي أوسع نطاق في الأجهزة والمعرفة العلمية والتقنية التي لها علاقة باستعمال عناصر بيولوجية أو سامة لأغراض سلمية. كما من حقها الاسهام في هذا التبادل.. ومن حق الدول التي لها تلك الامكانية أن تتعاون بتقديم مجهوداتها فردية أو جماعية أو بالاشتراك مع منظمات دولية.. وتطبيق هذه الاكتشافات العلمية في المجال البيولوجي بهدف الوقاية من الأمراض أو لأغراض سلمية أخري وتوسيع نطاق الاستفادة المستقبلية